21 سبتمبر … انقلاب أسود أدخل اليمن في دوامة الدمار والحرب
السياسية - Sunday 21 September 2025 الساعة 07:42 pm
مع حلول الذكرى الرابعة عشر لما تسميه ميليشيا الحوثية الإيرانية "ثورة 21 سبتمبر" تتجدد لدى اليمنيين مشاعر الغضب والحزن، وهم يستعيدون مأساة ذلك اليوم الذي أطاح بمؤسسات الدولة، وحوّل اليمن إلى بلد منكوب يغرق في الحروب والانهيار الاقتصادي والإنساني.
وخرجت قيادات ونشطاء حوثيين على صدر منصات التواصل الاجتماعي للاحتفال بهذا اليوم ووصفه بانه إنجاز تأريخي، بينما رد غالبية اليمنيين والنشطاء بأن ذلك الحدث هو نكبة وطنية سوداء دشنت مرحلة غير مسبوقة من الفوضى والدمار.
من الثورة إلى الانقلاب
في 21 سبتمبر/أيلول 2014، استيقظ اليمنيون على مشهد مختلف كلياً: العاصمة صنعاء تسقط بيد جماعة مسلحة، والدولة تنهار في ليلة واحدة، في انقلاب مباغت أطاح بالحكومة ومؤسسات الشرعية.
رفعت الجماعة شعارات "إسقاط الجرعة" و"محاربة الفساد"، لكن تلك اللافتات سرعان ما تبيّن أنها غطاء لعملية انقلاب مسلح قضى على مخرجات الحوار الوطني وأحلام اليمنيين ببناء دولة مدنية حديثة. ومنذ ذلك الحين، انزلقت البلاد في حرب أهلية مدمرة، وأزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها "الأسوأ عالمياً".
وقال الناشط السياسي غمدان القادري على صفحته في فيسبوك: إن يوم 21 سبتمبر 2014 يمثل علامة سوداء في تاريخ اليمن الحديث، معتبراً إياه "اليوم الذي اختُطفت فيه الدولة وسقطت الجمهورية في قبضة مشروع سلالي دخيل لم يجلب للشعب سوى الخراب والدمار". وأوضح: أن جماعة الحوثي دخلت صنعاء تحت شعارات مضلِّلة، أبرزها شعار "إسقاط الجرعة" وخداع البسطاء بأنها ثورة ضد الفساد، "بينما كانت الحقيقة مؤامرة محبوكة لإعادة اليمن إلى عهد الإمامة والكهنوت، واغتيال أحلام اليمنيين في الحرية والمواطنة المتساوية".
وأضاف: "منذ ذلك اليوم المشؤوم انقلبت حياة اليمنيين رأساً على عقب؛ توقفت مؤسسات الدولة، وصودرت رواتب الموظفين، وانهار الاقتصاد، وارتفعت معدلات الفقر والجوع إلى مستويات غير مسبوقة، فيما اندلعت الحروب في كل محافظة وتشرد الملايين داخل الوطن وخارجه. أما صنعاء، فتحولت من عاصمة لكل اليمنيين إلى ثكنة عسكرية يديرها أمراء حرب تابعون لمشروع إيراني".
وشدد القادري على أن نكبة 21 سبتمبر لم تكن مجرد انقلاب سياسي، بل "انقلاب على قيم الجمهورية وأهداف ثورة 26 سبتمبر المجيدة"، موضحاً أن الحوثيين "استبدلوا الدستور بخرافة الولاية، وحوّلوا القانون إلى سيف مسلط على رقاب اليمنيين، وأعادوا نظام السخرة والجبايات في مشهد يعكس عودة الاستبداد الإمامي بوجه جديد".
واختتم الناشط غمدان القادري تصريحه بالتأكيد على أن اليمنيين، وبعد أكثر من عقد على هذه النكبة، يدركون أنه "لا خلاص إلا بإسقاط هذا المشروع الظلامي واستعادة الدولة وبناء يمن جمهوري ديمقراطي لكل أبنائه"، مضيفاً: "لقد أثبتت التجارب أن الحوثي لا يمكن أن يكون شريك سلام لأنه قائم على فكرة التفوق السلالي والوصاية الإلهية، وهذه الفكرة نقيض الحياة الحرة الكريمة. إن 21 سبتمبر سيظل يوماً مشؤوماً في ذاكرة الأجيال، لكنه أيضاً دافع لكل ال
احتفالات استفزازية
فيما يرزح اليمنيون تحت واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، أصرّت قيادات ونشطاء مليشيا الحوثي على تنظيم فعاليات احتفالية واسعة لإحياء ما يسمونه ذكرى “21 سبتمبر"، واصفين إياها بـ"الإنجاز التاريخي". انتشرت المشاهد في شوارع صنعاء وصعدة وذمار وحجة، حيث نُصبت المنصات ورفعت الأعلام والشعارات، وأُطلقت الألعاب النارية في وقتٍ يفتقر فيه ملايين المواطنين إلى أبسط مقومات الحياة من غذاء ودواء وكهرباء.
هذه العروض الاحتفالية التي تتباهى بها الجماعة على وسائل إعلامها الرسمية، أثارت موجة غضب عارمة بين اليمنيين في الداخل والخارج، إذ يرون في هذا اليوم ذكرى لانقلاب أسود قاد البلاد إلى الفوضى والدمار وفتح أبواب التدخلات الإقليمية والدولية التي عمّقت الأزمة المستمرة منذ عقد كامل. ويؤكد ناشطون وحقوقيون أن مشاهد الاحتفال ليست مجرد “استفزاز سياسي"، بل طعنة متعمدة لملايين الأسر التي فقدت أبناءها في جبهات القتال أو هجّرتها الحرب من قراها ومدنها.
ويؤكد ناشطون أن إحياء الحوثيين لهذه المناسبة يمثل استفزازاً صارخاً لأسر فقدت أبناءها وبيوتها ومصادر عيشها، ورسالة استهتار بمعاناة ملايين اليمنيين، بينما “لا مجال لأي احتفال في بلد تتصدر مآسيه نشرات الأخبار العالمية، ويئن شعبه تحت وطأة الحرب والفقر والجوع".
أكد الناشط أبو يزن عبدالله، في تصريح لاذع يعكس حجم السخط الشعبي، أن شعارات الحوثيين المعلقة في شوارع صنعاء تكشف مفارقة موجعة لما يعيشه اليمنيون. وقال: "في أحد شوارع العاصمة قرأت لافتة كتب عليها: 21 سبتمبر أنقذ مؤسسات الدولة من الانهيار. كنت في الحافلة أراقب وجوه الناس؛ بعضهم يقرأ العبارة بدهشة، وآخرون يبتسمون بسخرية من هذا الزيف. أي انهيار يقصدون؟ الدولة كانت قائمة، مؤسساتها تعمل، والقوانين تحمي المواطنين، قبل أن ينقلبوا على كل شيء ويمزقوا الوطن".
وأضاف عبدالله أن جماعة الحوثي "أغرقت البلاد في الخراب والدمار، دمّرت الاقتصاد، وأحالت المدارس والمستشفيات إلى أطلال، وحوّلت الشوارع إلى مقابر وطرق موت، وصادرت حريات الناس وكرامتهم". وأوضح أن ما يسمونه إنقاذاً "ليس سوى تدمير منظم"، وأن هذه الجماعة "تثبت كل يوم أنها بلا ضمير أو مسؤولية، تتعامل مع الوطن كأنه لعبة للعبث والفساد".
واختتم الناشط حديثه قائلاً: "الحقيقة أن الحوثيين لم ينقذوا شيئاً، بل حتى أنفسهم عاجزون عن ذلك. وما ينتظرهم في نهاية المطاف هو السقوط في ذات المستنقع الذي صنعوه بأيديهم: الخراب، الفشل، والعار الأبدي".
حرب دامية وكارثة إنسانية
ويشير مراقبون إلى أن هذا الاستعراض المبالغ فيه يعكس انفصال قيادة الحوثيين عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب اليمني. فبينما يُقدّر أكثر من 17 مليون شخص في دائرة انعدام الأمن الغذائي، وتتعطل الخدمات الصحية والتعليمية، وتتفشى البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة، يواصل الحوثيون صرف الأموال الطائلة على الاحتفالات واللافتات والفعاليات الدعائية، في مفارقة توضح حجم الفجوة بين معاناة الناس وخطاب الجماعة.
طوال الأعوام العشرة الماضية، حصدت الحرب أرواح مئات الآلاف بين قتيل وجريح، وشرّدت الملايين داخلياً وخارجياً، فيما انهار الاقتصاد الوطني بشكل شبه كامل. ووفق تقديرات منظمات إنسانية، يعيش أكثر من 17 مليون يمني في دائرة انعدام الأمن الغذائي، بينما حُرم مئات الآلاف من رواتبهم وخدماتهم الأساسية منذ أن فرض الحوثيون سلطتهم على مؤسسات الدولة.
وتصف الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه "أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض"، مع ملايين النازحين والأسر التي تعتمد على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، في ظل غياب أفق حقيقي لحل سياسي شامل.
ومنذ لحظة الانقلاب، دخل اليمن في دوامة انهيار اقتصادي غير مسبوق. انهارت العملة المحلية إلى مستويات قياسية، وتوقفت قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والكهرباء، فيما تحولت المساعدات الإنسانية إلى ورقة ابتزاز سياسي تستخدمها الجماعة لتحقيق مكاسبها.
وفي صنعاء، التي ترزح تحت قبضة الحوثيين منذ عقد كامل، تتجلى آثار الانقلاب بشكل صارخ؛ فالعاصمة التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى مدينة معزولة خانقة، وسط حصار اقتصادي، وتزايد معدلات الجريمة، وغياب شبه كامل للخدمات الأساسية.
مشروع توسيع إيراني
جماعة الحوثي أعادت إنتاج نموذج الحكم الإمامي الذي عرفه اليمن قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، من خلال فرض نظام يقوم على القمع والتمييز الطبقي، واستغلال موارد الدولة لصالح قيادات محدودة، بينما يعيش غالبية المواطنين في ظروف مأساوية من الفقر والعوز. هذا النهج يقود البلاد إلى تجريف هويتها الوطنية، عبر تطييف التعليم والمناهج، وتغيير القيم المجتمعية، وزرع الانقسامات بين اليمنيين.
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني إن نكبة 21 سبتمبر لم تكن حدثًا داخليًا فحسب، بل جزء من مشروع توسعي إيراني هدفه تحويل اليمن إلى منصة عدوان على الإقليم والعالم، موضحًا أن انقلاب مليشيا الحوثي على الدولة في 2014 شكّل نقطة تحول سوداء قوضت مكتسبات ثورة 26 سبتمبر وأدخل البلاد في دوامة حرب وفوضى إنسانية.
وأضاف الإرياني أن الجماعة اقتحمت صنعاء بشعارات زائفة عن الشراكة والإصلاح لتفرض واقعًا آخر: سيطرة على مؤسسات الدولة والجيش والأمن والقضاء، وإلغاء التعددية الإعلامية والسياسية، وتحويل مؤسسات الدولة إلى أدوات قمع ونهب؛ مشيرًا إلى أن المليشيا استولت على موارد هائلة تُقدَّر بـ103 مليارات دولار من الخزينة والاحتياطيات وأذون الخزانة وإيرادات الدولة، وحجبت رواتب الموظفين وفرضت جبايات غير قانونية وأخضعت الاقتصاد الوطني للاختناق.
وتابع الإرياني أن الانتهاكات بلغت عشرات الآلاف من الاعتقالات والتعذيب والتهجير وزرع الألغام وتجنيد الأطفال، بينما حولت الجماعة جغرافيا اليمن إلى قاعدة لتهديد الملاحة وشن هجمات عبر الطائرات والصواريخ بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني وأدواته الإقليمية، مطالبًا اليمنيين بوعي خطورة المشروع الحوثي الإيراني ومواجهته كمعركة وطنية وأخلاقية لاستعادة الدولة وحماية الهوية العربية لليمن.
ذكرى سوداء بلا أفق للحل
تحل ذكرى انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر كجرح مفتوح في جسد اليمن، إذ ما تزال تداعياته تعصف بالبلاد وتبدد أي بارقة أمل في استقرار قريب. فقد فتح هذا الانقلاب الباب واسعاً أمام تدخلات إقليمية ودولية معقدة، وحوّل اليمن إلى ساحة صراع مفتوحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية ودولية، ما جعل استقرار المنطقة برمتها رهينة لهذا النزاع المستمر. ومع تنامي نفوذ المليشيات المسلحة المدعومة من إيران، ارتفعت وتيرة الهجمات على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، مهددة أحد أهم شرايين التجارة العالمية وناشرة القلق في العواصم الإقليمية والدولية.
وبعد أحد عشر عاماً على ذلك اليوم المشؤوم، لا تزال تداعيات انقلاب 21 سبتمبر حاضرة في كل تفاصيل الحياة اليمنية: من دمار البنية التحتية والمرافق الحيوية، إلى انقسام سياسي عميق يفاقم الانهيار الاقتصادي، وصولاً إلى فوضى أمنية تجعل من كل مدينة ساحة صراع محتملة. المدن التي كانت يوماً مراكز للحياة والثقافة أصبحت تعيش عزلة خانقة، حيث تنتشر نقاط التفتيش المسلحة، وتتكرر حوادث القتل والاختطاف، ويغيب أي شعور بالأمان.
ورغم هذا الخراب، يصر الحوثيون على تنظيم احتفالاتهم المثيرة للجدل، في مشهد يراه اليمنيون استفزازاً لملايين الأسر التي دفعت ثمناً باهظاً من دمائها وممتلكاتها وسبل عيشها. بالنسبة لغالبية المواطنين، يظل 21 سبتمبر يوماً أسود غيّر مسار حياتهم وأدخلهم في دوامة من الأزمات والحروب التي لم تتوقف حتى اللحظة، فيما تتصدر معاناة اليمنيين نشرات الأخبار بوصفها واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
ويرى محللون ومراقبون أن أي أفق حقيقي للسلام لن يكتب له النجاح ما لم يبدأ بإزالة آثار هذا الانقلاب واستعادة الدولة ومؤسساتها المنهوبة. ويؤكد هؤلاء أن بقاء الوضع الراهن يعني أن اليمن سيظل رهينة للفوضى والحرب لعقود قادمة، وأن أي جهود دولية أو إقليمية لتسوية الأزمة ستبقى مجرد مسكنات مؤقتة أمام صراع طويل الأمد تغذيه أجندات خارجية ومصالح ضيقة، بينما يدفع الشعب اليمني وحده كلفة الدمار المستمر.