الحوثيون يمدّون “داعش” في الصومال بالسلاح… تجارة عابرة للعداء تكشفها وثائق جديدة
السياسية - منذ 6 ساعات و 3 دقائق
في تطور يثير قلقًا إقليميًا ودوليًا، كشفت قناة Sky News البريطانية في فيلم وثائقي حديث بعنوان “مطاردة داعش: تحذير من أفريقيا” عن أدلة جديدة تثبت تورط جماعة الحوثي المدعومة من إيران في تهريب الأسلحة إلى تنظيم داعش في الصومال، رغم ما يظهر من خطاب عدائي معلن بين الطرفين.
المراسلة أليكس كروفورد، التي أعدّت الوثائقي، عرضت وثائق ورسائل تم ضبطها مع مقاتلين من التنظيم، تؤكد تهريب بنادق هجومية، وقاذفات صواريخ، وطائرات مسيّرة معدلة من السواحل اليمنية إلى ميناء بوصاصو في إقليم بونتلاند شمال شرقي الصومال. وأوضح الفيلم أن المصلحة المالية طغت على الخلافات العقائدية، لتتحول اليمن إلى واحد من أبرز مصادر السلاح للتنظيم المتطرف في القرن الأفريقي.
الصومال… الملاذ الجديد للتنظيم
أظهر الفيلم أن إقليم بونتلاند بات يشكل المركز الرئيسي لتنظيم داعش في شرق أفريقيا، حيث اتخذ منه التنظيم قاعدة آمنة لإدارة عملياته، مستفيدًا من تضاريسه الجبلية الوعرة التي تمنح مقاتليه قدرة على الاختباء والتحرك بعيدًا عن أعين القوات الحكومية. كما أن الموانئ النشطة على سواحل الإقليم المطلة على خليج عدن أصبحت ممرًا حيويًا لعمليات التهريب، سواء لتهريب الأسلحة القادمة من اليمن أو لتأمين طرق الإمداد والتمويل عبر البحر.
وأشار الوثائقي إلى أن بونتلاند لم تعد مجرد ساحة نشاط عسكري للتنظيم، بل تحولت إلى مركز تدريب واستقطاب، حيث ينضم إلى معسكرات داعش مقاتلون من أكثر من 20 جنسية مختلفة، بينهم يمنيون جاؤوا عبر شبكات التهريب من السواحل القريبة، إضافة إلى عناصر أوروبية وأفارقة من دول مثل كينيا وتنزانيا وأوغندا. هذا التنوع في الجنسيات يعكس استراتيجية التنظيم في تحويل الصومال إلى منصة إقليمية للتمدد، وربطه بشبكات داعش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما أظهرت مشاهد من الفيلم أن مقاتلي التنظيم يستخدمون تكتيكات حرب العصابات مستفيدين من الطبيعة الجغرافية الجبلية، إلى جانب سيطرتهم على بعض الموانئ الصغيرة التي توفر لهم موارد مالية عبر فرض الضرائب غير القانونية على التجار المحليين. هذه البيئة، بحسب خبراء أمنيين، جعلت من بونتلاند "بيئة مثالية" لتأمين موارد بشرية ومالية، وتحويلها إلى نقطة ارتكاز استراتيجية لشن هجمات في القرن الأفريقي والمحيط الهندي.
دعم عابر للحدود
وفي تقرير سابق نشرها مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط، أكد أن ميليشيا الحوثي وسّعت تعاونها العابر للحدود مع الجماعات الإرهابية في الصومال، وتحديدًا حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة، فضلًا عن فرع الدولة الإسلامية في الصومال "داعش".ويهدف هذا التعاون في ما بينها إلى دعم سلاسل الإمداد العسكري والمالي وتنويعها، ما يضمن حصول هذه التنظيمات على أسلحة أكثر تطوّرًا، وتعزيز مكانتها المحلية، وزيادة قدرة الحوثيين وداعمتهم الإقليمية الرئيسة إيران على الإخلال بالأمن البحري في خليج عدن ومضيق باب المندب لخدمة مصالحهم الخاصة. وقد أدّى هذا الوضع إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي.
وقد شهدت علاقة الحوثيين بتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال تطوّرًا لافتًا منذ العام 2021 على الأقل،4 وكانت تركّز بدايةً على نقل الأسلحة الصغيرة. بين العامَين 2015 و2022، انخرط عضوا تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال، عبد الرحمن محمد عمر وعيسى محمود يوسف، اللذان شملتهما العقوبات الأميركية، في تهريب الأسلحة من اليمن، ما يشير إلى وجود روابط سابقة مع الحوثيين. وكانت أنشطة التهريب هذه مدفوعةً بحاجة تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال إلى السلاح لدعم عملياته في ولاية أرض البنط (بونتلاند) الصومالية، وأيضًا برغبة الحوثيين في جني الإيرادات، ولا سيما بعد دخول الصراع في اليمن مرحلةً من الهدوء بدءًا من نيسان/أبريل 2022.
وأشار تقرير المركز إلى أن تجارة الأسلحة في البحر الأحمر أدّت دورًا مهمًا في توطيد العلاقة بين الحوثيين والصومال. فعلى الرغم من الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى اليمن، واصلت إيران تزويد الحوثيين بالسلاح خلسةً. وبين أيلول/سبتمبر 2015 وكانون الثاني/يناير 2023، اعترضت سفنٌ حربية تابعة لكلٍّ من الولايات المتحدة والسعودية وفرنسا وأستراليا 16 سفينة مُحمَّلة بنحو 29 ألف قطعة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة، و365 صاروخًا موجّهًا مضادًّا للدبابات، و2.38 مليون طلقة ذخيرة في طريقها إلى الحوثيين. ونُقل معظم هذه الشحنات على متن مراكب شراعية تُستخدَم في التجارة الساحلية وصيد الأسماك. وفي العام 2020، خلُصت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية إلى أن أسلحةً أرسلتها إيران إلى شركائها الحوثيين جرى تهريبها إلى الصومال.
التمويل غير التقليدية
إلى جانب السلاح، كشف الوثائقي عن آليات التمويل غير التقليدية التي يعتمدها تنظيم داعش في الصومال، إذ لجأ إلى استخدام العملات المشفرة وشبكات الحوالة غير الرسمية لتجاوز الرقابة الدولية على التحويلات المالية. هذا النظام المعقد مكن التنظيم من بناء شبكة تمويل عابرة للحدود، وصلت عائداتها إلى تمويل هجمات كبرى، من بينها تفجير مطار كابل عام 2021 الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص بينهم جنود أمريكيون.
لكن اللافت في الوثائقي أن هذه الأنشطة المالية ليست معزولة عن الدعم اللوجستي القادم من اليمن، حيث تشير الأدلة إلى أن الحوثيين – بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني – لعبوا دورًا محوريًا في تسهيل عمليات التمويل. فإلى جانب تهريب السلاح عبر الموانئ اليمنية، ساعدت شبكات الحوثيين المالية في نقل الأموال عبر قنوات سرية مرتبطة بشركات صرافة وشبكات حوالة محلية وإقليمية، لتصب في النهاية في خزائن داعش بالصومال.
ويرى محللون أن هذا التعاون يعكس تزاوج المصالح بين الحوثيين وداعش، فبينما يحصل الحوثيون على عوائد مالية ضخمة من عمليات التهريب، يضمن التنظيم في المقابل تدفقًا ثابتًا للأسلحة والموارد المالية. كما أن اعتماد داعش على العملات المشفرة ينسجم مع الأساليب التي طورتها إيران ووكلاؤها الإقليميون للالتفاف على العقوبات الدولية، ما يجعل من اليمن محطة لوجستية حيوية لتمويل الإرهاب في أفريقيا والشرق الأوسط.
ويحذر خبراء أمنيون من أن هذا النمط الجديد من التمويل – القائم على مزيج من التهريب والسلاح والأموال الرقمية – يمثل تهديدًا عالميًا متصاعدًا، لأنه لا يقتصر على تغذية النزاعات المحلية، بل يمتد ليغذي عمليات إرهابية عابرة للحدود قد تطال مناطق خارج أفريقيا، وهو ما يجعل الدور الحوثي – الإيراني عنصرًا محوريًا في تصاعد هذا الخطر.
القيادة والاعترافات
يتولى قيادة فرع تنظيم داعش في الصومال عبد القادر مؤمن، وهو بريطاني من أصل صومالي، يُوصف بأنه من أخطر قادة التنظيم في القارة الأفريقية وأكثرهم نفوذاً في رسم استراتيجيات التوسع والتمدد. انتقل مؤمن إلى الصومال بعد أن كان إماماً في مساجد بلندن، حيث استغل خبرته الدعوية وخلفيته الغربية في استقطاب مقاتلين أجانب، ليصبح العقل المدبر لفرع داعش في بونتلاند. وتؤكد تقارير استخباراتية غربية أن مؤمن لعب دوراً محورياً في بناء شبكات تهريب السلاح والمال، مستفيداً من علاقات معقدة تمتد من اليمن إلى القرن الأفريقي، وهو ما جعل التنظيم في الصومال يشكل تهديداً عابراً للحدود.
وفي مشهد ختامي لافت ضمن الفيلم الوثائقي، بثّت Sky News مقابلة مع مقاتل يمني أسير، محكوم بالإعدام لدى السلطات المحلية، اعترف بأنه جُنّد عبر الإنترنت من قبل وسطاء مرتبطين بجماعة الحوثي، قبل أن يُنقل إلى الصومال للانخراط في صفوف داعش والمشاركة في عملياته القتالية. هذا الاعتراف كشف عن حلقة خطيرة من حلقات التعاون غير المعلن بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية، حيث يتم استغلال الإنترنت لتجنيد الشباب اليمني اليائس، ثم إدماجهم في شبكات عابرة للحدود بدعم لوجستي إيراني – حوثي.
دلالات إقليمية
المعلومات التي كشفها الفيلم توضح حجم التشابك بين شبكات التهريب في اليمن والتنظيمات الإرهابية في القرن الأفريقي، وتعيد تسليط الضوء على الدور الذي تلعبه إيران عبر وكلائها الحوثيين في تأجيج الصراعات وتهديد الأمن البحري والإقليمي. ويرى خبراء أمنيون أن هذه الحقائق تفرض على المجتمع الدولي مقاربة أكثر صرامة في مواجهة تمدد الإرهاب العابر للحدود، وتجفيف منابع تمويله وتسليحه.
وخلال العقد الماضي، تطوّرت علاقة الحوثيين مع القوى الصومالية الإرهابية التي يشملها جميعها حظر الأسلحة، وذلك من خلال مهرّبي السلاح أو السماسرة. واكتسب هذا الوضع أهميّةً متزايدة ابتداءً من العام 2016، عندما أدرك الحوثيون أن بإمكانهم تعزيز مكانتهم إذا ما استطاعوا التحرّك في المجال البحري اليمني، سواء عبر مهاجمة السفن أو الانخراط في عمليات التهريب، فحقّقوا ذلك خلال أزمة البحر الأحمر على إثر الصراع في غزّة بدءًا من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وفي حزيران/يونيو 2024، أبلغت الولايات المتحدة عن تعاونٍ قائمٍ بين حركة الشباب والحوثيين. كذلك، كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة في شباط/فبراير 2025 أن حركة الشباب عقدت اجتماعَين على الأقل مع ممثّلي الحوثيين في الصومال في تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2024، ما أظهر عزم الحوثيين على توطيد العلاقات مع هذه الحركة في ظلّ أزمة البحر الأحمر. وأفاد هذا التقرير بأن الفريقَين اتفقا على أن يزوّد الحوثيون حركة الشباب بالأسلحة والخبرات الفنية؛ وفي المقابل، كُلِّفت حركة الشباب بزيادة أنشطة القرصنة داخل خليج عدن وقبالة سواحل الصومال، وتحصيل الفدى من السفن التي يُستولى عليها. ونظرًا إلى تعاون حركة الشباب مع القراصنة الصوماليين، إذ أُفيد أن الحركة تتلقى حصّة قدرها 20 في المئة من الفدى التي يحصّلونها، يُرجَّح أن الشراكة بين الحوثيين وحركة الشباب شملت استخدام القراصنة لتعطيل حركة الملاحة البحرية. وتخشى الولايات المتحدة أن توفّر شحنات الأسلحة التي يتولّى الحوثيون تسليمها بابًا جديدًا من التمويل لهم، في ظلّ تزويد حركة الشباب بأسلحةٍ أكثر تطوّرًا بكثير من ترسانتها الحالية.