اعترافات إيران تكشف: الحوثي يحوّل اليمن إلى قاعدة صاروخية وكيماوية"
السياسية - منذ 5 ساعات و دقيقتان
لم يعد الحديث عن النفوذ العسكري الإيراني في المنطقة مجرد تسريبات استخباراتية أو تكهّنات إعلامية، إذ خرج وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده إلى العلن بتصريح صريح أحدث صدىً واسعاً. ففي خطاب مقتضب لكنه بالغ الدلالة، أعلن الوزير أن طهران "أنشأت في بعض الدول بنى تحتية ومصانع للأسلحة"، مؤكداً أن بلاده "ستكشف عنها إذا اقتضت الحاجة خلال شهر".
ورغم أن المسؤول الإيراني لم يسمِّ الدول التي قصدها، إلا أن هذا التصريح فتح باباً واسعاً أمام التساؤلات في اليمن، حيث تُتهم جماعة الحوثي منذ سنوات بأنها المستفيد الأول من الدعم العسكري الإيراني المباشر وغير المباشر.
ادعاءات وحقائق
منذ سنوات، تحرص ميليشيا الحوثي على إقامة عروض عسكرية ضخمة تُبث على الهواء مباشرة وتُوظَّف في الدعاية السياسية، حيث تستعرض خلالها صواريخ باليستية متوسطة وبعيدة المدى، إضافة إلى طائرات مسيّرة هجومية وانتحارية، وتقدّمها للرأي العام المحلي باعتبارها "صناعة يمنية خالصة" نتاج ما تسميه "الاكتفاء الذاتي". هذه الرواية تحولت إلى أحد أعمدة خطاب الجماعة الإعلامي والسياسي، الذي يسعى لإقناع أنصارها بأن لديها قدرة مستقلة على تصنيع أسلحة استراتيجية تضاهي جيوش المنطقة.
غير أن تقارير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي، المدعومة بأدلة فنية ومقارنات تقنية، تؤكد أن هذه الأسلحة ليست نتاجاً محلياً بالمعنى الحقيقي، بل إيرانية المنشأ في معظمها، أو جرى تهريب مكوناتها الحساسة عبر شبكات تهريب معقدة تمر بخطوط بحرية وبرية متعددة. كثير من هذه المكونات تحمل علامات تصنيع في مصانع إيرانية معروفة، أو تتطابق مع نسخ مستخدمة لدى الحرس الثوري الإيراني وحلفائه في المنطقة.
وخلال السنوات الماضية تمكنت البحرية الأميركية من ضبط عشرات الشحنات في بحر العرب، كان آخرها زوارق محمّلة بمكونات صواريخ دقيقة التوجيه ومسيرات متطورة، واعتبرت واشنطن أن هذه العمليات دليل إضافي على تورط إيران المباشر في دعم الحوثيين. وعلى الأرض اليمنية، تمكنت قوات خفر السواحل التابعة للمقاومة الوطنية من ضبط شحنات كبيرة تضمنت 750 قطعة مخصصة لتجميع صواريخ ومسيرات، ما يؤكد أن عمليات التهريب لم تتوقف رغم العقوبات الأممية. في السعودية، تم عرض الكثير من بقايا صواريخ ومسيرات سقطت على منشآتها النفطية أو جرى اعتراضها في أجوائها، وقدمتها باعتبارها "أدلة مادية دامغة على البصمة الإيرانية" في الهجمات التي استهدفت العمق السعودي.
هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الحوثي الذي يفاخر بالصناعات الحربية المحلية، وبين الأدلة الأممية والدولية التي تكشف مسارات التهريب وتحدد مصدر الأسلحة، جعل من التصريح الأخير لوزير الدفاع الإيراني بمثابة "إعلان رسمي" يضع النقاط على الحروف. فإقراره بأن طهران أنشأت مصانع أسلحة وبنى تحتية عسكرية خارج حدودها يعزز فرضية أن ما يسمى "الاكتفاء الذاتي" الحوثي ليس إلا واجهة دعائية لمشروع إيراني أوسع يمتد عبر المنطقة. وهو اعتراف يمنح الشرعية لاتهامات طالما ردّدتها الحكومة اليمنية وحلفاؤها بأن الجماعة ليست سوى ذراع عسكرية محلية للمشروع الإيراني، تستخدمها طهران لزعزعة استقرار الإقليم وابتزاز المجتمع الدولي دون أن تتحمل التكلفة المباشرة للمواجهة.
"تصعيد كيماوي" يثير القلق
الحكومة اليمنية بدورها رفعت نبرة التحذير إلى مستويات غير مسبوقة، إذ قال وزير الإعلام معمر الإرياني إن مؤشرات وتقارير متزايدة تفيد بقيام إيران بتهريب مواد كيماوية عالية الخطورة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ووصف الوزير هذه الخطوة بأنها تمثل "تصعيداً نوعياً بالغ الخطورة"، لأنها تتجاوز حدود التهديد التقليدي القائم على الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، إلى مستوى جديد من التهديدات المرتبطة بأسلحة الدمار الشامل أو أدوات الحرب المحرمة دولياً.
وأوضح الإرياني أن دخول هذه المواد إلى اليمن لا يقتصر أثره على الجبهات العسكرية فحسب، بل يفتح الباب أمام "سيناريوهات كارثية" تمتد إلى حياة ملايين المدنيين، وتطال الأمن الإقليمي والدولي في آن واحد. وأشار إلى أن مجرد تخزين هذه المواد في مناطق مأهولة بالسكان يشكل خطراً وجودياً، إذ قد يؤدي أي تسرب أو استهداف عرضي إلى كارثة بيئية وصحية لا تقل خطورة عن استخدامها المباشر في العمليات القتالية.
ولفت الوزير إلى أن المخاوف تتضاعف في ظل غياب أي بنية تحتية في اليمن قادرة على التعامل مع حوادث تسرب كيماوي أو هجمات محتملة بهذه المواد، فضلاً عن الطبيعة الفوضوية للحرب وتعدد ساحات المواجهة. وأضاف أن الجماعة الحوثية، التي لا تلتزم بالقوانين الدولية أو الإنسانية، قد تلجأ لاستخدام هذه المواد كسلاح ردع نفسي وسياسي، لإرباك خصومها أو لابتزاز المجتمع الدولي.
وأكد الإرياني أن إيران تسعى من خلال هذا التحول النوعي إلى تحويل الجغرافيا اليمنية إلى "قاعدة صاروخية متقدمة للحرس الثوري"، ومنصة متعددة الأغراض لتهديد دول الجوار واستهداف خطوط الملاحة الدولية وسلاسل الإمداد والطاقة العالمية. واعتبر أن إدخال عنصر "الخطر الكيماوي" إلى مسرح الحرب اليمنية سيجعل من البلاد نقطة ارتكاز لتهديد الأمن الجماعي في المنطقة، وورقة ضغط إضافية بيد طهران في مواجهة المجتمع الدولي.
أبعاد دولية وتحذيرات أممية
تقارير الأمم المتحدة، وبالأخص تلك الصادرة عن لجنة الخبراء الخاصة باليمن، لطالما شددت على أن عمليات تهريب السلاح الإيراني إلى جماعة الحوثي لم تتوقف رغم القرارات والقرارات الأممية الصريحة التي تحظر ذلك، وعلى رأسها القرار 2216. هذه التقارير، المدعومة بأدلة مادية وفحوصات تقنية، كشفت أن الممرات البحرية، من بحر العرب إلى البحر الأحمر، تحولت إلى مسارات رئيسية لتهريب الأسلحة والمكوّنات العسكرية، في تحدٍّ واضح للمنظومة الدولية.
وفي تقارير حديثة، أشارت اللجنة إلى أن بعض المواد التي ضُبطت داخل شحنات مهربة لا تقتصر وظيفتها على المجال العسكري الصريح، بل تدخل ضمن ما يسمى "البرامج المزدوجة"، أي أنها مواد يمكن استخدامها في الصناعة المدنية مثل الزراعة أو الطاقة، لكنها أيضاً قابلة للتوظيف في إنتاج أسلحة محرمة دولياً، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية. هذا التوصيف يضاعف من القلق الأممي، لأنه يفتح الباب أمام احتمالية إدخال عناصر غير تقليدية إلى ساحة الصراع اليمني.
التحذيرات لم تقف عند حدود الأمم المتحدة. خبراء عسكريون دوليون ومراكز أبحاث استراتيجية حذّروا مراراً من أن إدخال مواد كيماوية عالية الخطورة إلى بيئة حرب هشّة مثل اليمن يشكل "قفزة خطيرة" قد تعيد رسم معادلة الصراع بأكملها. وقال أحد المحللين العسكريين الغربيين لوسائل إعلام متخصصة إن "امتلاك هذه المواد من قبل جماعة مسلحة لا تعترف بأي التزامات قانونية دولية يعني أن احتمالية استخدامها أو حتى تسربها العارض عالية جداً، وهو ما قد يخلق كارثة لا تقتصر على الداخل اليمني فحسب، بل تمتد لتضرب الأمن البحري والملاحة الدولية بأكملها".
ويشير خبراء إلى أن خطورة الموقف تكمن في موقع اليمن الاستراتيجي عند مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية للتجارة العالمية ونقل الطاقة. أي حادث كيماوي، سواء كان مقصوداً أو ناتجاً عن سوء تخزين أو استهداف، قد يؤدي إلى تعطيل الحركة التجارية في هذا الشريان الحيوي، ما ينعكس مباشرة على أسواق الطاقة العالمية ويزيد من الاضطرابات الاقتصادية.
إلى جانب ذلك، ترى منظمات إنسانية أن وجود مواد كيماوية خطيرة في مناطق مأهولة بالسكان يعني أن المدنيين سيكونون الضحية الأولى لأي خطأ أو استهداف عسكري، الأمر الذي قد يفاقم الأزمة الإنسانية في بلد يوصف بأنه يشهد أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
تهديد الأمن الإقليمي والاقتصاد العالمي
يمثل مضيق باب المندب والبحر الأحمر شرياناً حيوياً للتجارة الدولية، حيث يمر عبرهما نحو 12 في المئة من حركة التجارة العالمية، بما في ذلك ناقلات النفط والغاز والمواد الخام الأساسية. ومع تصاعد الهجمات البحرية التي تشنها جماعة الحوثي مؤخراً، يزداد القلق الإقليمي والدولي حول إمكانية توسيع نطاق هذه الهجمات لتشمل استخدام مواد كيماوية عالية الخطورة، ما يرفع مستوى المخاطر بشكل غير مسبوق.
ويوضح خبراء أن مجرد استهداف ناقلة نفط أو مرفق تجاري يحمل مواد كيماوية يمكن أن يؤدي إلى كارثة بيئية ضخمة، تشمل تلوث المياه والموانئ والسواحل، وانقراضاً محتملاً للأنواع البحرية، مما سيستغرق عقوداً لإعادة التوازن البيئي. إلى جانب ذلك، فإن أي حادث من هذا النوع سيعطل بشكل فوري حركة التجارة البحرية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية، ويؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، ويضاعف الأعباء الاقتصادية على الدول المستوردة والمصدرة على حد سواء.
وتشير تحليلات استراتيجية إلى أن تصاعد التهديد الكيماوي في البحر الأحمر سيضع الدول الساحلية، مثل السعودية واليمن ومصر، أمام مسؤوليات أمنية مضاعفة، إذ سيتعين عليها تعزيز المراقبة البحرية وانتشار القوات لمواجهة أي تسلل أو حادث، ما يرفع تكاليف الدفاع ويستنزف الموارد المالية. كما أن هناك خطر تسرب هذه المواد إلى أسواق التجزئة المحلية إذا لم يتم احتواء أي حادث، ما يخلق أزمة صحية وإنسانية إضافية.
وفي ضوء هذه المخاطر، يرى مراقبون أن أي توتر إضافي في هذه المنطقة لن يكون محلياً فقط، بل سيكون له انعكاسات دولية واسعة، من زيادة أسعار الطاقة العالمية، إلى تعطيل الملاحة الدولية، وتأجيل الشحنات التجارية الكبرى، وهو ما يجعل من التهديد الكيماوي الحوثي قضية استراتيجية تتجاوز حدود اليمن، وتشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي واستقرار الاقتصاد العالمي.
دعوة إلى تحرك دولي عاجل
شدّد وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني على أن المجتمع الدولي لم يعد أمامه متسع من الوقت، وأن استمرار بقاء الحوثيين كذراع محلية لإيران يمثل "خطراً متنامياً يرفع كلفة المواجهة كل يوم". وأكد أن الوضع الراهن لا يحتمل الانتظار، داعياً إلى تحرك عاجل ومتعدد الأبعاد يشمل وقف عمليات تهريب الأسلحة والمواد الكيماوية إلى مناطق سيطرة الجماعة، وتجفيف مصادر تمويلها، وفرض عقوبات صارمة على الشبكات الداعمة، إلى جانب تقديم دعم حقيقي ومباشر للحكومة اليمنية في معركتها الوجودية ضد المشروع الإيراني وأدواته الحوثية.
وأشار الإرياني إلى أن هذا التحرك الدولي يجب أن يكون شاملاً، يشمل التنسيق بين الدول الإقليمية الكبرى، والهيئات الأممية، والجهات المختصة بالأمن البحري، لضمان عدم تحول اليمن إلى منصة دائمة لتطوير الأسلحة المحظورة، أو نقطة انطلاق للهجمات العابرة للحدود، بما في ذلك تهديد خطوط الملاحة الدولية والتجارة العالمية والطاقة.
ويرى محللون أن هذه التحذيرات يجب أن تؤخذ على محمل الجد، خاصة مع التطور النوعي في قدرات الحوثيين، والاعتراف الإيراني المباشر ببناء مصانع للأسلحة خارج حدودها، وهو ما يجعل اليمن مرشحاً بقوة ليكون أحد أبرز مواقع هذا المشروع. وأوضحوا أن عدم التحرك الفوري قد يضاعف من حجم التهديدات، ويزيد من تكلفة أي عملية مواجهة مستقبلية، ويمنح إيران الفرصة لترسيخ وجودها العسكري واللوجستي في قلب المنطقة، في حين يتعرض المدنيون والبنى التحتية الحيوية لأخطار متزايدة.
كما شدد المحللون على أن التحرك الدولي لا يقتصر على الجانب العسكري أو الأمني فقط، بل يجب أن يشمل آليات رقابة دولية على الشحنات، ودعم الاستخبارات المحلية، وتعزيز قدرات الحكومة اليمنية على حماية المدنيين والبنية التحتية، وتوفير أدوات قانونية لمحاسبة أي طرف ينتهك القرارات الدولية. هذه الاستراتيجية المتكاملة، وفقهم، تمثل الخيار الأمثل لتجنب وقوع اليمن والمنطقة في أزمة كبرى تتجاوز الحدود المحلية لتصبح تهديداً إقليمياً ودولياً.
اليمن في قلب معركة أكبر
بين التصريحات الإيرانية العلنية، والتحذيرات المتكررة من الحكومة اليمنية، والتقارير الأممية التي توثق عمليات تهريب الأسلحة والمواد الكيماوية، يتضح أن اليمن لم يعد مجرد ساحة صراع داخلي محدودة، بل أصبح جزءاً محورياً من شبكة إقليمية ودولية معقدة تتشابك فيها معادلات القوة بين طهران وخصومها الإقليميين والدوليين. الدولة اليمنية تواجه اليوم تحدياً غير مسبوق، إذ تتحول الأرض اليمنية إلى منصة استراتيجية محتملة لتطوير ونشر أسلحة محرّمة دولياً، بما فيها صواريخ فرط صوتية ومواد كيماوية عالية الخطورة، وهو ما يرفع سقف التهديد على المستويات الأمنية والإنسانية والاقتصادية.
إذا ما ثبت فعلاً أن جماعة الحوثيين حصلت على هذه المواد أو بدأت باستخدامها، فإن الصراع اليمني قد يدخل مرحلة جديدة أشد دموية وتعقيداً، تتجاوز المواجهات التقليدية بالصواريخ والطائرات المسيّرة، لتصبح تهديداً مباشراً للحياة المدنية، للبنى التحتية الحيوية، ولخطوط الملاحة الدولية والتجارة العالمية. هذه المعادلة تجعل اليمن مركز اهتمام المجتمع الدولي، الذي يجد نفسه أمام اختبار صعب وحاسم: إما التحرك الجاد والفوري لاحتواء الأزمة وتفادي انتشار الكوارث، أو مواجهة عواقب قد تكون كارثية على الأمن الإقليمي، واستقرار الاقتصاد العالمي، وسلامة المدنيين.
ويشير المحللون إلى أن هذا التحول في طبيعة الصراع يجعل أي تأخير في اتخاذ إجراءات دولية منسقة بمثابة فرصة لإيران لتعزيز وجودها العسكري واللوجستي في قلب شبه الجزيرة العربية، واستغلال اليمن كذراع استراتيجية لتحقيق أهدافها التوسعية، بما يضاعف من حجم المخاطر ويعقد فرص الحل السياسي. ومن هنا، يصبح التحرك المتكامل للمجتمع الدولي ضرورة قصوى، تشمل الرقابة على الشحنات، دعم القدرات الدفاعية للحكومة اليمنية، وتطبيق العقوبات الدولية بشكل صارم، لضمان عدم تحويل اليمن إلى ساحة صراع مفتوح يؤثر على المنطقة والعالم بأسره.