أحمد الجعدي

أحمد الجعدي

تابعنى على

لماذا يثق العرب بقادتهم

Thursday 07 January 2021 الساعة 08:52 am

هتف الفرنسيون "تحيا الأمة الفرنسية" وبصوتٍ واحد ملأوا العالم ضجيجاً وبه أعلنوا قيام ثورتهم التي أصبحت مرجعية الثورات والفلسفة العميقة للعلاقة بين مفهوم الأمة والقومية وبين الدين والدولة وكثيراً من المفاهيم السياسية والاجتماعية التي تعد مرجعية للفلاسفة ويستند عليها المفكرون وساسة العصر الحديث للإبحار في قراءة واقع الشعوب وتوقع مآلاته.

في صورة لكيفية نشوء مفهوم الأمة ونشوء أي مفهوم بشكلٍ عام، يحدث أن يتمسّك الشعب بشعارٍ لفضي لا يتجاوز الإدراك بمفاهيمه حناجر من يهتفون به، إلا أنّهم مستعدون للتضحية بأرواحهم من أجله:

حدث أن التف مجموعة من الفلاحين بسلاحهم التقليدي وأدوات الزراعة الحادة حول أحد الرجال ممن يبدو عليه الانتماء للطبقة الأرستقراطية وهم يهتفون "تحيا الأمة الفرنسية" ثم طلبوا منه ترديد الشعار ثلاثاً وهو يرد عليهم في كل مرّة "تحيا الأمة الفرنسية" ليسألوه بعدها سؤالا ليس اختباراً وإنما سؤال من يجهل الشعار ويبحث عن معناه قائلين: ماذا تعني الأمة الفرنسية؟

في بلدٍ مثل مصر يتمتع شعبها بطاقة غير عادية في تفسير الأشياء وطرح الحلول والأفكار بشكلٍ ارتجالي، بمعنى: كل شخص يمثل مشروعاً أممياً ويملك مفاتيح حلول لمشاكل الأمة لا يمكن أن تجدها عن الشخص الذي يجلس بجانبه، إلا أن المصريين كانوا مدركين لهذا الشيء ليخرجوا أثناء "الربيع العربي" بشعار "الشعب يريد إسقاط النظام" بطريقة يقمع فيها هذا الشعار أي مجال لتمييع فكرة التغيير أو طرح حلول أخرى غير التغيير الذي استمات الشعب في أن يراه واقعاً.

في "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي وخلال فترة من المفاوضات الطويلة، تخلل تلك الفترة حربٌ في شقرة من محافظة أبين، إلى تراشق إعلامي وأحاديث كثيرة من الشائعات والتوجسات تمسك خلالها الشارع الجنوبي بترديد عبارة "كلّنا ثقة بقادتنا" مغلقين الباب أمام أي فكرة أو حديث يمكن أن يذهب بهم وبقضيتهم في طريق غير محمود العواقب.

خلال الفترة التي مضت كنتُ أعتقد أن العبارة "كلنا ثقة بقادتنا" خاصة وماركة مسجّلة بالشارع الجنوبي إلا أنني يوم أمس وبعد "المصالحة الخليجية" بدأت أقرأ لكتّاب خليجيين يرددون نفس العبارة وتراشق إعلامي في مصر بين مؤيد وشامت بالموقف المصري مذيلين ما يقولونه بنفس العبارة.

بالتأكيد هناك أسباب لهذا النمط من الالتفاف وللتفكير بشكلٍ جمعي في كون الاستماتة حتى النّفس الأخير هي الحل كمن هو محاط بالنّار يشهق من الألم ومغمضٌ عينيه في رهانٍ على الزمن بانطفائها، وبالتأكيد أن هناك من لديه القدرة من المتخصصين في تفسير الحالة بشكلٍ أعمق وتوضيح أسبابها بطريقةٍ أوضح، وبالتأكيد أيضاً أن مثل هؤلاء قلّة في الوطن العربي، ولستُ متأكداً في أنّ هذا هو الوضع السليم والمرحلة الطبيعية لشعوبٍ تُعتبر بدائية مقارنة بشعوب دولٍ ديمقراطية أُخرى، شعوباً أخذت درساً قاسياً لمجرّد أنها فكّرت أو دُفعت بطريقة ما للتغيير والثورة.