مؤتمر الحوار الوطني الجنوبي.. "الملفات الموازية" في طليعة التحديات

تقارير - Sunday 07 May 2023 الساعة 11:10 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

منذ ما يقارب العقدين من الزمن السياسي غير المستقر في اليمن، جرى تأجيل حل القضية الجنوبية أو مقاربتها بأنصاف حلول، بالرغم من كونها قضية ذات أولوية ملحة لتحقيق الاستقرار السياسي الضامن لكافة جوانب الاستقرار في عموم البلاد.

الآن، وقد صارت القضية الجنوبية مسنودة بمجموعة واسعة من المكونات السياسية القوية والثابتة على مبدأ أولوية هذه القضية، يتصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بأخذ زمام المبادرة وإطلاق مؤتمر حوار للمكونات الجنوبية داخل البلاد وخارجها. كيف يمكن أن تفضي جهود المجلس الانتقالي في توحيد جهوده بجهود المكونات الأخرى في ظل الأوضاع المعقدة الراهنة، وما هو تأثير الحرب الدائرة منذ تسع سنوات وتبعاتها على الحلول المتاحة للقضية الجنوبية؟ 

في ما يلي محاولة لمقاربة التعقيدات المحيطة بالقضية في ضوء هذه الأسئلة وغيرها من التحديات التي تفرض نفسها أمام جهود المجلس الانتقالي الجنوبي للوصول إلى صيغة استراتيجية وطنية للملمة كلمة الجنوبيين في المرحلة القادمة.

اللقاء التشاوري لمكونات الحراك الجنوبي السلمي المنعقد في عدن (4-7 مايو 2023) بمبادرة المجلس الانتقالي، جاء في توقيت حساس للغاية، حيث تنشط فيه محادثات بين المملكة العربية السعودية ومليشيا الحوثي، تمهيداً لاتفاق سلام ترعاه السعودية بين الميليشيا الحوثية والقوى الوطنية الأخرى الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم بين أعضائه أربعة قادة جنوبيين، أي نصف قوام المجلس. 

إيجابيات لافتة

في افتتاح اللقاء تضمنت كلمة اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة الرئاسي، محددات عامة بناء على أجندة مؤتمر الحوار الجنوبي، وكان اللافت في كلمته تشديده على الابتعاد عن التخوين والإقصاء كأحد الشروط الأساسية لنجاح الحوار وتوحيد موقف جميع القوى والمكونات إزاء تحديد وتقرير مصير الجنوب. ومن الإيجابيات اللافتة في المؤتمر أيضاً، حضور شخصيات تحظى بالقبول والتوافق، مثل اللواء محمود الصبيحي وغيره من الشخصيات الجنوبية الوازنة، سواء كانوا ضمن مكونات مشاركة في المؤتمر أو ضيوف شرف. كما حظي المؤتمر بمباركة طيف واسع من النشطاء في الداخل والخارج، وشخصيات سياسية جنوبية مخضرمة أبرزهم الرئيس الأسبق لدولة الجنوب ورئيس الوزراء في دولة الوحدة حيدر أبوبكر العطاس، الذي أصدر بلاغاً صحفياً أشار فيه إلى متابعته الحثيثة لتحضيرات ومجريات اللقاء التشاوري وإلى الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي ينعقد في أثنائها، مؤكداً ثقته بأن القيادات الجنوبية المشاركة في هذا المؤتمر قادرون على "تحمل مهام المرحلة". 

وبالرغم من إعداد مسودة "ميثاق وطني جنوبي" قبل انعقاد المؤتمر، شهد ثاني أيام انعقاده تشكيل خمس لجان وتحديد مهامها، وفي الطليعة منها "لجنة صياغة الميثاق الوطني الجنوبي"، "لجنة أسس ومبادئ التفاوض"، "لجنة أسس بناء الدولة الجنوبية المنشودة"، "لجنة صياغة البيان الختامي"، و"لجنة اتجاهات استعادة الدولة وإدارة المرحلة الراهنة". قد يكون الوقت المتاح أمام هذه اللجان لإنجاز مهامها قصيراً للغاية، لكن مجرد تشكيلها ينم عن وعي المشاركين لما اجتمعوا لأجله، وبالتالي، لو خرجت هذه اللجان بمسودات خطوط عريضة لمهامها، سيشكل ذلك أساساً لمواصلة العمل عليها وبلورة أفكارها بعد انتهاء المؤتمر.

تحديات المرحلة

لعل التحديات التي يواجهها المجلس الانتقالي وبقية مكونات الحراك الجنوبي واضحة، وأبرزها الوصول إلى حالة توافق كامل، إقليمياً ودولياً بدرجة أساسية، على تقرير مصير الجنوب واستعادة دولته على حدود ما قبل 22 مايو 1990، وهو ما يتكرر الحديث بشأنه منذ بداية الحراك السلمي الجنوبي منذ عام 2007. غير أن هذا يمثل الهدف الرئيسي فقط، بينما أغلب التحديات تكمن في طريق الوصول إليه. من التحديات العالقة أمام القوى الجنوبية التي تتصدر المشهد الراهن، ما كشفت عنه تصريحات بعض المشاركين فيه خلال اليومين الماضيين، وهي تحديات تتعلق بما سموها "الملفات الموازية"، وعلى رأسها "الشراكة مع الأطراف الشمالية ضمن الشرعية والمفاوضات مع الحوثيين". ذلك يعني المضي قدماً بدون تأخير في تنفيذ أو استكمال تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض (نوفمبر 2019)، على أن هذا الملف لن يتم إحراز أي تقدم فيه إذا ما بقيت "الأطراف الشمالية ضمن الشرعية" ساكنة أو إذا ما أبدت تعنتاً في تقديم التنازلات، فالأطراف الجنوبية في نهاية المطاف تستند إلى القضية الجنوبية التي طالما تم التعامل معها بتجاهل أو بأنصاف الحلول، وقد حان الوقت لتقديم الحلول التي تحظى بقبول القوى الجنوبية، خاصة في الأمور المتوافقة عليها. 

قد يحتاج المجلس الانتقالي وبقية مكونات الحراك الجنوبي السلمي إلى خفض التصعيد الذي يطل برأسه من حين لآخر، سواءً في ما بين القوى الجنوبية أو مع القوى الشمالية، والاعتماد على الحراك الدبلوماسي أكثر من التصعيد العسكري، على أن خفض التصعيد هذا يستلزم خطوات مسؤولة من قبل القوى الشمالية المنضوية ضمن الحكومة الشرعية، حيث لم تتجرأ هذه القوى إلى الآن على الاعتراف بفداحة خطأ حرب صيف 94، ناهيك عن الاعتذار الرسمي للجنوب عن تلك الحرب المشؤومة، وعن استباحة مقدرات الجغرافيا الجنوبية من قبل مجموعة صغيرة من النافذين الشماليين.

رأب الصدع 

من "الملفات الموازية" المطروحة على أجندة مؤتمر الحوار الجنوبي، العدالة الانتقالية للمتضررين من الصراعات منذ الاستقلال عام 1967، إلى توقيع الوحدة عام 1990. يحتاج هذا الملف لتوافق وإجماع واسعين طالما تم فتحه بصدق وحسن نية، فهو جزء مهم من الإجراءات التي ستشكل أساساً متيناً، ليس فقط لتوسيع نطاق التصالح والتسامح في الجنوب، بل ستكون تجربة ملهمة للشمال أيضاً، خاصة بعد تعثر قضية العدالة الانتقالية عند فتح ملفها في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء (2013-2014).

إحراز التقدم في ملف العدالة الانتقالية الجنوبية، سيمهد الأرضية المناسبة لوضع أسس الفيدرالية على مستوى الجغرافيا الجنوبية، وفي هذا الملف، قد تحتاج القوى المشاركة في اللقاء التشاوري وحتى تلك المكونات التي اعتذرت عن المشاركة، قد تحتاج للاستفادة من تجربة تعثر هذا الملف في مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء، حيث أدى حرص بعض الأطراف على مصالحها الخاصة إلى تعثر النقاشات في ملف بناء الدولة الاتحادية. وهناك الكثير من الأخطاء التي يمكن الاستفادة منها في تلك التجربة التي أدى فشلها إلى اندلاع حرب شاملة في عموم جغرافيا اليمن الكبير.

معطيات المرحلة الراهنة

في الوقت الذي تسابق فيه القوى الجنوبية الزمن لترتيب أوراقها على مستوى الداخل الجنوبي، تستمر جهود إحلال السلام في اليمن بصورة عامة، وما زال مجلس الأمن والمجتمع الدولي يضمّن قراراته بتأييد "وحدة وسلامة واستقرار الأراضي اليمنية"، ما يعني أن شكل الدولة الفيدرالية قد لا تكون محصورة على الجغرافيا الجنوبية فقط في حال نجح تنفيذها، بل يمكن أن تكون أحد بنود المحادثات المستقبلية لشكل الدولة اليمنية شمالاً وجنوباً، خاصة مع ما أفرزته الحرب من استعصاء مناطق شمالية على سيطرة مليشيا الحوثي، رغم محاولتها السيطرة عليها بكل أساليب النظام الإمامي التي ورثته عن أسلافها. والحاصل أن المحادثات الجارية التي تتبناها السعودية مع الحوثيين، لن يكتب لها النجاح إذا ما بقيت القوى الجنوبية غير معنية بها حتى في ما يتعلق بالجغرافيا الشمالية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين. وما دامت مناطق واسعة من تعز، الحديدة، مأرب والبيضاء، خارجة عن سيطرتهم، فهي تشكل عمقاً استراتيجياً حصيناً للجنوب أمام أطماع المليشيا الحوثية في السيطرة على كامل اليمن، ولعل أداء ومناطق انتشار ألوية العمالقة وقوات المقاومة الوطنية خير دليل على إدراك ما يعنيه هذا العمق الاستراتيجي الحصين.