إجرام مرصود بشهادة أممية.. ألغام الموت الحوثية تلاحق أبناء الحديدة في البر والبحر
السياسية - منذ ساعتان و 20 دقيقة
الحديدة، نيوزيمن، خاص:
تواصل الألغام الأرضية والبحرية التي تزرعها ميليشيا الحوثي الإيرانية حصد أرواح اليمنيين في محافظة الحديدة، مخلّفةً مآسي إنسانية متكرّرة، وجرائم صامتة تلاحق المدنيين في البر والبحر على حدّ سواء. لم تعد هذه الألغام مجرد بقايا حربٍ منسية، بل باتت سلاحًا يوميًا يهدد حياة الصيادين والمزارعين والرعاة والأطفال في الطرقات والمزارع والشواطئ.
وتسجل المحافظة الساحلية حوادث انفجار شبه يومية، تتزايد معها أعداد الضحايا، فيما تلتزم بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) الصمت، مكتفية بإصدار بياناتٍ وإحصائيات دورية، دون تحركات حقيقية توازي حجم الكارثة أو تضغط لإجبار الميليشيا على وقف زرع المتفجرات وتسليم خرائط الحقول الملغومة.
وفي ظل هذا العجز الدولي، أصبحت الحديدة نموذجًا مأساويًا لانتهاكات الحوثيين ضد المدنيين، حيث تُستخدم الألغام وسيلةً لإدامة الخوف وإرهاب المجتمع، ولتطهير مناطق كاملة من سكانها خدمةً لأهداف سياسية وعسكرية.
مشهد مأساوي جديد، تحوّل شاطئ "مهب الريح" في جزيرة كمران إلى فخٍّ قاتلٍ للصيادين الأبرياء، بعدما انفجرت ألغام بحرية زرعتها ميليشيا الحوثي، مخلّفةً ثلاثة قتلى من أسرةٍ واحدة.
وبحسب مصادر محلية، فإن الصيادين الثلاثة: نعيم عبده دوم، أسلم عبده دوم، وعيسى بصيلي، استشهدوا أثناء مزاولتهم مهنة الصيد في محاولة لتأمين قوت يومهم، عندما ارتطمت قواربهم الصغيرة بألغام بحرية من مخلفات الميليشيا. تؤكد المصادر أن الحوثيين زرعوا هذه الألغام في مواقع الصيد التقليدية وربطوها بأجهزة تفجير عن بُعد، في سابقة تعكس حجم الاستهتار بحياة المدنيين.
وتحوّلت جزيرة كمران، التي كانت تُعرف سابقًا بهدوئها ووفرة رزقها البحري، إلى منطقة أشباح يخشى سكانها النزول إلى الشاطئ أو مزاولة أعمالهم اليومية. وتحدثت مصادر محلية من داخل الجزيرة إن "الصيد في كمران أصبح مغامرةً تشبه الانتحار، فالموت يترصدنا في البحر كما يترصدنا في الطرقات".
هذه الحادثة ليست معزولة، بل تأتي في سياق نهجٍ ممنهج تتبعه الميليشيا الحوثية لترويع السكان وإخضاعهم عبر تحويل حياتهم إلى حقل ألغام دائم، حيث باتت المناطق الساحلية في الحديدة من أكثر المواقع تلوثًا بالمتفجرات في اليمن.
وتُظهر الإحصاءات أن الموت في الحديدة لم يعد استثناءً بل قاعدةً يومية. فبحسب تقارير بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها)، سقط 31 مدنيًا بين قتيلٍ وجريح جراء انفجارات الألغام ومخلّفات الحرب خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 فقط.
وتشير التقارير إلى أن 18 مدنيًا قُتلوا، فيما أُصيب 13 آخرون بإصاباتٍ متفاوتة الخطورة في 24 حادثة انفجار وقعت في سبع مديريات بالمحافظة، أكثرها تضررًا مديريات حيس وبيت الفقيه والتحيتا، تليها الدريهمي والحالي والحوك.
اللافت أن نسبة الأطفال والنساء بلغت نحو 46% من إجمالي الضحايا، أي أن الألغام الحوثية لم تميّز بين مقاتلٍ ومدني، ولا بين راعٍ وطفلٍ عائدٍ من المدرسة. فقد قتل خلال الفترة نفسها ستة أطفال وامرأة، وأُصيب ثلاثة أطفال وامرأة أخرى، ما يعكس الطبيعة العشوائية والمقصودة في آنٍ واحد لهذه الجريمة.
وتؤكد هذه الإحصاءات أن محافظة الحديدة أصبحت واحدة من أكثر مناطق اليمن تلوثًا بالألغام، إذ سُجّل خلال الأعوام الثلاثة الماضية 542 ضحية مدنية، بينهم 204 قتلى و338 جريحًا، 40% منهم من النساء والأطفال.
ويرى مراقبون أن هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات ميدانية، بل هي دليل على فشل المجتمع الدولي في حماية المدنيين من جرائم الحوثيين، وعلى تواطؤ بعثة “أونمها” التي تحولت إلى جهة أرشفة لا أكثر، تسجل الضحايا لكنها لا تحرك ساكنًا.
المأساة في الحديدة تتجاوز حدود الإحصاء، إذ تحوّلت حياة آلاف الأسر إلى كفاحٍ يومي لتجنّب الموت. فالمزارعون يخشون حرث أراضيهم، والأطفال لم يعودوا يلعبون في الحقول، والصيادون يعيشون هاجس الانفجار في كل رحلة بحرية.
ومع استمرار الحوثيين في زراعة الألغام دون خريطة أو التزام، باتت المحافظة تواجه حربًا مؤجلة ضد المجهول، لا تنتهي إلا بتفكيك هذه الحقول القاتلة ومحاسبة من زرعها. إنّ صمت المجتمع الدولي وتراخي الأمم المتحدة في مواجهة هذه الجرائم يضيف جرحًا جديدًا إلى مأساة اليمنيين، ويجعل من الألغام الحوثية سلاحًا دائمًا ضد الحياة.
>
