ما وراء تفاؤل وتشاؤم جروندبرج في إحاطاته لمجلس الأمن!

تقارير - Friday 19 May 2023 الساعة 11:07 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

تتفاوت نسبة التفاؤل والتشاؤم في إحاطات المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج أمام مجلس الأمن، وبالمثل، إحاطاته الإعلامية عقب أي نشاط يقوم به أو أي حدث يعلق عليه.

لم يكن جروندبرج أكثر تفاؤلاً مثل الفترة التي تم فيها توقيع الهدنة في 2 أبريل 2022، حيث اعتبرها بارقة أمل ولبنة يمكن البناء عليها للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. وبالرغم من إبداء قلقه من الخروق العسكرية للهدنة، وخاصة في مأرب، وقال إنه "يجب التعامل معها بشكل عاجل وفق الآليات التي أسستها الهدنة".. قال غروندبرج في تلك الإحاطة إن الحكومة اليمنية والحوثيين أبدوا "تحليهما بروح القيادة المطلوبة" لتنفيذ البنود التي تم تنفيذها من اتفاق الهدنة، وحثهما على تنفيذ بقية البنود وفي طليعتها فتح الطرقات والمنافذ في تعز والمحافظات الأخرى، ومن المعروف أن هذا البند يعتمد تنفيذه على الحوثيين الذين ما زالوا يصرون على عدم تنفيذه.

في إحاطاته التالية أمام مجلس الأمن، اعتمد تفاؤل جروندبرج على الأحداث الجيدة والمقلقة، وهو في ذلك قد يبدو أكثر واقعية من سلفه مارتن غريفيث الذي اتسمت قيادته للوساطة الأممية بالإفراط في التفاؤل وعدم الشمولية في تناول القضايا ونقاط الخلاف بين أطراف الحرب. تبدو محاولات غروندبرج في تلافي ذلك القصور واضحة، لكن بعض القضايا الأساسية للتسوية لم تكن حاضرة دائماً في أجندته، وعلى رأس هذه القضايا القضية الجنوبية. ومنذ تطرق إلى ذكر القضية الجنوبية في إحاطة أبريل 2022، وكان حينها فرغ للتو من لقاءاته المكثفة مع قيادات حكومية وعسكرية وأمنية ومجتمع مدني من جميع أنحاء اليمن، لم يعد لذكر الجنوب وقضيته سوى في إحاطته الأخيرة قبل يومين. المستجدات السياسية الأخيرة التي شهدها الجنوب هي التي قذفت بالقضية الجنوبية إلى طاولة مجلس الأمن بعد طول تجاهل وتأجيل. 

نسبة التفاؤل والتشاؤم بين إحاطتين 

في إحاطة 17 أبريل الماضي، قال هانس جروندبرج لمجلس الأمن، إن اليمن "يمر مرة أخرى بمنعطف حرج"، لكنه أكد اعتقاده بـ"أننا لم نشهد مثل هذه الفرصة الجادة لإحراز التقدم من أجل إنهاء النزاع خلال ثماني سنوات". وفي السياق نفسه قال: "لا يزال من الممكن أن يتحول المسار ما لم تتخذ الأطراف خطوات أكثر جرأة نحو السلام"، وهو ما كان أشبه بتحذير موارب من تعثّر مسار السلام. سبب التفاؤل في تلك الإحاطة كان نجاح تبادل 889 أسيراً ومعتقلاً بين الحكومة ومليشيا الحوثي، وهو الحدث الذي أبهج اليمنيين في عموم البلاد لكونه يتعلق بفرحة مئات العائلات بلم شملها مع أبنائها وذويها، خاصة أن التبادل تم قبيل عيد الفطر المبارك.

وفي الإحاطة نفسها تحدث جروندبرج عما وصفها بالعلامات المشجعة في مسار جهود التسوية السياسية، ومنها استمرار "تنفيذ العديد من جوانب الهدنة بعد انقضاء مدتها"، وكان يقصد بذلك "الهدوء النسبي" الذي استمر في جبهات القتال، واستمرار تدفق الوقود والسفن التجارية الأخرى إلى الحديدة، إضافة إلى استمرار الرحلات التجارية بين مطار صنعاء الدولي وعمّان. ومع ذلك أبدى قلقه من "العمليات العسكرية الأخيرة في مأرب وشبوة وتعز وغيرها من المحافظات". وأضاف في هذا السياق: "لقد رأينا في الماضي كيف امتد أثر التصعيد، في مأرب على وجه الخصوص، إلى خطوط المواجهة في أماكن أخرى. وأدعو الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والامتناع عن الأعمال الاستفزازية ومواصلة التعامل مع مكتبي لضمان استمرار حالة خفض التصعيد".

في تلك الأثناء كان الوفد السعودي برئاسة سفير المملكة لدى اليمن محمد آل جابر، غادر لتوه صنعاء، وكان التفاؤل يعم البلاد بإمكانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تنهي الحرب وتوقف العبث بمقدرات البلاد ومؤسسات الدولة، خاصة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي. قال غروندبرج حينها لمجلس الأمن: "يجب أن تتجه العملية السياسية نحو المستقبل الذي تريده الكثير من اليمنيات واليمنيين بحسب ما أخبرونا، وهو مستقبل يسوده الحكم الخاضع للمساءلة، والمواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، والاقتصادية". 

ورغم أن مليشيا الحوثي عمدت للإساءة إلى الوفد السعودي وما زال في صنعاء، إلا أنه لم تمض أيام قليلة على مغادرته صنعاء حتى بدأ قادة المليشيا يرفعون سقف التهدديد بالتصعيد العسكري ويقللون من أهمية المفاوضات، وفي نفس الوقت يحشدون مقاتليهم وآلياتهم إلى الجبهات ويرتكبون خروقات جسيمة للهدنة، وما زالوا مستمرين في التهديد وتوتير أجواء المفاوضات.

بمقارنة إحاطة المبعوث الأممي غروندبرج لمجلس الأمن في أبريل الماض ومايو الجاري، تتضح بعض الرسائل التي يحاول غروندبرج تمريرها لأطراف الحرب وللمجتمع الدولي ودول الإقليم. في أبريل قال إن مكتبه يعمل بشكل رئيسي مع الأطراف في ثلاثة مسارات: سياسي واقتصادي وعسكري أمني، ونوه إلى أن مكتبه مستعد لاستئناف عقد اجتماعات اللجنة العسكرية التي تم تشكيلها خلال فترة الهدنة وذلك لدعم أي اتفاق جديد، وهو ما يدل على أن أعمال هذه اللجنة ليست مستمرة، الأمر الذي يثير التساؤلات عن مراقبة مكتب المبعوث الأممي ولجنة التنسيق العسكرية لخروقات الهدنة. ورغم أن تلك الإحاطة تمت بعد يوم واحد فقط من تبادل 889 أسيراً ومعتقلاً، خاطب عروندبرج مجلس الأمن بالقول: "يجب أن لا نتوهم، فهناك الكثير من العمل الشاق الذي يتعين القيام به من أجل بناء الثقة والوصول إلى التسويات".

أما في إحاطته لشهر مايو الجاري، فقال المبعوث الأممي لمجلس الأمن، إنه "وعلى الرغم من إحراز تقدم، ما زالت هنالك قضايا تتطلب مزيدًا من النقاشات. وأنا على قناعة بأن حل القضايا العالقة سيكون ممكنًا، وأن الأطراف ستكون قادرة على الالتزام باتفاق إذا استمر تصميم الأطراف اليمنية مدعومًا بتماسك وتنسيق من المجتمع الإقليمي والدولي". في هذه الفقرة التي مزجت بين التفاؤل والحذر، مرر غروندبرج رسائل إلى المجتمع الدولي والإقليمي بشأن تماسك مواقفه وتنسيقها لدعم جهوده في التوصل إلى التسوية المنشودة وحل "القضايا العالقة"، الأمر الذي يثير تساؤلات أيضاً عن تفاصيل ما دار بين جروندبرغ والمسؤولين في زياراته التي نفذها مؤخراً إلى كل من صنعاء، عدن، الرياض، أبوظبي وواشنطن.

في هذه الإحاطة تحدث غروندبرج بوضوح عن أن الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهي المسارات الرئيسية التي يعمل عليها في مهمته كمبعوث، مثيرة للقلق. وقد حذّر بوضوح من عدم تمكن الحكومة اليمنية من استئناف تصدير النفط بسبب تهديدات الهجمات الحوثية، ووصف الوضع العسكري بالهشّ. وبينما كان يبدي قلقه من الاشتباكات في مأرب وتعز وشبوة في الإحاطة السابقة، عبّر عن قلقه هذه المرة من تصاعد أعمال العنف على جبهات إضافية، كالجوف وصعدة، كما قال صراحة إن الإعلاميين في اليمن ما زالوا "يتعرضون للتهديدات والمضايقات وللاحتجاز"، وتتم مصادرة مكاتبهم وممتلكاتهم، مطالباً بالإفراج عمن تبقى من الصحفيين المحتجزين. ولأول مرة منذ ما يقارب العام، ذكر غروندبرج القضية الجنوبية في سياق اعتبار حوار عدن تأكيداً "للحاجة الملحة لليمنيين لمناقشة وتحديد مستقبلهم بشكل جماعي"، وهو ما يعني أن الصوت الجماعي لأي قضية يصل إلى مسامع الفاعلين الدوليين دون عوائق.

وإجمالاً، فإن بقاء كل هذه القضايا عالقة في وضع التعقيد والتشابك المزمن، ينعكس بالضرورة على أداء وسطاء السلام، بمن فيهم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن.