قراءة في أهداف الحوثي التسلطية من وثيقة الشرف القبلية

السياسية - Saturday 16 March 2019 الساعة 06:56 pm
نيوزيمن، كتب/ محمد عزان

«باسم مقاومة أمريكا وإسرائيل» أفسدوا علاقة اليمن بدول العالم، وحشروا البلاد في حروب عبثية مع محيطها العربي.

«باسم مواجهة الدواعش» دمروا الدولة وأشعلوا حرائق الفتن بغزو المدن والقُرى فمزقوا أرضنا وشردوا شعبنا.

«باسم التصدي للعدوان» أرهبوا الناس ونكلوا بمخالفيهم وصادروا الحُريات واستولوا على مقدرات الشعب وثروات البلاد.

«باسم وثيقةالشرف القبلي» يوقظون العصبيات ويحشدون الغوغاء لتدمير ما بقي من قِيَم القبيلة، ويشجعون الأسر اليمنية على استباحة دماء وأموال وأعراض من لا يسلم بسلطتهم، بذريعة العمل بوثيقة الجبت والطاغوت هذه التي يروجون لها كباب جديد من أبواب الفتنة في هذا الشعب المَكْلُوم.

للأسف هذا شأن من {َإِذَا تَوَلى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِك الْحَرثَ وَالنّسلَ وَالله لَا يُحِبُّ الفَسَادَ}.. {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}.

باسم قبائل اليمن يريد الحوثيون من خلال وثيقة الطاغوت المسماة وثيقة الشرف القبلي أن يحكموا على مخالفيهم ومن يرفضون طغيانهم وعدوانهم على الشعب اليمني بأنهم خونة وعملاء، تُستباح دماؤهم وتنهب أموالهم ويهجّرون من أرضهم، ويسلبون حقوقهم المدنية والإنسانية.
حيث تقول وثيقتهم: 
«أجمعت قبائل اليمن أن الخونة والعملاء مدرعين بالعيب وملبسين بالجرم والعار حتى وإن تمت أي تسوية سياسية وتلحق بهم العقوبات المتعارف عليها في الوسط القبلي ومن ذلك عدم إيواء العائب ولا يقبل العائب في أي تعامل إلا عائب مثله وأنهم مجردين من حقوق الأخوة والصحب والحمى والمغارم والمَجُورة والمَحَدّ والمواطنة وأي مكانة في المجتمع البتة، وأن فعلهم مساو لفعل القائمين بالعدوان ومشاركون في كل جريمة ارتكبت ضد اليمن واليمنيين ويعد جرمهم المرتكب بغيا على الأمة كما هو في المصطلح الشرعي وأعراف القبائل وناموس العقلاء وكل منهم جار الطلق أي منفي من الأرض ما لم يؤخذ بناصيته».

أمام هذه الهمجية التي لم يشهد لها التاريخ المعاصر نظيراً، نطالب المحافل الدولية والمنظمات الحقوقية وجميع عقلاء العالم بإدانة هذه التحركات المتوحشة وحماية الشعب اليمني من هذا العدوان الغاشم، خصوصاً أنها تصدر عن سلطة غاشمة تملك القدرة على تنفيذ ما تتوعد به، ولا تتقيد بالمواثيق الدولية ولا بالأعراف الإنسانية.

تدعو وثيقة الحوثيين المسماة بـ وثيقةالشرف القبلي إلى نشر الفَوضى في أوساط القبائل من خلال إطلاق أيدي أعوانهم في دماء وأموال وأعرض كل من يصفونهم بالعمالة والخيانة من مُخالفيهم، فقد نصّت على: أن «على القبيلة أو الجهة التي ينتمي إليها العائب (الخائن أو العميل أو المخرب) اتخاذ كل الإجراءات اللازمة ضده مع الجهات الرسمية أو الشعبية».

وبهذا يضربون الناس ببعضهم وفق استراتيجية الإمام أحمد لإخضاع القبائل بضرب بعضها ببعض، حتى كان يتبحّج بذلك ويقول:
«ولأضربنّ قبيلة بقبيلة * ولأملأنّ بيوتهن نياحاً»!

إن ذلك يعني شرعَنة الهمجيّة وتحكيم مزاج الأتباع في دماء وأموال وأعراض المواطنين.. فمن قرر الزبانية أنه خائن وعميل فلهم أن ينكّلوا به كيفما شاءوا بمباركة سلطتهم، متجاوزين بذلك شرع الله وقانون البلاد وأعراف القبيلة وقيم الإنسانية!!
1. قبائل اليمن قد أقرت.
2. يعلن أبناء اليمن كافة.
3. تعلن القبائل اليمن.
4. تطالب القبائل اليمنية.
5. أجمعت قبائل اليمن.
6. تُقر القبائل اليمنية.
7. تلتزم جميع القبائل.

هكذا تكررت عبارات الإجماع والتعميم في وثيقة الحوثيين، لترهيب الداخل وإيهام الخارج بأن كافة أفراد القبائل اليمنية منخرطون في فتنتهم.. إنه -للأسف- كلام عن «الإجماع» و«الاتفاق» و«قاطبة» و«كافة» دون خَجَل من الكذب ولا حياء من الناس!!

وبتأكيدهم على «أن القبائل اليمنية ممثلة فيمن حضر» من أتباعهم، صادروا قرار الملايين من الشعب اليمني!

وهذا ليس مجرد افتراء عَلَني مُشِين؛ بل فيه إهانة للقبائل ومصادرة لمواقفهم وتَجَنّ على أعرافهم.. فضلاً عن اختزالهم فيمن انقاد لهم واستبدل انتمائه إلى القبيلة والوطن بالولاء لحركةٍ ذات أهداف عصبوية خاصة.

البند الثاني..
في بندها الثاني أكد الحوثيون في وثيقتهم أنهم سيواجهون من يعتدي عليهم (وهذا أمر طبيعي وهو من حقهم، ومن حق من يعتدون عليهم أيضاً)، غير أنهم يجعلون ذلك مجرد ذريعة للتنكيل بمخالفيهم ومعارضيهم من الشعب اليمني، فكل من يتصدى لهيمنتهم ولا يرضخ لبطشهم ولا يدور في فلكهم، فهو من: «الداعمين والمشاركين والمحرضين والمؤيدين للعدوان». 
وهذا هو الغَرَض الذي وُضعت الوثيقة من أجله، أما قتال من يقاتلهم فهم ماضون فيه ولا يحتاجون إلى وثيقة قبليّة.

وأسوأ من كل ما تقدم أن الوثيقة أعلنت -في هذا البند- أنها ستستخدم ضد معارضيها جميع الوسائل الممكنة، وفي أي زمان ومكان، وحيث ما تصل يدها وأيدي مرتزقتها في الداخل والخارج. وعن هذا تقول: إنها ستضرب «بالقُدرات المتاحة في أي زمان ومكان، وحيثما يصل مَنْعهم (حلفاؤهم) وفُروعهم (مرتزقتهم وعملاؤهم) في الزّمن القريب أو البعيد (حتى بعد أي تسوية وأي عقد الأمان)»!

وهذه هي نفس العقلية الإرهابية التي يتبناها داعش والقاعدة في التعامل مع مخالفيهم، مع اختلاف في أدوات التنفيذ وكيفيّة تبرير الجرائم وتقديمها.. وهو مما يجب أن تتنبه له المنظمات الحقوقية والوسطاء المحليون والدوليون وكل من يعنيه الأمر، حتى لا يُستباح الشعب اليمني بعيداً عن الأنظار وتحت ذريعة مواجهة العدوان.

البند الثالث..
في بندها الثالث تطلب وثيقة الحوثيين من سُلطة الحوثيين إنزال العقوبات القانونية والشرعية بمن يعارضها أو يهرب من بطشها أو يقرر مقاومتها، على أساس أنهم مشاركون في العدوان على اليمن وداعمون له ومحرضون ومؤيدون!
كما تدعو تلك السلطةُ نفسَها إلى سن قوانين تنص على تجريم معارضيها (باعتبارهم خونة وعملاء) وسلب ممتلكاتهم وتجريدهم من جميع حقوقهم الوطنية والإنسانية، وإباحة دمائهم، حتى بعد أي مصالحة اجتماعية أو تسوية سياسية.

إنها بربرية فريدة في عالمنا المعاصر، حتى إسرائيل لا تتعامل مع الفلسطينيين إلا بأقل من هذه الغطرسة والطغيان!
لا تقل لي: إن المقصود بتلك العقوبات دول التّحالف، ولا حتى جبهات المقاومة المسلحة؛ لأنهم ليسوا تحت هيمنة الحوثيين ولا يحكم فيهم قضاؤه، ولكن المواطنين المحكومين بسلطة الحوثي هم المقصودون.. تحريضاً للموالي، وقمعاً للمخالف، وتخويناً للمحايد، وإرهاباً للمعارض!

البند الرابع..
في بندها الرابع ركزت وثيقة الحوثيين على ترهيب المخالفين لهم المعارضين لمشروعهم، فبعد أن وصفتهم بـ«الخونة والعملاء»، قررت بشأنهم عدة انتهاكات، منها:
❶ اعتبار كل من يتصدى لهم «مدرعين بالعَيب وملبّسين بالجُرم والعَار»، متوعدة باستخدام مرتزقتهم من القبائل لقمع أهلهم بـ«عدم الإيواء والتجريد من حقوق الأخوة والمواطنة وأي مكانة في المجتمع.. حتى وإن تمت أي تسوية سياسية»، مما يعني أنهم لن يتقيدوا بعهد ولا ميثاق يمكن التوصل معهم إليه.

❷ حَكَمت بأن معارضة الحوثية والتصدي لها جريمة «تساوي فعل القائمين بالعدوان»، مؤكدة أن ذلك «يعد جرماً وبغياً على الأمة كما هو في المصطلح الشرعي وأعراف القبائل»، وهذا اعتبار همجي جاء لإرهاب كل يمني يقاوم طغيانهم، مسوغة القتل والتفجير والسلب والنهب باسم الله والأعراف القَبَلية.

❸ التحريض على تهجير المعارضين لمسيرة الحوثي واعتبار «كل منهم جار الطلق (أي منفي من الأرض) ما لم يؤخذ بناصيته». وهذه لا يختلف عما تفعل إسرائيل بالفلسطينيين في أرضهم وديارهم، ولن يورث البلاد -للأسف- سوى أحقاد وثارات تُغرق الحاضر والمستقبل بالدموع والدماء!

والمهم في الأمر أن ذلك الوعيد ليس مجرد كلامٍ يمكن اعتباره شتيمة سياسية أو وعيداً عابراً؛ لأن الجلاد المتسلط هو من أطلقه وتعهد بتنفيذه، وهو ما يطبقونه اليوم بالفعل سواء في (حجور) أو في غيرها من المدن والقرى اليمنية التي غزوها من قَبل وشردوا أهلها.

البند الخامس..
صمّم الحوثيون البند الخامس من وثيقتهم لتحويل أتباعهم من القبائل إلى مرتزقة يرهبون مجتمعهم لفرض هيمنتهم على الساحة الداخلية، فجعلوهم فريقين:
❶ فريق الجواسيس، ومهمتهم التلصّص على مجتمعهم وإطلاق التهم على مخالفيهم، وفق توجيه الوثيقة بأن «كل قبيلة مسئولة عن حفظ أمن واستقرار ساحتها»، فكم من مسكين تعرض للتنكيل لمجرد أنه عبّر عن سخطه أو انتقد انتهاكات من يصفونهم بالمجاهدين، فأدرجوه فيمن يُشكل خطراً مع العدوان!
❷ فريق الزّبانية، ومهمتهم قمع المخالفين، حيث توصي الوثيقة بأن «على القبيلة أو الجهة التي ينتمي إليها العائب اتخاذ كل الإجراءات اللازمة ضده». بالتعاون «مع الجهات الرسمية أو الشعبية» المخولة من قبل حوثيين طبعاً؛ لانه لا يوجد غيرها.

البند السادس..
حرص الحوثيون في هذا البند من وثيقتهم المشؤومة على تحقيق غرضين:
❶ تحويل المجتمع القبلي إلى حَامٍ لحركتهم ومنفق على مغامراتهم ومقاتل في سبيل خصوصياتهم، فأكدت أن على الجميع أن «يلتزموا بإحياء مبدأ الغرم القبلي والشعبي بالمال والرجال». وبذلك يتحول القبائل إلى مجرد شُقاة لدى مسيرة الحوثي.
❷ تحريض أعوانهم من أبناء القبائل ضد بقية مكونات الشعب اليمني المعارض للحوثية، الذين تصفهم بالأشرار، وتطالب بـ«استئصال مناشئ الشر والخطر الذي يهدد الوطن والأمة». المتمثلة فيهم طبعاً!

البند السابع..
في هذا البند يرى الحوثيون أنهم بحاجة إلى تشكيل خارطة صراع قبلي جديدة، ليتمكنوا من إدارة القبيلة والتحكم فيها، ويدركون أن ذلك لن يتسنّى لهم إلا بخطوتين:
❶ «تأجيل الخلافات والنزاعات بين أبناء اليمن، باستثناء من أشارت إليهم الوثيقة بالعقوبات» يعني مخالفيهم. وبهذا يتمكنون من تغيير طبيعة الخلافات وليس إنهاءها، فبدلاً من كونها بين القبائل على قضاياهم هم، تصبح بين القبائل؛ ولكن في سبيل نصرة الحوثية أو صدها.
❷ الإمساك بخيوط الخلافات القبلية من خلال «تشكيل لجنة -منهم- لفرز القضايا العالقة وتصنيفها ووضع الحلول المناسبة لها» بالتنسيق معهم، باعتبارهم «الجهات الرسمية»، فكلها: هم، ومنهم، وفيهم، وإليهم، وبذلك يسهل عليهم التحكم في الخلافات وتَحريكها والابتزاز بها والارتزاق من سُحتها.. كما يفعل مُشرفوهم اليوم في مختلف القرى والمدن اليمنية.

البند الثامن..
يعكس هذا البند رغبة الحوثيين في الهيمنة على القبيلة وإعادة صياغة نظامها ووضعها تحت إدارة مُشْرف في جُبّة شيخ.

وذلك ما تنص عليه وثيقتهم بالقول: «من الضروري ترتيب وتنظيم شؤون القبيلة لتكون قادرة على تأمين ساحتها وحل مشكلتها ومتابعة أمورها والقيام بدورها في كل المجالات الدفاعية والأمنية»، فالقبيلة ليس لديها ساحات خائفة ولا مشاكل دفاعية وأمنية، وإنما يريد الحوثيون أن يحوّلوها إلى شرطي لحراسة مشروعهم، وساحة معركة ضد خصومهم، باسم الجهاد ومقاومة العدوان، كما فعلوا في خولان بن عامر وهمدان بن زيد وحاشد وبكيل ومؤخرا في حجور.

وبناءً على طموحهم في الهيمنة على القبيلة يَرَون أنه لابد من «تمثيل القبائل في التكوينات التشريعية والتنفيذية لتشارك من خلالها في الرأي وصنع القرار»، وهذا مجرد تَنَطّع وذَرّ للرماد في العيون، فالقبيلة مكون شعبي والشعب كله ممثل في جميع هياكل الدولة بمؤهلاتهم وكفاءاتهم وليس بانتماءاتهم العُصبوية التي يعمل الحوثيون على إحيائها، إمعاناً في تمزيق البلاد بالقبليّة تارة وبالطائفية والمناطقية تارة أخرى.

وأخيراً.. وثيقة الحوثيين يُكَذّب آخرُها أوّلها!

أطلقت الوثيقة في أولها عبارات: الإجماع والتعميم، مثل: «يعلن أبناء اليمن كافة». «تعلن القبائل اليمن». «تطالب القبائل اليمنية». «أجمعت قبائل اليمن». «تُقر القبائل اليمنية». «تلتزم جميع القبائل». كل ذلك قبل أن يَعرفها أو يسمع بها أحد..
وفي آخرها تقول: «(بعد التوقيع) تعتبر هذه الوثيقة ميثاق شرف». طيب.. وأجمعت القبائل، وتعلن، وتطالب، وتُقر، وكافة، وجميعاً.. أين ذهبت؟ ومن أي كيس خَرَجت؟!

أكاذيب على القبيلة وخداع للشعب، وجَدَت –للأسف- من يصدّقها ويَنْقاد لها، نتيجة غياب الوعي والمقاوم.

* جمعها (نيوزيمن) من بوستات للكاتب على صفحته في (الفيسبوك)