وثائقي.. خفايا محور طور الباحة

السياسية - Wednesday 17 February 2021 الساعة 03:06 pm
نيوزيمن، قناة الجمهورية:

ما قصة تشكيل محور طور الباحة؟

كيف أصبح اللواء الرابع مشاة جبلي المشكل في 2016 بمديرية  المقاطرة لحج محورا بين ليلة وضحاها؟

كيف أصبح الجبولي، أستاذ كلية التربية والمراسل السابق لصحيفة أخبار اليوم، لواءً وقائد محور دون قرار رسمي من رئيس الجمهورية؟

ما سر اتخاذ منطقة طور الباحة تحديدا مقراً للمحور المزعوم؟

ما سر صمت وزارة الدفاع عن استحداثات بحجم محور في منطقة حساسة كهذه.. هل فعلا وزارة الدفاع لم تكن على علم باستحداثه؟

ما سر تشكيل هذا المحور وما هي مهامه؟

لماذا أحد تشكيلات المحور يحمل اسم لواء الدفاع الساحلي مع العلم أن المنطقة الجغرافية للمحور المستحدث لا تحتوي على شريط ساحلي؟

ما هي خفايا هذا المحور وكيف بدأت قصة تشكيله؟

لكي نعرف كل هذه الخفايا علينا أولا أن نعود للتسلسل الزمني لأحداث هيأت لانشائه.

منذ مايو 2018 توقفت الأعمال العسكرية في جميع جبهات تعز مع الحوثي، واقتصرت الأعمال القتالية في الجبهات على الدفاع وصد هجمات مليشيا الحوثي بدلا من الهجوم، وأوعز محور تعز حينها أن دعم التحالف اللوجستي توقف، بينما كانت تشير المعطيات لغير ذلك، فما تبع تجميد الجبهة غير المعلن من أحداث أشارت إلى أن المحور الإخواني تفرغ لإحكام القبضة على الجبهة الداخلية بدلا عن قتال الحوثي في الحوبان والمناطق غير المحررة في تعز. 

فقد حول الإخوان البندقية نحو صدور رفاق السلاح في الحجرية التي كانت حينها تحت سيطرة النطاق الجغرافي للواء 35 مدرع  بقيادة العميد عدنان الحمادي، الرجل الذي حررت تحت قيادته حوالي 70% من المناطق المحررة حالياً، علما بأنه يحظى بشعبية وحاضنة كبيرة في الحجرية لأعماله ومواقفه البطولية، لكن الرجل لم يكن محسوبا على الإخوان في تعز وهذا ما كان يغيض الإخوان أكثر من الحوثي بأطراف المدينة، لذا سعوا لحبك خطط محكمة لتحييد قوته وإسقاط الحجرية بأيديهم.

30 أغسطس 2019 أعلن القيادي الإخواني السابق في المقاومة حمود المخلافي عن تشكيل لوائه الخاص في منطقة يفرس مديرية جبل حبشي، حيث دعا المخلافي بمقطع مصور من تركيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي كل أبناء تعز في الحد الجنوبي للمملكة السعودية للعودة والالتحاق بقواته الخارجة عن إطار وزارة الدفاع، وهو ما حدث لاحقا بعد تشكيل هذه القوة بقوام 5 آلاف مقاتل.

جاء هذا التشكيل في الوقت الذي تعيش فيه الحجرية توترات أمنية بسبب التحريض والدعاية الإخوانية ضد قائد اللواء 35 مدرع واتهامه بالعمالة لأطراف خارجية وداخلية معادية لجماعة الإخوان.

2 ديسمبر 2019 الإعلان عن اغتيال العميد عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع في منزله بملابسات غامضة أشارت لتورط الإخوان بعملية الاغتيال.

 10 يوليو 2020 أعلنت قنوات ومواقع الإخوان الإخبارية عن صدور قرار رئاسي لتعيين العميد المقرب من الإخوان عبدالرحمن الشمساني قائدا للواء 35 مدرع خلفا للحمادي، مما أثار حفيظة قيادات 35 مدرع وأهالي الحجرية واعتبروه فرضاً لنفوذ الإخوان على الحجرية عسكريا.

رفضت قيادات اللواء القرار واعتبرته ظالما، فالأحرى كان تعيين أحد قادة اللواء بدلا من تعيين الشمساني الذي كان قائدا فعليا للواء 17 مشاة التابع للإخوان.

توترت الأوضاع العسكرية لاحقا ليعلن محور تعز في 19 أغسطس 2020 عن خروج حملة أمنية ضخمة ضد ما أسماه التمرد العسكري للواء 35، شاركت في الحملة جميع التشكيلات العسكرية للإخوان، أضافة لقوات من لواء المخلافي الخارجة عن إطار وزارة الدفاع.

وانتهت الحملة الأمنية باقتحام منازل قادة اللواء 35 وتهجيرهم والتنكيل بأسرهم، حيث تم السحل والتمثيل بجثة أحد أبناء رئيس عمليات اللواء 35 السابق أصيل الجبزي.

22 أغسطس 2020 أعلن عن تَسلم العميد الشمساني، المفروض من الإخوان، مقر قيادة اللواء 35 في منطقة العين، وبذلك تمكنت قوات الإخوان في تعز من بسط سيطرتها الكاملة على كل المناطق المحررة في تعز أمنيا وعسكريا.

وسط كل هذه الأحداث يدور سؤال محوري ما علاقة سقوط الحجرية باللواء الرابع ومحور طور الباحة الذي سيشكل لاحقاً؟!

بعد أن كانت الحجرية تتبع القطاع العسكري للواء 35 مدرع في زمن الحمادي كان الإخوان يبحثون عن موطئ قدم لهم في الحجرية ولم يجدوا أفضل من الجبولي لتنفيذ المهمة، لذا كانت الخطة كالتالي:

 استحداث اللواء الرابع مشاة جبلي وتعيين الإخواني أبو بكر الجبولي قائدا له.

2016 زعم الإخوان صدور قرار رئاسي بتشكيل اللواء الرابع مشاة جبلي في منطقة طور الباحة ومديرية المقاطرة بلحج وتعيين أبوبكر علي محمد الجبولي قائدا له وترقيته لرتبة عميد، مع العلم أن المذكور أستاذ في كلية التربية طور الباحة ومراسل سابق لصحيفة أخبار اليوم التابعة لعلي محسن الأحمر.

شُكل المحور من خليط، ما بين جنود سابقين ومدنيين من المقاومة كانوا في الأصل قد تم ضمهم ل"اللواء 35" وألوية المحور الإخواني، وكما كان مقررا في بداية تشكيل اللواء الرابع أن دوره ومسرح عملياته ستقتصر على طور الباحة ومديرية المقاطرة، لكن الإخوان كانوا قد جهزوا لهُ دورا آخر عن ذلك المعلن، وتمثل ذلك بإعلانهم في نوفمبر 2018 عن تشكيل معسكر تدريبي تابع للواء الرابع في التربة مركز مديرية الشمايتين تعز وهو ما اعتبر خرقا للقواعد العسكرية، فالمنطقة تتبع قطاع الحجرية العسكري التابع للواء 35 مدرع ولا تتبع اللواء الرابع.

لذا فقد كان المقصد جليا أن الغرض من تشكيل الإخوان ل"اللواء الرابع" هو خنق وحصار اللواء 35 ودفع الحمادي لاشتباكات عسكرية مع قبائل الصبيحة الذي ينتمي لها الجبولي لتسهيل مهمة اجهاز المحور الإخواني على اللواء 35 مدرع والسيطرة على الحجرية، وهو ما لعبهُ اللواء فعليا في المعركة الإخوانية لإسقاط 35 والسيطرة عليه في 2020.

 مثل اللواء الرابع منذ البداية القشة الإخوانية التي أسقطت الحجرية، فقد أسسه الإخوان لهدفين رئيسيين:

الأول أُنجز بإسقاط الحجرية بأيدي الإخوان.

 أما الثاني فتمثل بما سيلعبه اللواء وموقعه مستقبلا بإسقاط لحج وشريطها الساحلي بأيدي الجماعة وتمكينهم من حصار عدن.

بعد أن لعب الجبولي دوره الإخواني بنجاح في الحجرية بدأت الترتيبات للعبه الدور المحوري الأكبر.

أشارت المعلومات لقيام اخوان تعز بنقل عشرات المجندين التابعين للمخلافي والإخوان لمعسكرات الرابع في طور الباحة إضافة لتسجيل مئات المجندين الجدد بدورات تدريبية، في الوقت الذي شهدت السلاسل الجبلية لمديريات الشمايتين تعز والمضاربة والمقاطرة للحج استحداث العديد من المعسكرات والمواقع الجديدة التابعة ل"الرابع ولواء المخلافي".

وسط كل هذه التحركات السرية جاء الإعلان الرسمي الأول للإخوان عن محور طور الباحة المزعوم في تاريخ 25 أكتوبر 2020 على لسان سكرتير محور تعز الإعلامي أركان الجبيحي، حيث أشار الى تأسيس معسكر جديد يتبع اللواء الرابع في ما أسماه القاعدة الجوية في جبل أراف مديرية المقاطرة، حيث يعتبر هو المعسكر الرابع للواء الذي يمتلك ثلاثة معسكرات في لحج وآخر في منطقة الأصابح في الشمايتين تعز.

وبالقياس عبر الأقمار الصناعية يبعد معسكر أراف الجديد 8 كيلو مترات من مركز مديرية الصبيحة و 18 كيلو مترا عن التربة مركز مديرية الشمايتين و 46 كيلو مترا من أقرب نقطة ساحلية لمديرية المضاربة لحج.

جاء هذا الإعلان بعد أن شهدت مديرية طور الباحة في 19 أكتوبر توترات عسكرية من جانب قوات الانتقالي والرابع على خلفية احتجاز اللواء التاسع صاعقة التابع للانتقالي شحنة أسلحة سعودية كانت في طريقها لمحور تعز قبل أن يتم التوصل لاتفاق بين الأطراف بوساطة سعودية يقضي بتسليم الشحنة مقابل إلغاء الاستحداثات العسكرية للاخوان والجبولي في طور الباحة.

تلت ذلك في نوفمبر  قيام عبدالرحمن جلال عبدالقوي شاهر نجل شيخ مشائخ الصبيحة بإرسال رسالة إلى الجبولي يطالبه فيها بسرعة إلغاء ما يسمى محور طور الباحة وجميع الاستحداثات الأخيرة  لنزع فتيل التوتر في المديرية.

بدوره قام الجبولي في ذات الشهر بإرسال برقية لوزير الدفاع يطالبه بإعادة صياغة قرار إعادة تموضع قوات المحور إلى خارج طور الباحة إضافة لتغيير اسمه إلى المحور الشمالي الغربي للحج بدلا من محور طور الباحة بناء على مشاورات قام بها مع القيادات القبلية ومسؤولي الإدارة المحلية في المديرية بما يخدم الصالح العام، حسب قوله.

برقية الجبولي المتداولة إعلاميا في حالة صحتها أثارت التساؤلات عن حقيقة علم وزارة الدفاع بمحور طور الباحة من عدمه.. مع العلم أن المنطقة الرابعة نفت علمها بالمحور المشكل، إضافة لذلك عدم صدور أي قرار جمهوري يفيد بتشكيل محور طور الباحة.

وحسب برقية الجبولي كان من المفترض إعادة تموضع قوات المحور المستحدث لخارج طور الباحة مع تغيير اسمه للمحور الشمالي الغربي للحج، وبدلا من ذلك حمل 24 يناير 2021 الإعلان عن أول دورة تنظيمية للواء جديد يحمل اسم لواء الدفاع الساحلي  كأحد تشكيلات المحور المستحدث، مع العلم أن النطاق الجغرافي لسيطرة اللواء الرابع جبولي لا يضم مناطق ساحلية، وهو ما أثار تساؤلات أخرى عن أبعاد تشكيل اللواء وتسميته؟

اهتمام الإخوان بحضور هذه الدورة عكس مدى اهتمامهم بهذا التشكيل، فقد حضر الدورة رئيس فرع حزب الإخوان في تعز عبدالحافظ الفقيه، بالإضافة لقيادات عسكرية تابعة لهم، أمثال العقيد عبده نعمان الزريقي قائد مقاومة الحجرية، كما يحب تسمية نفسه، إضافة لقيادة الكتيبة الأولى للواء الرابع.

وكتتويج لكل هذه الاستحداثات للاخوان واللواء الرابع في المضاربة والشمايتين وطور الباحة جاء تاريخ 1 فبراير 2021  كإعلان رسمي لاحتفال الإخوان بتدشين المرحلة الأولى للعام التدريبي العملياتي لمحور ما أسموه طور الباحة، وسط تغطية إعلامية مكثفة لوسائل الإعلام الإخوانية.

هكذا على أنغام الموسيقى العسكرية نصب الجبولي نفسه لواء لمحور  وهمي في طور الباحة وألقى خلاله خطابا مطولا وكأنه بيان للانتصار.

 أثار هذا الإعلان الإخواني الجريء مخاوف الرأي العام من أن يكون المحور المزعوم استغلالاً آخر للجبولي المنتشي  بقواته المشكلة وانتمائه القبلي لجر محافظة لحج المستقرة إلى قتال بين تشكيلات المقاومة في الجنوب والساحل في سبيل تمكين الجماعة للوصول لأهدافها المحلية والإقليمية بالسيطرة على رقعة جغرافية أكبر واستجلاب التدخل والدعم التركي المباشر عبر البحر.. مع العلم أن هذه ليست محض تنبؤات، إنما خطوات فعلية لرؤية الإخوان التي لخصها تسريب العميد الإخواني سالم عبده فرحان مستشار محور تعز والقائد الفعلي على الأرض بتسريبه المنتشر في تاريخ 2 أغسطس 2020.

لم يكن كلام الإخواني سالم حينها مجرد كلمات مفرغة من الحقيقة كما بررت قيادات المحور حينها بل كانت خريطة سير الإخوان المستقبلية.

يقول مراقبون، إن الأحلام الإخوانية باتت واضحة الملامح لكن ما لا يفهم هو الصمت الحكومي المريب على تغييرات خطيرة كهذه، والذي يكاد يفهم أنه يتم بتواطئ مريب، في وقت قد يؤدي استحداث محور كهذا إلى إلغاء اتفاق الرياض واشغال المنطقة العسكرية الرابعة بصراعات مسلحة لا تخدم سوى مليشيا الحوثي الإيرانية والمشروع التركي الذي يأمل للعودة لليمن عبر مليشيا الإخوان.

وهذا ما يثير تساؤلات مبهمة ستكشفها قادم الأيام.

فما سر الجرأة الإخوانية للإعلان عن محور كهذا؟ 

هل يحمل المحور المشكل بصمات  الجنرال علي محسن الذي لطالما دعم الإخوان بقراراته، أم أنه مجرد اجتهاد ذاتي للجماعة؟

 ما موقف قبائل الصبيحة من تجنيد المئات من أبنائهم في المحور المشكل؟ هل سيكونون السلاح الإخواني الجديد لحلم إسقاط الجنوب والساحل.. أم أن حلم الإخوان سيوأد في طور الباحة؟

ما موقف التحالف من  استحداث جماعة الإخوان الإرهابية محورا عسكريا خارج إطار الشرعية في وقت كهذا؟