في زمن المليشيات.. 2.5 مليون متسوّل يبحثون عن رمق الحياة

متفرقات - Friday 06 July 2018 الساعة 08:13 pm
عبدالله أنعم، نيوزيمن، تقرير خاص:

بحثاً عن الطعام ومكافحة للجوع، تحول عدد من اليمنيين، أطفالاً ونساءً ورجالاً، إلى متسولين في الشوارع والطرقات في مؤشر كبير على تفشي ظاهرة الفقر المعيشي في هذا البلد الذي دمرته المليشيات الحوثية منذ انقلابها وحربها على اليمن واليمنيين.

وأجبرت المليشيات الحوثية وحربها المتواصلة، منذ حوالي 4 أعوام في اليمن، آلاف السكان الفقراء على مد أياديهم للناس في شوارع المدن الرئيسية وتسول ما يمكن أن يسدوا به رمقهم ويقيهم مجاعة محققة.

الشوارع تستقبل كل يوم متسولين جدداً

ويظهر جلياً ما آلت إليه شوارع العاصمة صنعاء ومدن تقع تحت سيطرة المليشيات من ازدحام الجولات والطرقات والأسواق والأحياء والمساجد بآلاف المتسولين بينهم أطفال ونساء في مشهد يعكس حجم الكارثة التي حلت باليمنيين.

وبينما تتجول في شوارع وأحياء صنعاء، يلفت انتباهك الازدياد المضطرد لأعداد المتسولين الباحثين عن قوت يومي يبقيهم على قيد الحياة.

وتنتشر ظاهرة التسول في شوارع المدن اليمينة خاصة في العاصمة صنعاء؛ نتيجة اتساع رصيف البطالة وانعدام مصادر الدخل جراء حرب المليشيات ونهبها لكل مقدرات البلاد، فاقم من توسعها وباتت تلك الشوارع تستقبل متسولين جدداً.

ولا تقتصر ظاهرة التسول على شريحة المسنين الذين يمكن أن يتعاطف الناس معهم، فالأطفال والنساء انضموا إلى طابور كبير من المتسولين تمتلئ بهم شوارع المدن منذ ساعات الصباح الأولى وحتى وقت متأخر من الليل.

طابور من النساء انضممن إلى المتسولين في الشوارع بعد أن كانت العادات الاجتماعية تجرّم ذلك، وفي زمن المليشيات بات من الطبيعي أن تجد امرأة تتسول ريالات حتى وقت متأخر من الليل.

إحدى المتسولات في صنعاء قالت ل"نيوز يمن"، وهي أم لاربعة أطفال تعيلهم بعد أن توفي زوجها بحادث سقوط من أحد المباني التي كان يعمل فيها: إنها لم تتمكن طيلة اليوم من تجميع ألف ريال يمني من أجل توفير وجبات أطفالها الذين لاتجد ما تطعمهم إذا لم تخرج للتسول.

النازحون.. بين التشرد والتسول

ويشكل النازحون نسبة كبيرة بين من خرجوا للتسول نتيجة انقطاع سبل العيش ومعاناة التشريد والفقر والحاجة وأرهقتهم مصاعب الحرمان بفعل المليشيات التي تحول قادتها ومشرفوها إلى أثرياء يقتاتون قوت الضعفاء.

فمنذ الحرب التي أشعلتها مليشيات الحوثيين تضاعفت أعداد المتسولين وظهر متسولون جدد بأعداد كبيرة معظمهم نساء مع أطفالهم ملابسهم نظيفة أجبروا على الخروج من بيوتهم بسبب الفقر وفقدان الأعمال ويتركز غالبيتهم أمام المطاعم الشعبية ومراكز التسوق ومواقف الباصات وفي تقاطعات الشوارع والجولات أو يطوفون على المحلات التجارية.

نجاة طفلة عمرها 6 سنوات تمتهن التسول في شوارع صنعاء وهي تطوف شارع التحرير وسط العاصمة تبحث عن من يساعدها..

تدور نجاة وبيدها قطعة من العلكة تتوقف عند كل من يمر وتلاحق السيارات تترجى من يشتري منها أو يتصدق وتجد من يتعاطف معها ويعطيها عشرة ريالات من دون أن يشتري شيئاً وأحياناً تجد من يشيح بوجهه ويتجاهلها لكن الجميع يعرفون أن قطعة العلكة بيدها هي وسيلة للتسول وأنها متسولة وليست بائعة متجولة ليس لديها سوى قطعة علكة واحدة!

عزيزو القوم ذلوا في عهد المليشيا

مشاهد مؤلمة تعصف بالقلوب حين تجد فتيات نظيفات في العشرينيات من العمر تستوقفك إحداهن بشكل لطيف "لحظة يا أخي لو سمحت ممكن كلمة" وعندما تستمع لها تقول إنها خرجت من بيتها مضطرة وإنهم لا يجدون قيمة الأكل ولا يستطيعون شراء أسطوانة غاز ومنهم من تحدثك عن نزوحهم من الحرب وافتقارهم للقمة العيش.

وهناك متسولون كبار من الشباب والعمال أيضاً اجبرتهم قسوة الحياة وإنعدام الاعمال أن يمدوا أيديهم في صورة تعكس حجم الذل الذي أوصلتهم المليشيات إليه يحملون آلات عمل البناء ويقتربون منك طالبين المساعدة مبررين طلبهم بأنهم يطوفون الشوارع كل يوم ولا يجدون عملاً ويطلبون قيمة رغيف خبز.

أرقام مرعبة..

وتقدر إحصائيات لمراكز بحوث اجتماعية أن حرب المليشيات وانقلابها تشير إلى انضمام أكثر من مليونين ونصف المليون شخص إلى رصيف المتسولين نتيجة الحرب والفقر واستمرار تدهور المستوى المعيشي لغالبية السكان.

يقول الناشط السياسي والاجتماعي نبيل مارش ل"نيوز يمن"، إن 90% من اليمنيين يصارعون من أجل العيش بعد نفاد المخزون الغذائي والمالي لغالبية الأسر اليمنية من الطبقة المتوسطة الذي بدأ يتلاشى أو أنه تلاشى فعلاً، ولذلك نرى وجوهاً جديدة في طابور المتسولين في المدن اليمنية، مؤكداً أن معظم المتسولين الجدد هم من أفراد الطبقة المتوسطة الذين تدهورت أوضاعهم المالية بسبب الحرب.

ويشير "مارش" إلى أن بعض الآباء الذين فقدوا أعمالهم يجبرون زوجاتهم وأولادهم على امتهان التسول لتوفير احتياجاتهم ولم يعد لهم مصدر دخل بعد أن أوقفت المليشيات الرواتب منذ أكثر من عامين واستيلاءها على كل ثروات البلاد ونهبها حقوق الناس وتعطيلها لكل الأعمال.

ويذكر "مارش" أن هناك من يتسول حتى لا يجوع أطفاله والبعض منهم وجد نفسه في مدينة لا يعرفها وتكاليف العيش فيها مرتفعة وإذا لم يمد يده للناس فقد يجد نفسه في العراء.

ويوضح مارش أن المتسولين الجدد لا يجيدون التمثيل وليست لديهم وسائل احترافية بالتسول، أخرجهم الفقر وانعدام الخبز وأسطوانة الغاز وغيرها من متطلبات الحياة، فيما تجد آخرين يحملون معهم تقارير طبية لكسب تعاطف الناس أو يتسولون بالإعاقة أو بطفل مريض.

تركوا الدراسة ليعيلوا أسرهم

تشير إحصائيات للمنظمات الأممية أن مايقرب من 2 مليون طفل يمني في سن الدراسة لا يذهبون للمدارس وحرمتهم المليشيات الحوثية من الالتحاق بالتعليم أو العودة إلى مدارسهم إما بسبب النزوح أو تدميرها للمدارس واستخدامها كمواقع عسكرية.

ويرجع الباحث التربوي والاجتماعي فيصل الحاج في حديث خاص ل"نيوز يمن" سبب انهيار التعليم إلى الفقر المدقع الذي تعيش فيه الأسر اليمنية جراء الحرب التي فرضتها المليشيات الحوثية، حيث تصل نسبة الفقر بين الأسر إلى نحو 80%، الأمر الذي يدفع أولياء الأمور إلى دفع أبنائهم للتسول في الشوارع.

وقال الحاج، إن قطاع التعليم في اليمن قامت المليشيات بتدميره، والأمر لا يقتصر على تدمير المدارس، بل إن غالبية المعلمين في اليمن لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من عامين.

وأدى الانقلاب الحوثي وحربه العبثية إلى تدهور المستوى المعيشي للسكان وانعدام الخدمات وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانهيار أنشطة الأعمال وتفشي البطالة والفقر.

وبات أكثر من ثلثي سكان اليمن البالغ تعدادهم أكثر من 25 مليونا بحاجة ماسة إلى الغذاء والدواء، حسب المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، في أسوأ كارثة إنسانية لم تشهد اليمن مثيلاً لها في تاريخها الحديث والمعاصر تسببت بها المليشيات الحوثية أرضاً وإنساناً.

ويوماً تلو الآخر تزداد معاناة اليمنيين جراء استمرار تعنت المليشيا الانقلابية بحربها العبثية وعدم الاكتراث لنداءات وتحذيرات المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية المتكررة من وصول البلد إلى عمق الهاوية.