انتهاكات ممنهجة بحق المشايخ والوجهاء في صعدة.. استراتيجية لإسكات القبيلة
السياسية - منذ ساعتان و 4 دقائق
تتصاعد الانتهاكات التي يتعرض لها أبناء محافظة صعدة وقبائلها بشكل غير مسبوق، في ظل سياسة ممنهجة تنفذها ميليشيات الحوثي تهدف إلى إخضاع المشايخ والوجهاء والقيادات الاجتماعية، وإسكات كل صوت قبلي مناهض لسياساتها وانتهاكاتها.
ولم تقتصر هذه السياسة على الاختطافات التعسفية بحق الشيوخ المعارضين، بل امتدت لتشمل مصادرة الممتلكات والأراضي، وفرض الجبايات المالية الباهظة، والتنكيل بالأسر عبر المداهمات والاعتقالات الجماعية، في محاولة لتفكيك النسيج القبلي وإضعاف أي قدرة على المقاومة أو الاعتراض.
هذه الممارسات تعكس مسعى حوثي واضح لإحكام القبضة الأمنية والسياسية على صعدة، من خلال استهداف البنية القبلية التي تشكل العمود الفقري للمجتمع اليمني، إذ تدرك الجماعة أن القبيلة – بما تملكه من ثقل اجتماعي ورمزي – تمثل التحدي الأكبر أمام مشروعها القائم على السيطرة المطلقة. ولذلك تسعى الميليشيات إلى إعادة تشكيل الولاءات القبلية بالقوة والإكراه، واستبدال القيادات الرافضة بسياسيين ووجهاء موالين لها، بما يضمن لها السيطرة الكاملة على القرار القبلي.
كما أن الانتهاكات الحوثية ضد القبائل ومشائخها وأبناء صعدة ليست أحداثًا متفرقة، بل تأتي ضمن إطار سياسي وأمني منظم يهدف إلى إخضاع المحافظة التي تُعد المعقل الرئيسي للجماعة، وضمان ألا تتحول القبائل إلى حاضنة لأي تحركات مناهضة. وهو ما يكشف عن خشية الحوثيين من أن تتحول الأصوات القبلية الرافضة إلى نواة تمرد محلي قادر على تهديد وجودهم.
اختطاف الشيخ شويط
في أحدث حلقات مسلسل الانتهاكات التي تستهدف المشايخ والوجهاء، أقدمت ميليشيات الحوثي على اختطاف الشيخ عبدالقوي قايد شويط، شيخ قبائل بني عوير وأحد أبرز الشخصيات الاجتماعية في مديرية سحار بمحافظة صعدة، في خطوة أثارت موجة غضب واستياء واسع في الأوساط القبلية.
ووفق شهادات محلية، فقد جرى استدراج الشيخ شويط من قبل المشرف الحوثي المدعو أبو دانه الفهيد إلى أحد مجالس الضيافة بحجة النقاش حول قضايا محلية، غير أن اللقاء تحوّل إلى فخ محكم انتهى بنقله قسرًا إلى أحد السجون التابعة للجماعة في المحافظة، بعيدًا عن أعين أسرته وأبناء قبيلته.
وتكمن خطورة الحادثة في أن الشيخ شويط لا يُعد مجرد وجيه قبلي فحسب، بل شخصية لها رمزية اجتماعية مؤثرة بين أبناء صعدة، ما يجعل اختطافه رسالة واضحة للقبائل الأخرى مفادها أن الجماعة لن تتسامح مع أي موقف مستقل أو معارض لسياساتها. ويرى مراقبون أن استهداف قيادات بهذا الحجم يعكس رغبة الحوثيين في كسر إرادة القبيلة وإضعاف دورها التقليدي كقوة موازنة للسلطة.
إدانة حقوقية
وفي هذا السياق، أصدرت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات بلاغًا أدانت فيه عملية الاختطاف بأشد العبارات، مؤكدة أن ما جرى ليس حادثًا عابرًا بل يندرج ضمن سياسة منهجية ممنهجة لإخضاع الشخصيات القبلية وإسكات الأصوات المعارضة للهيمنة الحوثية.
كما حمّلت الشبكة الميليشيات المسؤولية الكاملة عن حياة وسلامة الشيخ شويط، مشددة على ضرورة الإفراج الفوري عنه دون قيد أو شرط، باعتبار استمرار احتجازه يشكل انتهاكًا صارخًا للقوانين والأعراف القبلية والإنسانية.
وتحذر منظمات حقوقية من أن مثل هذه الممارسات قد تؤدي إلى تفجير موجة جديدة من الصراع القبلي في صعدة، خصوصًا مع تزايد حالة الغليان داخل القبائل التي ترى في هذه الانتهاكات مساسًا مباشرًا بكرامتها ومكانتها التاريخية.
بدورهم عبر أبناء قبيلة بني عوير وعدد من وجهاء مديرية سحار عن غضبهم العارم إزاء هذه الواقعة، معتبرين أن استهداف شيخهم يمثل إهانة مباشرة للقبيلة بكاملها، وأن استمرار مثل هذه الانتهاكات سيدفعهم إلى خيارات تصعيدية إذا لم يتم الإفراج عنه سريعًا. وأكدت مصادر محلية أن اجتماعات قبلية عُقدت عقب الحادثة لمناقشة الرد المناسب، في وقت بدأت فيه أصوات تطالب القبائل الأخرى في صعدة واليمن عامةً بالاصطفاف لمواجهة هذه السياسات.
تصاعد الاحتقان القبلي
يأتي هذا التطور في ظل أجواء مشحونة داخل صعدة، حيث نظّم العشرات من أبناء قبائل آل سالم مؤخرًا وقفة احتجاجية في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم المختطفين منذ خمس سنوات في سجون الحوثيين، وذلك على خلفية رفضهم المشاركة في القتال إلى جانب المليشيات.
هذه الوقفة لم تكن مجرد احتجاج اعتيادي، بل حملت دلالات قوية على تنامي حالة الغضب القبلي ضد سياسات الجماعة، إذ ظهر المحتجون وهم يرفعون لافتات تندد باستمرار احتجاز أبنائهم، مؤكدين أن بقاءهم في السجون طوال هذه الفترة دون محاكمات أو مسوغات قانونية يمثل جريمة بحق الإنسانية والأعراف القبلية.
وأكد المشاركون أنهم ماضون في مواصلة تحركاتهم الاحتجاجية حتى يتم إطلاق سراح أبنائهم، مشيرين إلى أن صبر القبيلة بدأ ينفد، وأن استمرار هذه الممارسات التعسفية قد يفتح الباب أمام تصعيد أكبر، في وقت يزداد فيه الاحتقان القبلي يوماً بعد آخر.
ولم يقتصر خطاب أبناء آل سالم على مطالبهم الخاصة، بل توسّع ليشمل نداءً موجهاً إلى قبائل اليمن كافة من أجل التضامن معهم والوقوف صفًا واحدًا في مواجهة سياسات القمع الحوثية، معتبرين أن ما يتعرضون له اليوم قد يطال غدًا أي قبيلة أخرى إذا لم يتم التصدي له بشكل جماعي.
ومثل هذه التحركات القبلية- بحسب مراقبون- تمثل مؤشرات خطيرة على اتساع رقعة المعارضة القبلية ضد الحوثيين، خصوصًا في محافظة صعدة التي تُعد الحاضنة التقليدية للجماعة، وهو ما يكشف عن وجود شرخ متنامٍ بين الحوثيين والبيئة الاجتماعية المحيطة بهم.
انتهاكات ممنهجة بحق القبائل
ويرى نشطاء حقوقيون أن حادثة اختطاف الشيخ عبدالقوي شويط ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات الممنهجة التي مارستها ميليشيات الحوثي ضد القبائل وقياداتها الاجتماعية في صعدة، بهدف كسر إرادتها وإضعاف تأثيرها التقليدي. فقد سبقتها وقائع عديدة، من أبرزها:
وقال الناشط سليم الرداعي، أن ما يجري من حوادث طالت مشائخ ووجهاء صعدة على أنها حوادث منفصلة، بل هي جزء من نمط ثابت ومتكرر يهدف إلى تحييد القيادات القبلية أو إخضاعها، وهو ما يُفقد القبيلة دورها التقليدي كوسيط اجتماعي وضامن للسلم الأهلي داخل مناطقها. كما أن هذه الانتهاكات تركت آثارًا عميقة من الخوف والاحتقان، وساهمت في تقويض منظومة الأعراف القبلية التي طالما مثّلت صمّام أمان للاستقرار في اليمن.
وأشار إلى أن سجل الميليشيات الحوثي حافل بالانتهاكات ضد المشائخ ووجهاء صعدة، ويمكن التذكير بحادثة اختطاف الشيخ يحيى عبدالعظيم سالم، أحد وجهاء قبائل آل سالم، عام 2021، بعد رفضه تسليم مقاتلين من أبناء قبيلته للحوثيين، في خطوة مثّلت تحديًا للضغوط المفروضة على القبائل لتقديم أبنائها وقودًا للحرب. وكذا اعتقال الشيخ أحمد دغيش الربع في مديرية كتاف عام 2022، عقب خلافات محتدمة مع المشرفين الحوثيين حول سياسات التجنيد الإجباري التي استهدفت أبناء المنطقة بشكل مكثف. وإيضا اختطاف الشيخ محمد سالم جابر عام 2023 من مديرية غمر، عقب إدلائه بتصريحات علنية انتقد فيها سياسة الحوثيين تجاه مصادرة ممتلكات القبائل، وهو ما اعتبرته الجماعة تجاوزًا غير مقبول لخطوطها الحمراء.
تغير خريطة القبيلة
ويرى الناشط السياسي محمد باحمران أن هذه الحالات وغيرها من حالات الاختطاف والاستهداف لرموز القبائل من قبل الحوثيين ما هي إلا مشروع استراتيجي لإعادة تشكيل الخريطة القبلية في مناطق سيطرتهم، وبما يتوافق مع مصالحها العسكرية والفكرية. لافتًا أن هذا المخطط تجلى بوضوح من خلال التحرك المستمر على إخضاع الشيوخ بالقوة أو استبدالهم بموالين للجماعة يتم تنصيبهم كقيادات بديلة، في محاولة من الميليشيات خلق طبقة جديدة من المشايخ مرتبطة مباشرة بمشروعهم الطائفي.
وأضاف أن هناك محاولة مستميته لإضعاف التضامن القبلي عبر إثارة الانقسامات الداخلية، وتشجيع النزاعات بين البطون والفروع القبلية، بحيث يتم تفكيك الروابط الجامعة التي كانت تحمي القبائل من الاختراق الخارجي. إلى جانب فرض الولاءات القسرية باستخدام مزيج من الترهيب (الاختطافات والمداهمات) والإغراءات (المناصب والامتيازات المالية)، وهو ما يضع المشايخ بين خيارين: الانصياع للجماعة أو الإقصاء القسري.
وأكد باحمران أن هذه الممارسات تمثل تهديدًا مباشرًا للنسيج الاجتماعي في اليمن، إذ أن القبيلة اليمنية لعبت عبر التاريخ دورًا محوريًا في حماية الاستقرار وضبط النزاعات، كما كانت المرجعية الأساسية في حل الخلافات. ومع سعي الحوثيين لتقويض هذا الدور، يواجه المجتمع خطر فقدان أحد أعمدته الرئيسية، وهو ما قد يقود إلى فراغ اجتماعي خطير تستغله الميليشيا لترسيخ سلطتها بالقوة.