لخدمة المشروع الطائفي.. أقليات اليمن تحت نيران الحوثي
السياسية - منذ 3 ساعات و 16 دقيقة
تشهد اليمن منذ اجتياح ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران لـ صنعاء في سبتمبر 2014، موجة متصاعدة من الانتهاكات بحق الأقليات الدينية والمذهبية، في إطار سعي المليشيا إلى فرض مشروعها الطائفي المستورد من طهران بقوة السلاح، وتمزيق النسيج الاجتماعي اليمني الذي اتسم عبر قرون بالتنوع والتعايش.
ومنذ اللحظة الأولى لسيطرتها على العاصمة، مارست الجماعة أبشع الجرائم والانتهاكات الممنهجة بحق الطوائف الأخرى، وحولت بيوت الله ومؤسسات الدولة إلى أدوات لخدمة مشروعها الأيديولوجي والعسكري.
انتهاكات ممنهجة
وثقت مؤسسة تمكين المرأة اليمنية (YWEF) في تقرير حديث سلسلة واسعة من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها مليشيا الحوثي بحق أئمة وخطباء المساجد ومدرسي القرآن الكريم ورجال الدين، في 14 محافظة وأكثر من 200 مديرية. وشملت الانتهاكات المساجد ودور العبادة وأراضي ومساكن ومرافق تابعة لوزارة الأوقاف. وكشف التقرير عن حملة منظمة هدفت إلى تقويض قدسية بيوت الله وتوظيفها في خدمة المشروع الحوثي الطائفي والعسكري.
وبحسب الأرقام الموثقة، ارتكبت المليشيا منذ 2014 وحتى أغسطس 2025 ما مجموعه 4,620 انتهاكاً وواقعة بحق المساجد ورجال الدين، توزعت بين القتل والتفجير والقصف والاختطاف والتعذيب والمصادرة. موضحة أن 311 خطيباً وإماماً ومصلياً قتلوا على يد هذه العناصر الإرهابية، فيما أصيب 231 آخرون بإصابات متفاوتة. كما تم توثيق 652 حالة اختطاف لرجال دين، بينها 143 حالة تعذيب جسدي ونفسي، انتهت 13 منها بالوفاة تحت التعذيب.
وأشارت الإحصائية إلى أن ميليشيا الحوثي حولت 491 مسجداً إلى ثكنات عسكرية، و114 مسجداً إلى غرف عمليات، في حين تعرض 899 مسجداً للانتهاك بتحويلها إلى مقرات للزوامل ومضغ القات وممارسات طائفية دخيلة. كما فرضت المليشيا بالقوة 936 إماماً وخطيباً تابعين لها، وصادرت محتويات 832 مكتبة مسجدية واستبدلتها بملازمها الطائفية. إضافة إلى إستيلائها على 151 مرفقاً ومسكناً وأرضاً وقفية، بينها مساكن أئمة وخطباء، ومراكز تحفيظ قرآن وجمعيات خيرية.
استهداف واضح
ولم تقتصر الانتهاكات الحوثية على المساجد، بل طالت أقليات دينية ومذهبية عدة. ففي تقرير مشترك صادر عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات ورابطة معونة لحقوق الإنسان والهجرة، جرى توثيق انتهاكات وحشية ارتكبتها المليشيات ضد أتباع الديانتين اليهودية والبهائية، وأتباع الجماعات السلفية، بل وحتى بعض المرجعيات الزيدية التي خالفت توجه الحوثيين.
وبحسب التقرير، فإن حملات الاضطهاد بدأت مبكراً مع تهجير يهود آل سالم في صعدة عام 2007، ثم السيطرة على 12 حوزة دينية لأتباع المذهب الجعفري في الجوف عام 2010، مروراً بـالحرب على أتباع العلامة الزيدي محمد عبد العظيم الحوثي في 2012. وفي 2013، شن الحوثيون حملة عسكرية واسعة ضد طلاب دار الحديث السلفي في دماج جنوب صعدة، أسفرت عن نزوح أكثر من 3 آلاف طالب وأسرة بعد حصار وقصف استمر سنوات.
وخلال حصار دماج وحده، وثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات ما مجموعه 1184 انتهاكاً، بينها 200 حالة قتل (29 طفلاً و5 نساء)، وإصابة 600 آخرين، بينهم 71 طفلاً و10 نساء، إضافة إلى 43 حالة إجهاض بسبب الخوف من القصف. كما تعرض 113 طفلاً لسوء تغذية حاد، ودُمرت 361 منشأة مدنية، بينها 6 مساجد و346 منزلاً و3 مستشفيات و6 آبار مياه.
اضطهاد اليهود والبهائيين
لم يكن اليهود والبهائيون في منأى عن آلة القمع الحوثية، بل كانوا في صدارة المستهدفين ضمن مشروع الميليشيا الطائفي المستورد من إيران. فمنذ العام 2007 بدأ الحوثيون أولى خطواتهم العملية في التصفية الدينية عندما شنوا حملة ممنهجة لطرد يهود آل سالم من منطقة صعدة، في واحدة من أبرز وقائع التهجير القسري على خلفية دينية في تاريخ اليمن المعاصر. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل واصل الحوثيون ممارسة التضييق على ما تبقى من العائلات اليهودية القليلة في صنعاء، عبر مصادرة ممتلكاتهم ومنازلهم وحرمانهم من ممارسة حياتهم الطبيعية، الأمر الذي أجبر معظمهم على الهجرة خارج البلاد.
أما الطائفة البهائية، فقد واجهت منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء موجة اضطهاد عنيف تمثلت في حملات اعتقال وملاحقة ومحاكمات صورية بتهم ملفقة، في محاولة لاقتلاع وجودها من المشهد الديني والاجتماعي في اليمن. وبلغت هذه الانتهاكات ذروتها في يونيو 2023 عندما داهمت ميليشيا الحوثي بعنف اجتماعاً سلمياً للطائفة البهائية في صنعاء، واختطفت 17 شخصاً بينهم نساء، وسط حملة تحريض إعلامي وفتاوى تكفيرية ممنهجة استهدفت الطائفة برمتها. وحتى اليوم، ما يزال العديد من البهائيين رهن الاعتقال التعسفي دون أي مسوغ قانوني، من بينهم المواطن اليهودي ليبي مرحبي، الذي تحول إلى رمز لمعاناة الأقليات الدينية في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتكشف هذه الانتهاكات عن سياسة منظمة للتطهير الديني يتبعها الحوثيون ضد الأقليات، قائمة على التهجير القسري، والمصادرة، والاعتقال، وتكميم الأفواه، وهو ما يعكس طبيعة الجماعة الإقصائية ومحاولتها فرض هوية مذهبية أحادية على بلد عُرف بتعدده وتنوعه الديني والفكري عبر التاريخ.
إدانات وتحذيرات
الجرائم والانتهاكات الحوثية ضد الأقليات الدينية لم تمر بصمت، بل أثارت موجة إدانات دولية واسعة، كان أبرزها من الهيئة الأوروبية الدولية للتنمية وحقوق الإنسان التي تتخذ من ألمانيا مقراً لها. ففي بيان رسمي، وصفت الهيئة ما يجري في اليمن بأنه "نمط مروع من الاضطهاد الممنهج"، مؤكدة أن حجم الانتهاكات الموثقة ضد اليهود والبهائيين وبقية المكونات الدينية يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.
وشدد البيان على أن ما تقوم به الميليشيا الحوثية يعكس سياسة تطهير ديني وطائفي تهدد النسيج الاجتماعي اليمني وتناقض كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الأممية، داعياً المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تحمّل مسؤولياتهم في وقف هذه الجرائم وعدم السماح بإفلات مرتكبيها من العقاب. كما طالبت الهيئة بأن يتضمن أي اتفاق سلام قادم في اليمن ضمانات دستورية وقانونية صريحة لحماية حقوق الأقليات الدينية، وتوفير آليات رقابة دولية مستقلة لرصد ومحاسبة أي انتهاكات مستقبلية.
وتأتي هذه الإدانة لتنسجم مع تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي وثقت بدورها حملات تهجير واعتقال وتعذيب ارتكبتها الميليشيات بحق البهائيين واليهود، محذّرة من مخاطر تحوّل اليمن إلى بيئة طاردة للتنوع الديني والفكري. كما يرى خبراء أن استمرار صمت المجتمع الدولي سيُشجع الحوثيين على تصعيد نهجهم الإقصائي، مما يضع مستقبل الحريات الدينية في اليمن أمام تهديد غير مسبوق.
اتهامات حكومية
من جانبه، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني إن المليشيا الحوثية حوّلت مناطق سيطرتها إلى ما يشبه "سجناً مفتوحاً للأقليات الدينية"، عبر سلسلة طويلة من الانتهاكات شملت حملات اعتقال تعسفية، ومصادرة ممتلكات، وتهجير قسري لعشرات الأسر. وأشار إلى أن الجرائم التي ارتكبتها الجماعة لا تقتصر على اليهود والبهائيين، بل طالت أيضاً السلفيين، والزعامات الزيدية المعارضة لمشروعها الطائفي، وهو ما يجعل هذه الانتهاكات أقرب إلى سياسة منهجية تستهدف إلغاء أي تنوع ديني أو فكري في البلاد.
وأكد الإرياني أن هذه الممارسات الحوثية ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفق القانون الدولي، وتشكل تهديداً خطيراً للنسيج الاجتماعي لليمن، الذي ظل عبر قرون مثالاً للتعايش الديني والمذهبي. وأضاف أن استمرار هذه السياسات الإقصائية ينذر بمستقبل مظلم، ويهدد بتحويل اليمن إلى بؤرة للتطرف والانقسام الطائفي العميق.
كما شدد الوزير على أن الحكومة الشرعية تعتبر استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء الانقلاب شرطاً أساسياً لوقف هذه الجرائم وضمان حماية التنوع الديني والفكري. ودعا المجتمع الدولي، ومجلس الأمن، والهيئات الأممية إلى اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه قيادات الحوثيين، وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي، باعتباره المسؤول الأول والمباشر عن هذه الانتهاكات. وأوضح أن محاسبة الجناة دولياً وإدراج الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب خطوة ضرورية لردعهم ووضع حد لممارساتهم ضد الأقليات، مؤكداً أن الإفلات من العقاب هو ما يشجع الجماعة على المضي قدماً في سياسة القمع والتطهير الديني.