رغم الاعتقالات والتحريض.. الأمم المتحدة تُبقي مكتب "غروندبرغ" في صنعاء

السياسية - منذ 3 ساعات و 49 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تواصل ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تحريضها الممنهج ضد موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والإغاثية العاملة في مناطق سيطرتها، تحت ذرائع واتهامات متكرّرة بالتجسس والتورط في استهداف حكومتها التي لقت مصرعها قبل شهر بغارة إسرائيلية على مقر اجتماعها في صنعاء.

ويأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه البلاد واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إذ تعيش ملايين الأسر على المساعدات الأممية، بينما تمضي الجماعة في حملات اعتقال طالت العشرات من موظفي المنظمات الدولية والأممية. وتشير مصادر حقوقية إلى أن عدد المحتجزين لدى الحوثيين تجاوز 50 موظفًا، في ظلّ صمت أممي مقلق حيال مصيرهم.

وأفادت المصادر بأن الأمم المتحدة أبقت ثلاثة موظفين أجانب فقط في صنعاء عقب إجلاء 12 مسؤولًا وموظفًا دوليًا عبر رحلة إنسانية، وهم: محمد الغنام، مدير مكتب المبعوث الأممي في صنعاء (مصري الجنسية)، ووسام الحلو – مسؤول أمن في مكتب المبعوث الأممي (لبناني الجنسية)، وجون ميجوي – مسؤول أمن في مكتب المبعوث الأممي (كيني الجنسية). ويُتوقّع أن يغادر هؤلاء أيضًا خلال الفترة المقبلة، في ظلّ استمرار المخاطر الأمنية وتصاعد الخطاب العدائي من قبل الجماعة ضد المنظمات الدولية.

إصرار حوثي 


في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تعبير عن نية مبيّتة لاستهداف العمل الإنساني، استدعت ميليشيا الحوثي مدير مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، محمد الغنام، عقب مغادرة الطاقم الأممي الأجنبي صنعاء.

وذكرت وكالة "سبأ" بنسختها الخاضعة للحوثيين أن القيادي عبدالواحد أبو راس، المعيَّن نائبًا لوزير الخارجية في حكومة الحوثيين، عقد لقاء مع الغنام أبلغه خلاله رفض الجماعة لبيان الأمين العام للأمم المتحدة بشأن قضية احتجاز موظفي الأمم المتحدة المتهمين بالتجسس.

وادّعى أبو راس أن لدى "الجهات المعنية" أدلة دامغة على "تورط بعض موظفي برنامج الأغذية العالمي ومنظمة اليونيسف في أعمال تجسس خطيرة" أدت – حسب زعمه – إلى "استهداف رئيس حكومة التغيير والبناء وعدد من أعضاء الحكومة".

وأضاف أن "حكومته" تعتزم إعادة النظر في الاتفاقيات الأساسية مع المنظمات الدولية وتعديلها بما "لا يتعارض مع أمن وسيادة اليمن"، في مؤشر واضح على مسعى الجماعة لفرض وصايتها الكاملة على العمل الإنساني.

كما حاول القيادي الحوثي تحويل الأنظار عن جرائم جماعته بالتشديد على "ضرورة اضطلاع مبعوث الأمم المتحدة بدوره في الضغط على دول العدوان ومرتزقتها"، في استمرار لنغمة التحريض السياسي التي تُستغل لتبرير الانتهاكات بحق المدنيين والموظفين الإنسانيين.

الذرائع مكشوفة

من جانبها، حمّلت الحكومة اليمنية ميليشيا الحوثي كامل المسؤولية عن حملة التحريض والاعتقالات التي تستهدف موظفي الإغاثة، معتبرة أن تلك الاتهامات ليست سوى "ذرائع مكشوفة" لتبرير انتهاكات ممنهجة تهدف إلى تخويف المنظمات الدولية وابتزازها.

وقالت وزارة الخارجية اليمنية، في بيان رسمي، إن الجماعة "تسعى من خلال هذه المزاعم لتقويض العمل الإنساني في المناطق الخاضعة لسيطرتها"، مؤكدة دعم الحكومة الكامل للعاملين في المجال الإنساني وتقديرها لجهودهم في التخفيف من معاناة السكان.

وحذّرت الوزارة من أن استمرار هذه الممارسات "يشكّل تهديدًا مباشرًا للعمل الإنساني وتقويضًا للجهود الدولية الرامية إلى تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن"، مشيرة إلى أن ما تقوم به الميليشيا يدخل ضمن سياسة ممنهجة لتكميم الأفواه ومصادرة الحريات.

كما دعت الخارجية المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف رادع وواضح إزاء هذه الانتهاكات، وضمان سلامة جميع موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ووقف "تسييس العمل الإنساني واستخدامه كأداة ضغط ومساومة سياسية".

ورقة ابتزاز

وفي السياق، قال رئيس مركز واشنطن للدراسات اليمنية، عبدالصمد الفقيه، إن ما تقوم به ميليشيا الحوثي "يعكس قصورًا واضحًا" من قبل الأمم المتحدة في حماية موظفيها داخل مناطق سيطرة الجماعة، مشيرًا إلى أن هذا القصور "شجّع الحوثيين على التمادي في انتهاكاتهم الجسيمة".

وأضاف الفقيه أن تدليل الأمم المتحدة للحوثيين، رغم مخالفة ممارساتهم الصريحة للقانون الدولي الإنساني، "أفقدها هيبتها"، مؤكّدًا أن المرحلة المقبلة ستكون اختبارًا حقيقيًا لمصداقية المنظمة وقدرتها على حماية موظفيها ومبادئها أمام جماعة تتعامل بمنطق القوة والابتزاز.

وأوضح أن استهداف موظفي الأمم المتحدة لا يقتصر ضرره على العاملين المحتجزين وأسرهم، بل "يمتد ليصيب المجتمع اليمني بأسره"، إذ يؤدي إلى توقف البرامج الإنسانية التي كانت تسهم في التخفيف من معاناة ملايين اليمنيين.

وعدّ الفقيه أن اتهامات الحوثيين بالتجسس يمكن قراءتها في محورين، الأول، استمرار سياسة التضييق والتجويع من خلال تعطيل عمل المؤسسات الإنسانية التي تُعين السكان، والثاني، محاولة التغطية على الاختراقات الأمنية الداخلية داخل الجماعة عبر توجيه التهم للمنظمات الدولية.

واختتم الفقيه تصريحه بالتحذير من أن الحوثيين، الذين لا تحكمهم قوانين أو أعراف، "قد يستخدمون المحتجزين كورقة ضغط في المفاوضات أو يوجهون إليهم اتهامات باطلة، وربما تصل الأمور إلى الإعدام أو الإبقاء عليهم في ظروف احتجاز قاسية لسنوات".