بورسعيد.. معزوفةٌ تعكس جمال البحر وهدوء يغسل روح المكان ونضال ضد الاستعمار

متفرقات - Friday 03 February 2023 الساعة 08:24 am
القاهرة، نيوزيمن، خاص:

بعض الأمكنة تمنحك صلاحية التجديد وتجربة الدهشة بعيدًا عن المألوف الذي اعتدت عليه حد الملل، فقط لأنها تولد طرية كل يوم.

لا مدن تضاهي المدن الساحلية التي تعج بصوت البحر والمآذن الشامخة، والسفن العملاقة وهدير الأمواج، بعيدا عن ضوضاء الشوارع والأسواق وزحام العربات وخليط من الوجوه الواقعة تحت تأثير التكنولوجيا والوجبات السريعة. 

تلك هي "بورسعيد" الواقعة شمال شرق مصر أو  "المدينة الباسلة"، والتي تضم أيضًا مدينة "بورفؤاد"، تشم رائحتها على بعد مسافة طويلة قبل الوصول.

مدينة مليئة بالحياة والسكينة، تختلف كليا عن باقي المدن التي زرناها، شاطئها يشبه ساحل أبين عدن، وبيوتها لا تعلو عن ثمانية أدوار، أما سيارة الأجرة فتتميز باللون الأزرق الهادئ الذي يشبه البحر تماما عكس كثير من المدن المصرية.

ملامح مدينة تشبه عدن 

بين العاصمة القاهرة وبقية المدن المصرية شبكة من الطرقات الدولية العملاقة التي تم تصميمها بمساحات واسعة ومواصفات عالية تجعلك تسير وأنت مطمئن.

اقتربنا من المدينة تذكرنا العاصمة عدن، إنه تشابه الأرواح الذي يخلقه غيابنا عن الأوطان لسنوات، ثمة ملامح تثبت ذلك؛ مدخل المدينة، الشوارع، بنايات المعلا وربما رائحة الصراع مع الاستعمار، مع الفارق في ظل ما نعيشه اليوم من صراع.

موقع جيوسياسي بامتياز

تقع بورسعيد على رأس المدخل الشمالي لقناة السويس يحدها شمالاً البحر المتوسط، وشرقاً مدينة بورفؤاد الواقعة في شبه جزيرة سيناء، وجنوباً محافظة الإسماعيلية، وغرباً ثلاث محافظات هي دمياط من الشمال الغربي، والدقهلية من الغرب، والشرقية من الجنوب الغربي.

تنقسم المدينة إلى سبعة أحياء إدارية هي حي الجنوب، حي الزهور، حي غرب، حي الضواحي، حي المناخ، حي العرب، حي الشرق، جميعها تعج بالشوارع الهادئة والمساجد الجميلة والكنائس الشاهدة على التنوع، والتماثيل التي تجسد رموزا مختلفة.

يوم واحد كفيل بأن نخلق منه جولة بهية وحلقة جديدة من حلقات العمر الغارق في هموم الحياة وإيقاعها الرتيب، تنقلنا في الأحياء والكورنيش الجميل بجوامعه والمحلات والبنايات التي تقف وجها لوجه مع البحر. 

المُعدِّية وجبال الملح

تمتاز بورسعيد بالعديد من الأماكن والمعالم التي تعكس عنفوان وعظمة واحدة من أهم المدن المصرية الواقعة على رأس البحر الأحمر شرقا.

حتى تصل بسيارتك الضفة الشرقية عليك أن تركب المُعدّية التي تعمل بمثابة جسر دائم للنقل، فهناك أكثر من سفينة مكشوفة تتناوب على نقل الناس والعربات طيلة اليوم، فتجد نفسك مع هدير الأمواج وتحليق مكثف للطيور وضفاف مدينة تحتضن البحر من الجانبين.

عدينا الجهة الأخرى واتجهنا صوب "جبال الملح" هناك تلفت الأنظار تلك التلال أو الجبال الصغيرة من الملح المستخرج للتو على شكل قطع ومن ثم يتحول بعد التدوير عن طريق مصنع مكشوف إلى ملح صالح لاستخدامات عديدة.

الجميع يستمتع هنا بالصعود والهبوط والتقاط الصور والقفز، أطفال ونساء وشباب وكبار سن، أشبه بما يحدث مع بياض الثلج. بالإضافة إلى تتبع ماكينة تدوير الملح.

معالم ومتاحف   

تضم بورسعيد العديد من المعالم المميزة، أهمها ميناء بورسعيد الذي يعد من أهم موانئ مصر، ومبنى هيئة قناة السويس وهو أحد أهم آثار المدينة.

كذلك فنار بورسعيد القديم. بالإضافة إلى العديد من المتاحف مثل متحف بورسعيد الحربي الذي يوثق لحقبة العدوان الثلاثي على المدينة، ومتحف بورسعيد القومي الذي يعرض آثاراً من مختلف الحقب التاريخية المصرية فضلاً عن تاريخ بورسعيد منذ إنشائها سنة 1859 وحتى العصر الحديث.

متحف النصر للفن الحديث الذي يضم 75 عملاً فنياً لكبار فناني مصر في مختلف أفرع الفن التشكيلي.

بدأ العمل على إنشاء المدينة في عهد والي مصر الخديوي سعيد وذلك في 25 أبريل 1859 عندما بدأ فرديناند دي لسبس مشروع حفر قناة السويس.

النضال ضد الهيمنة الدولية

ظلت محافظة بورسعيد شاهدة على صراع كبير مع الاستعمار البريطاني والعثماني، وأحد بوابات النصر حتى جاء العدوان الثلاثي الذي شنته قوات بريطانية وإسرائيلية وفرنسية على جميع المدن المصرية، وما بعده حتى حرب أكتوبر.

في 19 أكتوبر 1954 وقع الرئيس جمال عبد الناصر اتفاقية من أجل جلاء القوات البريطانية المرابطة في منطقة القناة، وفي 18 يونيو 1956 أجلي آخر جندي بريطاني عن الأراضي المصرية.

عادت الخلافات من جديد بين الكيان الصهيوني وفرنسا وبريطانيا وأمريكا من جهة ومصر من جهة أخرى، فتوقف دعم بناء السد العالي وتمويل مصر بالسلاح، ومحاولة الاستيلاء على سيناء.

ظلت بورسعيد واحدة من المدن التي واجهت الغطرسة ورفضت الانصياع للقرارات الدولية المجحفة أو التسليم للكيان الصهيوني وقد تم تحرير سيناء في 73 بعد النكسة العربية 67م وكان لبورسعيد دورا كبيرا في كل الانتصارات.