حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

الحضارة الإسلامية حضارة دنيوية

Saturday 17 April 2021 الساعة 11:43 pm

عندما نتحدث عن الحضارة الإسلامية فنحن غالبا نتحدث ونفتخر بجانبها الدنيوي لا بجانبها الديني. 

نتحدث عن إنجازاتها في الطب والفلك والعمارة والرياضيات والآداب والفنون، ونادرا ما نركز على الجانب الديني أو الفقهي أو العسكري. 

كما أن الأمم الأخرى وجدت علوم الفلك والطب والهندسة والحساب "الإسلامية" نافعة لها فأخذتها وطورتها، بينما لم ترَ في الجانب الديني أو الفقهي أو الأخلاقي العربي شيئًا ذا أهمية أو فائدة فتجاهلته. 

وعندما نتحدث عن الحضارة الإسلامية يعود سوء الفهم إلى لفظ "إسلامي" المضاف إلى الحضارة المعنية. 

وهو لفظ ديني لكنه عندما يضاف إلى الحضارة الإسلامية يضاف بمعناه الثقافي العام لا بمعناه الديني، ذلك المعنى الذي جعل مسيحيين ويهودا وملحدين وزنادقة من أبرز مثقفي وعلماء هذه الحضارة. 

بل لا أبالغ إذا قلت إن أبرز إنجازات الحضارة الاسلامية تمت على يد أشخاص "لا دينيين" أو "لا إداريين" أو على الأقل على يد أشخاص تم التشكيك في عقيدتهم من قبل المؤسسات الدينية الرسمية. 

يمكنك هنا أن تتحدث عن الفارابي والكندي والرازي وابن المقفع وابن رشد وابن الخطيب وابن سينا وابن طفيل والكندي وابن الهيثم وعباس بن فرناس والبيروني وعن عشرات الأسماء التي صنعت الحضارة الإسلامية وأغلبهم اتهموا بالزندقة والضلال والكفر.

بل ان العصر الذهبي للحضارة الإسلامية (العصر العباسي الثاني) كان أبعد العصور عن التدين،  

وكانت أبرز حضارة إسلامية(الأندلس) بعيدة جدا عن التدين بمعناه التشريعي والفقهي والطقسي.

وكان من الصعب إطلاق لفظ "الحضارة العربية" على هذه الحضارة كما سميت بعض الحضارات باسم الأمم التي أنشأتها لأن شعوبا كثيرة ساهمت في صنع هذه الحضارة إلى جانب العرب.

بل إن دور العرب في صناعة إنجازات الحضارة الإسلامية (بعيدا عن الجانب الحربي الفتوحاتي) كان محدودا كما رأى ابن خلدون. 

قال ابن خلدون إن العرب  "أبعد الناس عن الصنائع" ومن كان يقوم بالتعمير والصناعات والعلم  أغلبهم من "العجم".

 أما العرب الفاتحون فاكتفوا بالحكم وتسخير الآخرين لخدمتهم واستيراد الصناعات المطلوبة من الهند والصين (ما أشبه الليلة بالبارحة!)

ويقول ابن خلدون أيضا إن "حَمَلة العلم في الإسلام أكثرهم من العجم" فأغلب أئمة المذاهب لم يكونوا من العرب وكذلك الأطباء والفلاسفة وحتى أهم واضعي أسس علم الحديث واللغة والنحو كانوا من "الأعاجم"! 

إن الحضارة الإسلامية ليست "إمبراطورية الفتوحات"، لأن الغزوات وحدها لا تشكل حضارة وإلا لاعتبرنا جنكيز خان وتيمورلنك في مقدمة صناع الحضارات.

واذا حددنا للحضارة أربعة أبعاد: السياسة والاقتصاد والعلوم والفنون والآداب.. فإن الحضارة الإسلامية لم تقدم للعالم شيئا مهما في السياسة، فنظام الخلافة والإمامة كان نظاما عربيا بدويا متخلفا حتى مقارنة بالأنظمة السياسية في عصر تأسيسه.

 ولم تقدم للعالم شيئا ذا بال في الاقتصاد بسبب سيطرة اقتصاد الجهاد والغنيمة وهو اقتصاد عربي بدوي غير قابل للنقل للأمم الأكثر تحضرا.

 ولم تقدم للعالم إنجازا مهما في الروحانية والتدين بعد أن دخل الإسلام عصر التقليد والانحدار. 

ويبقى الجانب الأهم الذي قدمته الحضارة الإسلامية للعالم هو العلم التجريبي في الفلك والهندسة والحساب والطب (بمقاييس تلك الأيام) والفلسفة اليونانية وتطويراتها على يد بن رشد ونزراً يسيراً من الأدب والشعر الغزلي والصوفي.

والجانب المثير في هذه الجوانب أنها كلها كانت نتيجة تأثر الحضارة الإسلامية بالحضارات الأخرى وتطويرها لعلوم الأمم السابقة لها (الرياضيات من الهند، والفلسفة والطب والفلك من اليونان، والتقنيات من الصين).

ومن الملفت للنظر أن هذا الانفتاح كان الجانب الذي أثار غضب المؤسسة الدينية الرسمية بكل مذاهبها السنية والشيعية وتمت محاربة تحت دعاوى الذب عن العقيدة وحماية الأمة.

أليس غريبا أن أكثر من يتفاخرون بالحضارة الإسلامية هم من يرفضون أهم منجزاتها الحقيقية ويرونها انحرافا عن الطريق.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك