الحوثيون يحتفلون بقدوم "الهادي" واليمنيون أصبحوا أكثر وعياً بالتاريخ الأسود للإمامة

تقارير - Saturday 02 September 2023 الساعة 08:23 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

سنة بعد أخرى تكرس مليشيا الحوثي الإمامية احتفالاتها لمناسبات طائفية تجترها من أعماق التاريخ الأسود لأسلافها الأئمة، وهذه الأيام وسعت المليشيا نطاق احتفالاتها بقدوم يحيى بن الحسين الرسي الملقب بالهادي، مروّجة أنه عمل على توحيد كلمة اليمنيين وإصلاح ذات بينهم ومناصرتهم والوقوف معهم في التغلب على التحديات والأوضاع الصعبة التي كان يمر بها اليمن.

ولا تخجل قيادات الجماعة من الحديث عن مآثر الهادي وتنسب إليه انتشال اليمن من "الأوضاع المأساوية التي عاشتها قبل قدوم الإمام الهادي من تسلط للولاة، وانتشار للظلم والجور، وفتن وبدع" -حسب إعلام الجماعة، وكأن عهود حكم الإمامة كانت عهود رخاء وعدالة ومساواة واستقرار! 

كل هذه الدعاية الطائفية وغيرها تكذبها كتب التاريخ وحقائقه بما في ذلك التاريخ الذي كتبه الهاشميون أنفسهم سواء في عهد حكم الأئمة أو في الفترة اللاحقة لهم خلال الخمسين سنة التي انعتق فيها اليمن الكبير من ربقة الإمامة بين عامي 1962 و2014م.

لنبدأ من كتاب (اليمن عبر التاريخ) للمؤرخ أحمد حسين شرف الدين، وفيه يذكر أن يحيى بن الحسين قدم إلى اليمن بدعوة من (بعض أهل اليمن) وتحديدا (من أعيان صعدة) عام 280 هجرية، لكنه عاد إلى المدينة المنورة لأنه لم يجد ما يكفي من المناصرين له، ثم عاد إليه (بعض) الأعيان مرة أخرى عام 284ه (898م) والتزموا بتوفير المساندة والمناصرة له فجاء واتخذ من صعدة عاصمة لحكمه الذي لم يتوسع أبعد منها إلا بعد عقود من الزمن.

يقول شرف الدين إن معظم الأئمة الذين حكموا اليمن بهذا النظام السلالي هم من أولاد يحيى بن الحسين الملقب بالهادي وعددهم 59 إماماً، إضافة إلى خمسة آخرين ينسبون إلى الحسن بن زيد بن علي بن أبي طالب واثنان يعود نسبهم إلى الحسين بن علي.

ويضيف إن حكم الأئمة الهاشميين ظل محصورا في شمال اليمن حتى القرن الحادي عشر الهجري (بسبب معارضة الدول اليمنية الأخرى لهم ومناهضة سلاطينها لحكمهم).

أما وضع اليمن الشمالي في حكمهم فلم يكن أفضل حالاً مما كان عليه قبل مجيئ الهادي، ويقول شرف الدين إنه كان ما إن يموت إمام حتى يظهر إمامان أو أكثر وكل واحد منهم يرى أنه أحق بالإمامة من غيره من الهاشميين. أما اليمنيون فكان يتم تهميشهم تماماً عن الحكم لاعتقاد الأئمة أو الداعين لأنفسهم بها أن حكم البلاد لا يصلح له إلا آل البيت. وكانت صراعات الأئمة على الحكم تجر على البلاد ويلات (التطاحن والانقسامات التي لا يتسع لذكرها غير المجلدات الضخمة) بحسب المؤرخ شرف الدين.

هذا وتحفل كتب التاريخ بالكثير من تفاصيل الصراع الدموي بين الهاشميين على الحكم وكيف كانوا يتخذون من نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني هاشم أداة لقمع اليمنيين والتعالي عليهم بانتسابهم إلى علي بن أبي طالب وحصرهم لقب (آل البيت) على من ينحدرون من ذرية علي، وهو ما تصرح به الآن مليشيا الحوثي.

استثمار مكانة الإمام علي

وتفيد كتب التاريخ أيضاً أنه بعد أن فشل بنو هاشم في تأسيس نفوذ لهم في اليمن عبر استثمار زيارة علي بن أبي طالب إلى البلاد أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يكونوا ليستطيعوا تأسيس مشروع سياسي قائم على النسب في حياته، فقد عاودوا المحاولة بعد وفاة النبي ومرة أخرى لم ينجحوا بسبب إحكام بني أمية قبضتهم على دولة الخلافة. وفي عصر الدولة العباسية، وتحديداً في عهد المأمون ابن هارون الرشيد، أوكل المأمون ولاية اليمن إلى إسحق بن موسى بن عيسى الهاشمي الذي يرجع نسبه إلى عبد الله بن العباس. وقد تزامن هذا التعيين مع تمرد ابن طباطبا في الكوفة على الدولة العباسية سنة 199 هجرية، فأوكل ابن عيسى الهاشمي ولاية اليمن إلى ابن عمه القاسم بن إسماعيل وسار نحو الحجاز التي كان ابن طباطبا قد استولى عليها عبر مجموعة من الطالبيين سنة 200 هجرية. وفي نفس السنة أرسل الحسين بن الحسن الطالبي المعروف بالأفطس إبراهيم بن موسى الكاظم ابن جعفر الطالبي والياً على اليمن وعرف بالجزار بسبب كثرة أوامره بقتل كل من يعارضه من اليمنيين. وشهد العقد الأول من القرن الثالث الهجري معارك حامية الوطيس بين الولاة الطالبيين والعباسيين وخلال هذه الفترة تولى الحكم في المناطق الجبلية ولاة من خارج الأسرة الهاشمية، مثل حصن بن المنهال والمظفر بن يحيى الكندي وعباد الشهابي، حتى عيّن المأمون أحد أبناء عمومته ويدعى إسحاق بن العباس عام 209 هجرية. أمعن هذا الوالي في قتل الناس ويذكر المؤرخون أنه كان أكثر الولاة الذين أمروا بطمس وتخريب الآثار اليمنية القديمة، خاصة آثار الدولة الحميرية، آخر الممالك اليمنية المستقرة قبل الإسلام.

هذه التفاصيل يذكرها المؤرخ ابن عبدالمجيد اليماني في كتابه (تاريخ اليمن المسمى بهجة الزمن) وقد كان المؤرخ معاصراً للدولة الرسولية. يقول اليماني إنه خلال القرن الثالث الهجري شهد اليمن انقسامات حادة واضطرابا سياسيا متفاقما جراء عدم استقرار الدولة العباسية وبسبب تعيينها ولاة مارسوا الجور والطغيان بحق اليمنيين أو ولاة من موالي بني العباس، وهي السياسة التي قاومها اليمنيون الذين برز منهم عدد من القادة كان أشهرهم يعفر بن عبد الرحيم الحوالي. ولم يزل اليمنيون يقاومون تلك السياسة العدائية تجاههم وتجاه آثارهم حتى اضطر الوالي (أحمد الموفق) الذي أوكل إليه أمور الدولة أخوه المعتمد على الله، واضطر الموفق حينها لتعيين محمد بن يعفر على ولاية اليمن سنة 258 هجرية. واستمرت دولة بنو يعفر إلى 279ه ولم تسلم من المؤامرات وتحريض زعماء القبائل ضدها وكان أبرز الثائرين ضدها إبراهيم الدعام، كبير أرحب وهمدان، وبنو شهاب والأبناء من الفرس الذين بقوا في صنعاء بعد إخراج الأحباش من اليمن وكان ولاؤهم أقرب إلى الهاشميين من غيرهم. 

في ذلك الوقت كان يحيى بن الحسين الرسّي (الهادي)، كان يتردد على مساجد شمال اليمن كداعية فقط، وفي بعض الأحيان كان يلجأ إليه الناس لحل قضاياهم بسبب عدم الاستقرار السياسي في الدولة، وهذا هو السبب وراء القصة التي يذكرها المؤرخون أن مجموعة من أقيال اليمن ذهبوا إلى الرسّي في المدينة المنورة وطلبوا منه أن يتولى أمور الحكم فيهم. وفي حقيقة الأمر فقد كان أولئك الأقيال من شمال الشمال في صعدة ومن شرق صنعاء وهي المناطق التي كان أكثر تجوال الرسّي فيها، وفي عام 280 هجرية طلب منهم مبايعته إماماً عليهم فبايعه عدد محدود من الأقيال ولكنه لم يستطع أن يفرض نفسه إماماً فعاد إلى الحجاز، وبعد أربع سنوات عاد إلى صعدة ودعا لنفسه بالإمامة وما زالت القلاقل تعم اليمن ودولة بني زياد متحكمة في المناطق الساحلية لليمن من تهامة إلى حضرموت.

وبحسب ما يذكره المؤرخون للفترة الإسلامية المبكرة في اليمن فقد كان من النادر أن يتم تعيين ولاة على اليمن من اليمنيين أنفسهم منذ عهد الخلفاء الراشدين حتى نهاية الدولة العباسية، ونظراً لأن الهاشميين كانوا قد سبق أن وضعوا عيونهم على الاستحواذ على دولة الخلافة انطلاقا من اليمن منذ تمرد الطالبيين على الدولة العباسية في نهاية القرن الهجري الثاني، فقد تمكن يحيى بن الحسين الرسي من دخول صنعاء بتسهيل من آخر ولاة الدولة العباسية على صنعاء وهو أبو العتاهية ابن الروية عام 286 هجرية. وأول ما فعله الرسي بعد دخوله صنعاء كان حبس آل يعفر وآل طريق وتوجيه عماله إلى المخاليف للجباية والأمر بسك اسمه على العملة، ثم خرج إلى يحصب ورعين للإشراف على الجباية وإخضاع سكان المنطقتين، واستخلف أخاه عبدالله ابن الحسين على صنعاء، وعندما عاد إلى صنعاء ولأسباب غير معروفة استبدل أخاه بابن عمته ويدعى علي بن سليمان وغادر المدينة إلى شبام كوكبان، ومن المفارقات أن ابن طباطبا هو الجد الثالث للهادي.

ثورة همدان على الرسّي

لم تمر إلا فترة قصيرة حتى اجتمعت قبائل همدان وبقية القبائل في محيط صنعاء وتوجهت إلى شبام وثار سكان صنعاء على عمّال الرسي وأسقطوا حكمهم وأخرجوا السجناء من بني يعفر وبني طريق وفعل مثلهم المقاتلون الذين توجهوا لمحاربة الرسي في شبام. واستولى عبد القاهر بن أبي الحسين بن يعفر على صنعاء.

كانت هذه الأحداث كفيلة بإعادة الهادي إلى صعدة، فأين القبول الذي لقيه من اليمنيين حتى على مستوى شمال اليمن، حيث لم تستقر له دولة بسبب التهميش الذي كان يمارسه ضد زعماء القبائل اليمنية القوية ومحاولته فرض نظام جديد قائم على السلالية والنسب.

لم تكن همدان الوحيدة التي ثارت ضد الهادي، بل انضمت إليها أرحب وخولان ونهم وقبائل أخرى، ولم تتوقف الثورات ضد الأئمة من بني هاشم طوال حكمهم اليمن الشمالي أو في تلك الفترات القصيرة التي سيطروا فيها على مناطق أخرى من جنوب ووسط وشرق وغرب اليمن. فأي استقرار يروج له الحوثيون أنه تحقق في عهد حكم الهادي، وأية عدالة ينسبونها إلى من يسمونهم (أعلام الهدى) وهم من أمعنوا في قتل اليمنيين ونهب ثرواتهم واستنزاف جهودهم في حروب عبثية لا تنتهي، ويتحكمون بمصيرهم باسم الإسلام وباسم النبي صلى الله عليه وسلم ويفرضون عليهم الولاء لأحفاد الهادي ومن يريدون بعث النظام الإمامي بعد أن ثار ضده الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه واستبدله بنظام جمهوري لا مكان فيه للتمييز الطبقي والفرز العنصري!