عبدالملك يصادر دور العلماء وصعدة تلغي المحافظات.. الحوثي ينصب نفسه إماماً بلا بيعة - تحليل خطاب

تقارير - Monday 31 October 2022 الساعة 03:55 pm
صنعاء، نيوزيمن، قسم الرصد:

بعد أن أسقطت حروبه كل الرمزيات السياسية والاجتماعية اليمنية، بين قتيل ومعتقل ومشرد أو عديم الحيلة تحت إقامة الظروف الجبرية، يتوجه الحوثي إلى المركز الديني محاولا بظهوره في كل المناسبات الدينية بخطب يسعى من خلالها  تكريس مركزيته باعتباره شخصيا هو مصدر كل التوجيهات في الأمور الدينية والدنيوية.

وفيما ظلت المكانة الدينية عامة متعددة للتنافس بين العلماء في كل التاريخ اليمني القديم والحديث عدا مراحل محددة، كان يحاول عبرها الحاكم التحكم بالخطاب الديني والسيطرة على التعبير الفقهي، فإن عبدالملك الحوثي ينقل التجربة الخمينية التي نتجت من بيئة اثنى عشرية ثم تطورات إلى ولي الفقيه، وعبر ظهوره وخطاباته يقدم نفسه باعتباره السلطة الروحية والزمنية الوحيدة التي تمتلك الحق في أن حكم اليمنيين بالطريقة التي يراها ملائمة ومناسبة، باعتباره المرجع الأعلى دون شروط.

وتتولى أدوات الحوثي. تثبت ذلك واقعا من خلال إجراءات قمعية ضد أي مخالف، وتعطي أدواته تلك تصورا واضحا عن التشارك بين الطرفين، بحيث لا يتدخل عبدالملك ولا ينظم أداء هذه الأدوات بأي شكل من الأشكال، فكل منها يتولى الجباية والسلطة ويمارس القتل والنهب لحساباته الخاصة، فيما ينال عبدالملك الولاء العام كإمام وولي وقائد امتلك السلطة بيده ونسبه ولا فضل لأحد في ذلك كما لا يحق لأحد التفكير في تنظيمه أو منازعته.

يحمل ظهور الحوثي في اجتماع مشترك عبر تقنية الفيديو مع قيادات مسؤولة في صنعاء بتاريخ 18 أكتوبر الحالي، صورة توحي بأن هناك عملا دؤوبا لرسم ملامح تغيرات جديدة تتعلق بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وتنظيم شؤونها بما يتوافق مع الأيديولوجيا الحوثية، وبما يحقق تطبيق النموذج الإيراني في صنعاء، باعتبار "الحوثي" هو القائد والمرجعية الأولى في محاكاة لشخص الخامنئي في طهران، ويمثل ظهور القيادات الكبيرة في هذا الاجتماع بصورة التابع المتلقي المسؤول مباشرة أمام الحوثي لا أمام الشعب والقانون، خضوع واستسلام رغبة وجزء منها رهبة تحت وطأة القوة والسيطرة.

دلالة هذا الظهور بهذه الصورة تؤكد أن كل الجهات العليا من مكتب الرئاسة ورئاسة الوزراء وكل المسؤولين لا يمتلكون حق التخطيط والمشاركة في صياغة القرار، بل ينحصر دورهم في تلقي توجيهات الحوثي وتنفيذ خططه، في تأكيد آخر على مسار نمذجة الصورة الخامنئية في صنعاء، وانفراد الحوثي ومكتبه الخاص بالإعداد والتخطيط والرقابة والمشاركة في التنفيذ لكل الأمور المتعلقة بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

في مضمون خطاب ذلك الاجتماع لتنفيذ ما تسميه الجماعة الحوثية بالرؤية الوطنية التي تمثل أحد أبرز عوامل فصل الشمال عن بقية المحافظات الأخرى، يتحدث الحوثي عن الكثير من تناقضاته الكبيرة ويكشف باستمرار عن هويته المتعارضة مع الهوية الجمعية لليمنيين، ويفضح خطاباته المستمرة المتناقضة مع الواقع الملموس، وأبرز نقاط التناقضات في خطابة هي كما يلي:

- يتحدث عن المسؤولية وأهميتها وارتباطها الوثيق بالأمانة، يتحدث وكأنه بصورة مثالية لا تتطابق مع الواقع الذي أحدثه وجماعته إيماناً منهم بأنه سوف يسهم في خدمة مشروعهم الطائفي.

لا يمتلك عبد الملك الحوثي حس المسؤولية ولا يمتلك القدرة على حمل الأمانة، فهو الذي فرط بها ومنح اليمن رغيف خبز مغموس بدماء اليمنيين قرباناً وخدمة لإيران ومشروعها التوسعي الذي ينطلق من مبادئ وعناوين طائفيه بحتة.

كيف يتحدث عبد الملك الحوثي عن الأمانة والمسؤولية وهو وجماعته من أسقطوا الأمانة التي تجسدت بدولة اليمنيين، واستباحوا حرمات البيوت وهتكوا الأعراض وفجروا المدارس والمساجد وأدخل البلاد بحرب خارجية.

كل هذه الأمور هي صورة واقعية تكشف مدى الإجرام الحوثي في تناقضات خطابه مع الواقع وتكشف أنه لا يمكن أن يؤتمن أو أن يصبح رجل مسؤولية، وتفضح بشكل دامغ الخيانة التي تشربها مع الولاء المطلق للمشروع الإيراني.

لو كان الحوثي يمتلك ذرة مسؤولية أمام الله والناس، لكان أبقى مؤسسات الدولة غير السياسية، تعمل لخدمة الناس وتسيير مصالحهم، وصرف مرتباتهم، كما يفعل في موضوع الإيرادات التي استمر في سلبها ومضاعفتها على الناس وفي كل مجالات الخدمة العامة.

لو كان حقاً يشعر بالمسؤولية لما استمر حصاره لتعز منذ العام 2015م، ويتلذذ بمعاناة المسافرين الذين يتكبدون عناء السفر بسبب الحصار، لو كان يشعر بقليل من المسؤولية لما قام بأكبر عملية إذلال للمواطنين عبر التجويع والتخويف المستمر.

- يسترسل في خطابه عن التنسيق بين الجهات في المحافظات وبين المركز في صنعاء، ويكشف عبدالملك الحوثي التخوف الكبير من اللامركزية، التي كانت الدولة قبل سقوطها قد بدأت في العمل بخطة انتقال للمركزية من أجل تسهيل معاملات الناس ومشاركتهم في حكم أنفسهم في إطار محافظاتهم ومديرياتهم.

 هذا التخوف من ممارسة الصلاحيات الممنوحة لكل محافظة يرتبط بالسياسة الحوثية في تشديد القبضة الإدارية وتحويل المشاركة في صنع القرار إلى مركزية القرار، لضمان القدرة المطلقة على التحكم بيوميات اليمنيين، رغم كل الفشل والعجز.

أعاد الحوثي اللامركزية وأصبح تعيين محافظين المحافظات بقرار منه شخصياً بعد أن كان في ظل وجود الدولة يتم انتخابه. يكشف هذا الأسلوب أن مشاركة المجتمع في أبسط صورها تؤرق الحوثي وتزعجه، فعمد إلى أن يكرس نفوذه في كل المحافظات بتعيين أشخاص ينتمون إلى مشروعه ويدينون بالولاء له، وفي بعض الأحيان لا يثق بأتباعه من نفس المحافظة، فيعين محافظا أو مسؤولاً من محافظة أخرى يثق به وخاصة تلك القيادات التي تنحدر من صعدة في صورة أخرى من صور الحوثي العنصرية والمركزية المناطقية المقيتة.

- تحدث الحوثي في خطابه عن التقييم وأهميته في إطار نجاح أي عمل أو بقاء أي مسؤول في منصبه، هو لا يعني التقييم الإداري أو الكفاءة أو الإنجاز، وكما هو معروف لكل موظفي الدولة في الشمال الذين يعيشون كل يوم تفاصيل حياتهم الوظيفية غير المدفوعة الأجر، يعرفون أن التقييم يكون من خلال مدى الالتزام بالحضور والاستماع إلى محاضراته الأسبوعية، ومدى اهتمام الموظف بإظهار والولاء والطاعة له.

وأهم معيار للتقييم لدى الجماعة الحوثية، يكمن في مشاركة الموظف أو المسؤول في المظاهرات بشكل طوعي ومدى تفاعله مع حضور الدورات الثقافية، ومدى استمراره في ترديد الصرخة في كل المواقف وبعد كل خطاب للحوثي، بالإضافة إلى أن يكون ولاؤه لإيران أكثر من الولاء لليمن، هذا هو التعريف الحوثي لمعنى التقييم، لا يهمه أن يكون المسؤول فاسداً أو لصاً المهم أنه يقوم بكل مقتضيات الولاء له ومدى تطبيقه لكل الشروط التي تثبت صدق ذلك الولاء.