انتهاك للخصوصية.. حملة قمع حوثية تخنق أي تعبير شعبي يرفض مشروع الإمامة
السياسية - منذ ساعتان و 23 دقيقة
في تصعيد جديد يعكس توتراً عميقاً مع الذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر، كثّفت ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران حملات الاعتقال والمداهمات في عدد من المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، في محاولة لإخماد أي تعبير شعبي يعيد إلى الأذهان انتفاضة اليمنيين التاريخية ضد الحكم الإمامي قبل أكثر من ستة عقود.
ويرى ناشطون حقوقيون أن هذا التصعيد يأتي كرسالة خوف واضحة من أن تتحول المناسبة إلى شرارة غضب جماهيري واسع، خصوصاً وسط حالة السخط المتزايد نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية.
وشنّت الميليشيا حملة اعتقالات غير مسبوقة استهدفت مئات المدنيين بالتزامن مع احتفالات اليمنيين بذكرى الثورة الخالدة. وكشف رئيس الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، محمد العمدة، أن الميليشيات اعتقلت 1,063 شخصاً على خلفية الاحتفالات الجمهورية، بينهم 450 معتقلاً خلال العام الماضي، فيما وثّق العام الجاري وحده 613 جريمة اعتقال وإخفاء قسري في صنعاء وأمانة العاصمة، وحجة، وعمران، والضالع، وذمار، وإب، وصعدة، والمحويت، والحديدة.
وأوضح العمدة أن فرق الرصد وثّقت أيضاً 123 حالة اقتحام ومداهمة لمنازل المواطنين خلال سبتمبر 2025، على خلفية نيتهم الاحتفاء بالعيد الوطني ورفع العلم الجمهوري. وبيّن أن الاعتقالات غالباً ما تتم من الطرق العامة والأسواق والمساجد وحتى المنازل، حيث يُصادَر هواتف الضحايا وأوراقهم الرسمية قبل اقتيادهم إلى أماكن احتجاز سرّية، ما يفاقم مخاوف الإخفاء القسري ويضاعف معاناة الأسر القلقة على مصير أبنائها.
وأشار إلى أن هذه الانتهاكات تعكس حالة “هستيريا” تصيب الميليشيات مع كل مناسبة وطنية، إذ يكفي – بحسب قوله – مجرد رفع العلم أو بث أناشيد سبتمبر لاعتقال المواطنين وتعذيبهم. وطالبت الشبكة المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لإطلاق سراح المختطفين فوراً والكشف عن مصير المخفيين قسرياً، وإدراج هذه الجرائم في سجل الانتهاكات الجسيمة التي تستوجب الملاحقة الدولية.
وسبق هذه الحملة تعميم رسمي من وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، يقضي بحظر أي احتفالات شعبية خارج الإطار الرسمي، واعتبار المخالفين “خونة وعملاء يخدمون الأعداء”. وزعمت الوزارة أن هذه التحركات تأتي ضمن “مخطط أمريكي–إسرائيلي يستهدف الجبهة الداخلية بالفوضى”، في تبرير وصفه مراقبون بأنه محاولة لشرعنة القمع الممنهج.
وتزامن ذلك مع استنفار أمني واستخباراتي غير مسبوق في صنعاء، حيث نشرت الجماعة نقاط تفتيش إضافية وشددت المراقبة على الأحياء الحيوية، تخوفاً من اندلاع احتجاجات مفاجئة، خاصة بعد غارات إسرائيلية استهدفت مواقع تابعة لها مؤخراً.
ويرى حقوقيون أن هذه الإجراءات تكشف ارتباك الحوثيين مع كل ذكرى لثورة 26 سبتمبر، التي ما تزال رمزاً راسخاً لرفض الحكم الإمامي الذي تسعى الجماعة لإحيائه بثوب جديد. ويحذر ناشطون من أن استمرار سياسة القمع قد يفجر غضباً شعبياً يعيد تكرار روح الثورة الأم.
وفي حادثة أثارت موجة غضب عارمة، كشف الكاتب والناشط نذير الأسودي عن تعرض ابنتيه الطبيبتين لتفتيش مهين من قِبل عناصر حوثية، بينها نساء من “الزينبيات”، في أحد شوارع صنعاء. وأوضح أن المسلحات قمن بتفتيش هاتفي الفتاتين وتقليب صورهما ورسائلهما الخاصة، في مشهد صادم دفعهما إلى التوقف عن العمل في عيادتهما والتفكير بالهجرة.
ووصف الأسودي ما جرى بأنه “خرق غير مسبوق لحرمة النساء وكرامة اليمنيين”، متسائلاً: “ماذا لو وجدن صورة لزعيم سياسي معارض أو نشيد ثوري؟ ماذا سيكون مصيرهما؟”.
الخبير الدولي في الأمن الرقمي، المهندس فهمي الباحث، أكد أن سلطة الحوثيين وصلت إلى مستوى خطير من انتهاك الخصوصية، لافتاً إلى أن الجماعة اشترت برمجيات وأجهزة تجسسية – بعضها من شركات إسرائيلية – لاستخراج البيانات وفتح الهواتف. وأوضح أن تفتيش هواتف النساء وقراءة رسائلهن يمثل “إرهاباً نفسياً وسقوطاً أخلاقياً”، مؤكداً أن الميليشيا حوّلت اليمن إلى “سجن كبير يراقب أنفاس الناس وخياراتهم حتى في هواتفهم الخاصة”.
هذه الانتهاكات الممنهجة – من حملات الاعتقال الجماعي إلى تفتيش الهواتف وملاحقة المحتفلين بثورة سبتمبر – يراها مراقبون دليلاً على حالة خوف حقيقية تعيشها ميليشيا الحوثي من أي حراك جماهيري قد يذكّر اليمنيين بتاريخهم الجمهوري، ويهدد مشروع الإمامة الذي تحاول فرضه بالقوة.
ويؤكد حقوقيون أن القمع المتصاعد لن ينجح في طمس روح سبتمبر التي تتجدد في وجدان الأجيال، بل قد يكون شرارة لانتفاضة أوسع ضد سلطة الأمر الواقع التي حولت اليمن إلى فضاء مغلق يخلو من أبسط مقومات الحرية والكرامة.