تحديث جديد لاستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط.. ما موقع اليمن فيها؟

تقارير - Tuesday 09 May 2023 الساعة 08:15 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

بعد فترة أشبه بركود الطين في القعر، تعود الولايات المتحدة الأمريكية للصيد في بركة الشرق الأوسط المليئة بالوحل والكنوز. خلال هذه الفترة تمكنت الصين من رعاية تقارب سعودي إيراني كان من ثماره إنعاش الدبلوماسية الإقليمية واستمرار الهدوء النسبي في جبهات القتال الرئيسية في اليمن وسوريا وليبيا. وما عدا اشتعال حرب في السودان مؤخراً، تشهد المنطقة العربية هدوءاً نسبياً تفاءل به سكان البلدان التي تشهد حروباً أو أوضاعاً سياسية مضطربة، ليكون أساساً لاستقرار مستدام.

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية غائبة عن المنطقة ليقال إنها عادت، لكنها بدت خلال الشهور الماضية كما لو أنها في استراحة لترتيب أوراقها، وهو ما كشف عنه جيك سوليفان مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن في حديث أدلى به في 4 مايو الجاري خلال فعالية لمعهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية.

سوليفان، الذي توجه إلى المملكة العربية السعودية في اليوم التالي، ألقى كلمة في الفعالية عرض فيها استراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط للعقد القادم الذي وصفه بأنه "عقد حاسم، ربما لم نشهده منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث سيتم وضع شروط المنافسة مع القوى العظمى وإفساح المجال بشكل كبير أمام التعامل مع التحديات المشتركة حتى مع تزايد حدة تلك التحديات". وفي مستهل هذا "العقد الحاسم" قال سوليفان إن القرارات التي ستتخذها الإدارة الأمريكية "في العامين أو الثلاثة أو الأربعة أعوام القادمة، سيكون لها صدى خلال العقدين أو الثلاثة أو الأربعة عقود القادمة".

خمسة عناصر أساسية

وبعد أن عدّد مستشار الأمن القومي ما اعتبرها إنجازات إدارة الرئيس بايدن، من ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل إلى تثبيت الهدنة في اليمن (على مدى 14 شهراً)، وإنهاء الحرب في غزة، و"التقارب بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، وتركيا وإسرائيل، وقطر والبحرين، والإمارات العربية المتحدة وقطر"، وحتى التقارب الدبلوماسي الأخير بين السعودية وإيران"، بعد هذا التعديد تحدّث سوليفان عن استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أنها  تقوم على خمسة عناصر أساسية قال إن "العمل الجديد لمشاركة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" سيُبنى عليها: "الشراكات، الردع، الدبلوماسية وخفض التصعيد، التكامل والقيم"، مفصلاً في حديثه شرحاً لكل عنصر على حدة.

فعلياً، شرح سوليفان العناصر الخمسة بأمثلة مما قامت به إدارة الرئيس بايدن خلال العامين الماضيين، ومن ذلك إعادة الولايات المتحدة إلى المفاوضات حول النووي الإيراني بعد انسحابها بقرار الرئيس السابق دونالد ترامب، و"فتح المجال الجوي السعودي والعماني لرحلات مدنية من وإلى إسرائيل وآسيا"، ورعاية مؤتمر النقب الذي قال إنه "جمع العام الماضي أكبر تجمع للمسؤولين الإسرائيليين والعرب منذ عقود لمناقشة التعاون في قضايا [متعددة] من الأمن إلى تغير المناخ إلى التجارة إلى التعليم"، وغير ذلك. غير أن الجديد في ما قاله سوليفان هو تركيزه على اعتزام إدارة بايدن "تعميق اتفاقيات أبراهام وتشكيل تحالفات جديدة"، مورداً اختصاراً جديداً لتسمية هذه التحالفات بـ"I2U2"، والتي قال إن العالم سيسمع المزيد عنها بينما تمضي أمريكا قدماً في استراتيجيتها الجديدة.

ما هي تحالفات (I2U2)

بحسب ما قاله سوليفان في سياق الحديث عن هذه التحالفات، فهي تتضمن "شراكة مع الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة"، لافتاً إلى أن "الفكرة الأساسية لها، هي ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط بالولايات المتحدة"، بطرق تعزز تقنية أمريكا الاقتصادية ودبلوماسيتها. "لدينا بالفعل عدد من المشاريع قيد التنفيذ وبعض الخطوات المثيرة الجديدة التي نتطلع إلى تنفيذها في الأشهر المقبلة." أضاف سوليفان، مردفاً: "نبحث عن حلول عملية للمشكلات التي تشغل بال سكان المنطقة: المياه، الفضاء، الصحة، الأمن الغذائي، تغير المناخ والأمن الإقليمي".

وفي السياق، تحدث عن زيارته إلى المملكة العربية السعودية (5 مايو 2023)، قائلاً إن نظراءه الإماراتيين والهنود سيأتون إلى السعودية لحضور الاجتماعات "حتى نتمكن من مناقشة مجالات جديدة للتعاون بين نيودلهي والخليج أيضاً"، لافتاً إلى حرص أمريكا على الاستفادة القصوى من "الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقعة العام الماضي بين الهند والإمارات العربية المتحدة". ولم يفوت مستشار الأمن القومي الأمريكي التذكير بالعالم الذي يتسارع فيه سباق التنافس كدافع لهذه الاستراتيجية المدروسة قائلاً: "في عالم تتنافس فيه القوى العظمى، في عالم تسارع فيه التحديات العابرة للحدود، علينا أن ننظر بشكل متزايد إلى المنطقة كمصدر لأنواع الشراكات التي ستساعدنا في حل المشكلات الكبيرة للفترة المقبلة: البلدان التي يمكنها مساعدتنا في سلاسل التوريد المتنوعة والمرنة بحيث لا نعتمد على أي بلد آخر. البلدان التي يمكن أن تساعدنا في إنجاح التحول إلى الطاقة النظيفة، سواء من حيث الإمداد المستقر للطاقة الحالية أو من حيث النشر السريع والواسع للطاقة النظيفة الجديدة".

موقع اليمن في هذه الاستراتيجية

عند وصوله في حديثه إلى الحرب في اليمن والهدنة، توقف جيك سوليفان لمزيد من التفصيل واصفاً اليمن بالمكان الذي يتفاعل فيه عنصران من الاستراتيجية الأمريكية: الردع والدبلوماسية، وأن كلاً منهما يعزز الآخر لا سيما في السنتين الأخيرتين.

وذكّر سوليفان بخطاب الرئيس جو بايدن في الخارجية الأمريكية خلال الأيام الأولى لتوليه منصبه، وحديثه عن إنهاء الحرب في اليمن، وقال إن إدارته عملت على "تهيئة الشروط للهدنة بوساطة الأمم المتحدة، وتشجيع المحادثات المباشرة مع الحفاظ على ضغط العقوبات على كل من الحوثيين وداعميهم الإيرانيين". وتابع: "لقد عملنا على مساعدة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الدفاع عن نفسيهما ضد التهديدات القادمة من اليمن وأماكن أخرى مع الامتناع أيضاً عن دعم العمليات الهجومية، وزيادة وضع الحظر لدينا ضد الشحنات غير المشروعة المتجهة إلى اليمن".

وفي حين تطرق إلى المفاوضات الجارية بين السعودية والحوثيين، قال إن أجندة زيارته إلى المملكة ستشمل نقاشات عن مفاوضات السلام في سياق جهود المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينج الذي سبقه إلى السعودية في الأول من مايو الجاري. وأشار سوليفان إلى ما سماها "دبلوماسية المحقق الخاص" التي قال إنها كانت "أساساً للعمل الجاد والنشط من قبل الولايات المتحدة والشركاء المقربين الآخرين"، وجزءاً مهماً من استراتيجية الردع وخفض التصعيد، إضافة إلى كونها "جزءًا من فكرة أوسع مفادها أن الدبلوماسية وخفض التصعيد يصبان أساساً في مصلحة منطقة أكثر استقراراً وفي مصلحة الولايات المتحدة".

إجمالاً، ستعمل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال هذه الاستراتيجية على تثبيت أقدامها التي اهتزت في المنطقة على إثر الحرب الروسية الأوكرانية وزيادة الأنشطة الاقتصادية والسياسية للصين، لكن من الواضح أن أمريكا خفضت من تصعيدها السياسي والعسكري خلال عهد بايدن في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة الماضية، لتعود باستراتيجية بعيدة المدى تم التوافق عليها -بحسب سوليفان- من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وعلى رأسها عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي يهدد المنطقة والمصالح الأمريكية فيها، والضغط على دول المنطقة لمزيد من التطبيع مع إسرائيل التي لا يخفي جو بايدن اعتزامه العمل على المضي في دمجها في محيطها العربي. ولذلك، لم ينس مستشار الأمن القومي جيك سوليفان التذكير بتصريح بايدن الذي يقول فيه: "التزامنا بمنطقة الشرق الأوسط لا يتزعزع، لأن المنطقة ذات أهمية حيوية لمستقبلنا المشترك ومتشابكة بعمق مع المصالح الأمريكية ومصالح حلفائنا وشركائنا".