عبدالحليم صبر

عبدالحليم صبر

تابعنى على

نادل في المطعم أفضل بألف مرة من بائع المسكنات

Friday 02 April 2021 الساعة 06:51 pm

الجانب النفسي في التعامل مع هذه الجائحة جزء أساسي ورئيسي في كيفية أن تكون شجاعا بما فيه الكفاية من صمود أمام عاصفة التهديدات والأخبار التي تحيط بنا من كل الجوانب، بما في ذلك أصوات الموتى التي تتماهى إلى مسامعك وعن توسع المقابر وارتفاع ثمنها. 

أصدقاء كانوا بحالة جيدة وأحسن منك تماسكا وقدرة وبنية جسدية تحايل عليهم الموت بطريقة أكثر حدية حتى حولهم إلى أرقام في قائمة الخسائر، ثم أوراق كرتونية معمدة وممهورة بتوقيع أولئك الذين جاؤوا لهذه المهمة دون أدنى اهتمام لخسارة الأبناء والأمهات والزوجات والأطفال.

أسبوع بالتمام والكمال وأنا أصارع هذا العدو الخفي الذي جاء مدججا بكل مستلزمات الهدم، جاء بالحمى، والزكمة، والنزول، والسعال الحاد، والصداع النصفي والكلي، والخمول، والذبول، وبرود الأطراف، حتى وصل إلى حالة من العجز الذي أعلن فيه فشله.

تعامل معي كخصم وعدو صلب وليس زائرا، بينما تعاملت معه كصديق وليس كعدو، بادلته بالتحايا والابتسامات في كل لحظة، زرت معه المطاعم أكثر من الصيدليات، اتفقت مع نفسي ألا أزور مشفى طالما ونفسيتي قادرة على الاستقرار بجسدي.

حتى زيارتي القليلة للصيدليات ليست لأخذ الوصفات الطبية، بل لأمنح من حولي صك الاطمئنان أنني بخير.. مع أن في قناعتي أن هذه الدكاكين هي مبعث للقلق ولم تكن يوماً محل ثقة لنا نحن المستهلكين، بقدر ما هي نقطة ترويج لعلامات تجارية عابرة أوجاعنا.

ينتزعون كل ما في جيبك كي يمنحوك حمل يدك من الوصفات المتنوعة من كل الأصناف, بينما لم يمنحوك بسمة صدق ولا قرص الثقة، إضافة إلى ذلك ملامحه وتعامله الذي لم تجد فيه ما يشعرك أنه مسؤول عن حياتك حين يلف ربطة الكيس بإحكام ويقدمه لك.. لأنه يعرف تماما أن العلاج الذي معك النصف منه مهرب والنصف الآخر بات مضروباً بفعل سوء التخزين. 

نادل في المطعم يملك الضمير أفضل بألف مرة من بائع المسكنات الذي يملك الشهائد والأوسمة والألقاب المزيفة. 

هذه الحقيقة ولا نثق بهم.

حتى أطباء المستشفيات الخاصة والعامة لا تأبه لك إلا في حالة أن تكون مسؤولاً أو ذا شأن. تصل الباب يعتذر عن استقبالك لسبب لا يقل قبحاً عمن وضعه في هذا المكان. وبكل برود يقول لك: عفوا ما فيش معنا اوكسجين. وغرفة العناية مغلقة للصيانة.

يفكرون فقط كيف يربحون. فارتفاع شدة الحرارة في جسد رجل كهل في السن ماذا سيجنون منه غير التعب ووجع القلب، ولهذا من الأفضل عدم قبوله. هذه هي سياسة المستشفيات الخاصة، بينما المستشفيات العامة لا تقدم شيئا غير الوهم.

تجاوزت هذه المحنة بفضل العزيزين محمد صبر ومحمود ناجي اللذين كانا معي في لحظات العراك والشدة. كانا جادين بقدر كبير من المسؤولية تجاه هذه المعركة حتى وصل بهما إلى أن يكونا طرفا في ما علي أن آكل أو يجب أن امتنع. جعلا من الوجبات الغذائية أن تحل محل الوصفات الطبية..