أنور العنسي

أنور العنسي

تابعنى على

وداعاً محسن العيني

Thursday 26 August 2021 الساعة 07:07 pm

حياتك عنصران، حدثٌ هائلٌ تعيشه، وشخصٌ ملهمٌ يقودك للتعامل معه بطريقة متناسبة في الفعل ورد الفعل.

في صباي كان العنصر الأول الذي وجدت نفسي في خضمه هو (الجمهورية) التي تتصارع حولها مصر والسعودية وقوى إقليمية ودولية مختلفة، وأمامي لم يكن هناك من (مثال) أقتدي به وأحذو نموذجه في التعليم والثقافة غير (محسن العيني) ذلك الشاب الذي خرج من أفقر القرى في (بني بهلول) من مديرية (سنحان) ليذهب عبر طريقٍ طويل من التعلم والاستبسال في القراءة واكتساب المعرفة وصولاً إلى أفضل جامعات العالم، وليتقن أفضل لغاته، وليصبح بمثابة الصديق الأثير لأهم قادته وزعمائه، من جون كنيدي في الغرب إلى ليونيد بريجنيف في الشرق، إلى جمال عبدالناصر، وإلى من جاء بعدهم.

أول ساعة يد حصل عليها تلميذٌ فقير مثلي هي (ريكو) اليابانية أو الكورية الصنع، لا أتذكر، هي تلك التي وضعها على معصمي "محسن" خلال حفل افتتاح مدرسة (الكوفة) في ذمار حين دعتني إدارة التربية والتعليم لتقديمه.

قبل ذلك كنت عرفت إبراهيم الحمدي صديقه الذي جمعت بينهما جوانب اتفاق وعوامل اختلاف كثيرة ومثيرة.

كان إبراهيم، قبل أن يصبح رئيساً للدولة، جارنا اللطيف في حارة (فرح) في مدينة ذمار، وكان محسن رئيساً لأربع حكومات هي الأهم في تاريخ الجمهورية، بل في تاريخ المنطقة العربية.

تنازعتني حالتان من الإعجاب بين هاتين الشخصيتن لدرجة لا تُصدق، العيني المدني المثقف، التواق للذهاب إلى بناء مجتمع نظيف من التقاليد البالية كالقات والنفوذ القبلي في شؤون الدولة، ولإدارة الحكم، والحمدي شبه العسكري المتمدن بقوة بحكم تعليمه وتكوينه، لكنه شديد التمسك برأيه في أن تناول القات مثلاً حرية شخصية بحتة.

لم يكن هذا المبحث هو وحده فقط سبب الافتراق بين العيني والحمدي.. ثمة أسباب أخرى قد أعود إليها لا حقاً.

خلال عهد الرئيس الراحل علي عبدالله صالح التقيت العيني في واشنطن وهو سفير اليمن هناك، سمعت عنه في العاصمة الأمريكية الكثير من الثناء، لكنني لم ألحظ عليه أي قدر من الاهتمام بأن يكون حاضراً في كل الأنشطة خلال وجود (الرئيس) في واشنطن، وكان لهذا الأمر ما يبرره ولا يلفت انتباهي كثيراً فالعيني هو العيني.

ثم توالت لقاءاتنا، وتعززت علاقاتنا، وصرنا أشبه بصديقين، غضاً عن النظر في تاريخه السياسي، أو واقعي المهني المتواضع في مؤسسات إعلامية دولية استمرت صداقتنا.

زرته في منزله بالقاهرة قبل ثلاثة أعوام، وأردت مكاشفته في أمور تتصل بخلافه مع إبراهيم الحمدي، الرئيس الذي أقاله من رئاسة الحكومة خلال جلسة إفطار في منزل العيني، فكانت إجابته تدل على رجل كبير في منتهى النبل والتوازن النفسي والذهني.

وفي آخر مكالمة هاتفية لي معه منذ أسابيع للتحقق منه حول رأيه بشأن موضوع كنت أشتغل عليه بخصوص مسؤولية الرئيس الأسبق عبدالرحمن الإرياني في قضيةٍ ما، كان رأيه أن الإرياني كان من أفضل من حكموا البلاد حتى وإن لم يكن رجل حسم وعزم لكنه كان الأجمل عقلاً وحكمة.

قصارى القول، إن محسن كان لا ينظر إلا إلى الجانب الأجمل في كل شخص تعامل معه، كبيراً كان أو صغيراًً.

تعامل مع فضولي الصحفي باحترام، وأجاب عن أسئلتي بموضوعية حتى في أشد الحالات التي كان يحتاج فيها إلى الراحة والابتعاد عما يشغل البال، لعله نظر إليَّ بما يجعلني أحس بقيمة رسالتي، وربما تحدثت عنه كذلك، ولكن يظل من حق القارئ أن يكون لديه نظر!

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك