الغاز في تعز.. سلاح بيد متنفذين ومعاناة يدفع ثمنها المواطن
السياسية - Wednesday 25 June 2025 الساعة 08:41 pm
تعيش مدينة تعز أزمة خانقة في توفر مادة الغاز المنزلي، نتيجة تصاعد صراع المصالح بين وكلاء التوزيع الرئيسيين المرتبطين بقيادات نافذة في حزب الإصلاح، في مشهد يعكس كيف تحولت مادة حيوية وأساسية إلى ورقة ابتزاز تجاري وسياسي، يدفع ثمنها المواطنون الذين باتوا يعودون إلى استخدام الحطب في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة.
بحسب مصادر محلية قالت إن جذور الأزمة تعود إلى خلاف حاد بين اثنين من أبرز وكلاء الغاز في المحافظة، الأول عبدالكريم، مالك محطة "الأخوين" في الضباب، وهو نجل أحد المسؤولين الأمنيين في تعز، فيما الطرف الثاني هو سنان البعداني، مالك محطتي "الفرشة" و"ساسكو"، ويتمتع بدعم قوي من شخصيات محسوبة على حزب الإصلاح وقيادات في السلطة المحلية.
وتسبب هذا الصراع، الذي يسعى فيه كل طرف إلى احتكار كميات الغاز القادمة من حقول الإنتاج، بشلّ عملية التوزيع داخل مدينة تعز، وسط تجاهل تام من قبل السلطة المحلية، التي تلتزم الصمت نتيجة تورط قياداتها في رعاية أو حماية طرفي النزاع.
الأزمة تفاقمت أكثر بعد أن تعرضت محطة "ساسكو" لهجوم مجهولين مطلع يونيو الجاري، ما تسبب بأضرار مادية وإثارة موجة من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين. وفي محاولة لاحتواء التصعيد، رعت الشركة اليمنية للغاز اتفاقًا مؤقتًا ينص على تقسيم المهام بين الوكلاء، بحيث يغطي البعداني كبار المستهلكين، فيما يزوّد عبدالكريم مديريات المدينة الثلاث: القاهرة، المظفر وصالة.
ورغم هذا الاتفاق، عادت التوترات إلى السطح عقب احتجاز نحو 50 مقطورة غاز تتبع الوكيل الجديد في منطقة رأس العارة بمحافظة لحج، بحجة استمرار الخلاف حول حادثة الاعتداء وعدم التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن المسؤوليات.
ردود الأفعال لم تتأخر، حيث نفذ وكلاء توزيع الغاز داخل مدينة تعز، بمشاركة عدد من المواطنين، اعتصامًا مفتوحًا أمام مبنى المحافظة وشركة النفط خلال الأيام القليلة الماضية، احتجاجًا على استمرار احتجاز المقطورات ومنعها من دخول المدينة.
وفي بيان مشترك، اتهم المعتصمون السلطات بالتواطؤ مع أطراف النزاع، وتحديدًا مدير فرع شركة الغاز في تعز، بلال القميري، الذي حمّلوه مسؤولية عرقلة أي جهود للحل، ومنع لجنة الوكلاء من مقابلة المحافظ لمناقشة الأزمة، معتبرين أن ممارساته تعكس انحيازًا صارخًا وتلاعبًا بمصير المدينة.
وأكد المحتجون تمسكهم بعدد من المطالب، أبرزها الإفراج الفوري عن مقطورات الغاز المحتجزة، ومحاسبة الجهات التي تقف خلف عملية العرقلة، بالإضافة إلى تسليم الحصة الكاملة المخصصة لتعز وفق الكشوف الرسمية دون تقليص أو تلاعب. كما دعوا إلى تشكيل لجنة حكومية مستقلة برئاسة المحافظ لمراجعة كشوفات الغاز وتقديم تقرير شفاف للرأي العام.
وحذر المحتجون من تصعيد قادم في حال استمرار التهميش، مشيرين إلى أن الوضع في تعز لم يعد يحتمل المزيد من الأزمات، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة التي ترهق السكان منذ سنوات.
وفي أول رد رسمي على تصاعد الاحتجاجات والضغوط الشعبية، أعلن محافظ تعز، نبيل شمسان، الإفراج عن كافة مقطورات الغاز المنزلي المحتجزة، مؤكدًا أن الأزمة في طريقها إلى الانفراج بعد تدخل شخصيات اجتماعية وقبلية.
وأشاد المحافظ بدور العميد حمدي شكري الصبيحي، قائد الفرقة الثاني عمالقة، قائد اللواء السابع مشاه، الذي ساهم في إنهاء العقبات التي منعت دخول المقطورات. كما ثمّن جهود المدير التنفيذي للشركة اليمنية للغاز، المهندس محسن وهيط، الذي تابع القضية منذ بدايتها، وعمل على توفير الكميات المطلوبة من الغاز لتغطية احتياجات المدينة.
ورغم الإعلان الرسمي عن تجاوز الأزمة، إلا أن مراقبين يرون أن المشكلة أعمق من مجرد أزمة تموين مؤقتة، فهي انعكاس لصراع نفوذ وهيمنة داخل مؤسسات الدولة، يسيطر فيها المتنفذون على مصادر الطاقة، ويستخدمونها كسلاح اقتصادي في معركة السيطرة السياسية داخل المحافظة.
في المقابل، ما تزال مخاوف المواطنين قائمة من عودة الأزمة في أي وقت، في ظل استمرار وجود نفس الأطراف المتصارعة، وغياب أي رؤية واضحة لإصلاح ملف توزيع الغاز وضمان وصوله للمستهلك بعيدًا عن منطق المحاصصة والمصالح الضيقة.