أغاني وزوامل صنعاء تملأ الأرجاء في عدن وعشرات الفنانين والمبدعين يلجأون إليها

متفرقات - Sunday 29 April 2018 الساعة 11:34 am
عدن، نيوز يمن، خاص:

نقيضاً على الخطاب السياسي وصراعات الأطراف وإرث دولة صنعاء السيئ في الجنوب منذ حرب الإصلاح والمؤتمر في 94، وانتهاء باجتياح الحوثي 2004، تواصل "عدن" دورها الوطني الفني المنفتح والمتسامح والذي يفرق بين صراعات السياسيين ومجالات الحياة وأفقها.

ففي عدن المحررة من قبضة الحوثي سلاحا وفنا "زوامل"، يدمن عدد كبير من أبنائها على سماع ما تنتجه الجماعة الانقلابية من أناشيد حماسية، كانت تُسمع قبل ثلاثة أعوام في "شاصات الحوثي"، واليوم تدوي في معظم السيارات والباصات والدرجات النارية، بل حتى أحيانًا في أطقم المقاومة والجيش.

"محمد"، عاد لتوه من المخا وهو يستثمر أيام راحته بالعمل على أحد الباصات الصغيرة نوع "دباب"، كان يستغرق بالحديث عن مآثره القتالية في الجبهات ضد الحوثيين، وفي الوقت ذاته يرفع صوت المسجلة التي تردد زامل "اقدم، اقدم" ، "والله إن احنا ما نهجم عليهم إلا ونحن نستمع زواملهم"، قال محمد مفسرا ميوله الفني الجديد.

ومثله يبرر كثيرون، لاسيما الشباب الذين حملوا السلاح طيلة أيام الحرب وأصبحوا اليوم من ضمن الأجهزة الأمنية والعسكرية داخل العاصمة المؤقتة، أن استماعهم للزوامل التي تصدرها جماعة الحوثي يأتي نظراً لطابعها الحماسي، رغم أنها في المطلق تكون موجهة ضد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، وتعمل على مهاجمة وانتقاص حلفاء الشرعية والتحالف العربي وتتوعدهم بالويل والثبور، لكن طابعها الاحترافي جعل الخصوم العسكريين يتقبلونها بموضوعية فائقة ويتغاضون عن مضمونها السياسي، لاسيما وأنهم يتعاطون معها من موقع المنتصر، فلا حساسية مفطرة تنمو تجاهها ولا مشاعر هزيمة ترمز إليها.

وتسمع شباب على الشواطئ أو في شوارع عدن ومن أعمار مختلفة وهم يستمعون للزوامل.

وكان من البديهي أن تسري "موضة الزوامل" لتحاكي أمزجة الناس، ولكن ذلك يثير السؤال حول "الإفلاس الفني" الذي ترك العاطفة الوطنية الشعبية خالية من أهم وأبرز مجالات التعبئة العامة وهي الأغنية والمونولوج والنشيد والزامل.

ففي عدن غادر معظم رموزها الفنية الحياة، وتراجعت ألوانها التقليدية من الفن اللحجي والعدني، مع انشغال قامات فنية كبيرة بإنتاج أغان مسيسة وظرفية، مثلما حدث مع فنان الجنوب الأول عبود خواجة، والذي غرق في التحشيد الهوياتي والشعبوي على حساب الغناء والطرب.

ومقابل ذلك تعجز المواهب الفنية الجنوبية الصاعدة على المنافسة والانتشار من خلال تجديد التراث، أو ابتكار لون جديد يلبي ذائقة الجيل الجديد، غير أن صنعاء تكفلت نسبياً بهذه المهمة، فما إن تأخذك الصدف إلى بعض مقايل القات، أو تتجول في المدينة الممتلئة، إلا وتسمع ألحان وأصوات الفنانين الصنعانيين الشبان أمثال حمود السمه (وهو الأكثر انتشاراً وإطراباً في الأوساط الشبابية)، وحسين محب والفنان الراحل نادر الجرادي.

تفوق صنعاء كان واحداً من الملاحظات على مركزية الدولة التي أهملت التنوع وتركت ذائقة مسؤوليها وغالبهم من صنعاء ومن الشمال عموماً هي التي تقرر الدعم لهذا وإهمال ذاك.. وليس المهام الوطنية ولا الفنية الموضوعية، ومع ذلك فها هي عدن تبدي رغبتها الضمنية للتصالح فنياً مع صنعاء، لكن ذلك يمضي بخلاف ما تسير عليه أحداث الواقع السياسي.

والمفارقة أن نسبة الاستماع إلى الأغاني الصنعانية ازدادت بعد مقتل الرئيس السابق، من جهة ثمة من بغض الحوثيين على طريقة تصفيتهم لصالح، ومن جهة أخرى غاب عن المشهد "الزعيم الشمالي" الذي يرى الجنوبيون أنه قاد حربين ضدهم، وبالتالي هم يستمعون اليوم للغناء الصنعاني أيضًا من الموقع المنتصر.

وبشكل عفوي تلوذ العاصمة عدن، فنياً وثقافياً، إلى جارتها الشمالية لتعينها على خوائها الفني في إطار ما تشهده المدينة من تجريف ثقافي أصولي يتجافى مع قيم الفن والإبداع، وتزامناً مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى انحسار الفن العدني واللحجي.

وهو غياب يعود لعدة أسباب، أهمها على الإطلاق تقصير الدولة ووزارة الثقافة في الاهتمام بالجيل الفني الشاب ممن ذاع صيتهم في مخادر العاصمة، وهم يعملون بشكل يومي على إحياء حفلات الزفاف وحفلات التخرج وغيرها، ويحتاجون إلى مزيد من الصقل والتوجيه، كي يستعيدوا للمدينة المقهورة وجدانها الفني العذب.

وفي المقابل، تودع صنعاء آخر ما تبقى لها من قوة ناعمة إلى جارتها اللدودة، وهي اليوم تعاني، على شاكلة عدن، من تعسف جماعة دينية مغلقة تخصم يومياً من رصيدها الفني والثقافي والحضاري.

وتستقبل عدن أسماء فنية كثيرة كان لها حضورها في صنعاء، ولم يعد لها اليوم مكاناً هناك.