نظرة على مخططات إيران والسيناريوهات المعقدة التي تنتظر التصعيد الحوثي

السياسية - Tuesday 30 January 2024 الساعة 09:32 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

لا يبدو أن الصراع في الشرق الأوسط سيتم احتواؤه في قادم الأيام، فلا تزال مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، ونظيراتها في المنطقة مستمرة في شن الهجمات على السفن الأمريكية والبريطانية، كما لا تزال واشنطن ولندن تواجهان مخاطر متصاعدة لهجمات أذرع إيران في العراق وسوريا على مصالحهما.

منذ بدء هجمات أذرع إيران في المنطقة العربية على أهداف أمريكية وبريطانية وإسرائيلية بمبرر الدعم والتضامن مع الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، لم تسفر هجمات الأذرع الإيرانية عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف الأمريكيين والبريطانيين، لكن الأمر أصبح مختلفاً الآن بعد الهجوم الذي تعرضت له قاعدة أمريكية في منطقة التنف السورية القريبة من حدود الأردن.

سقط في هذا الهجوم 3 قتلى وأكثر من 34 مصابا من الجنود الأمريكيين مساء الأحد، وهو الأمر الذي لاقى استنكارا واسعا في الداخل الأمريكي على مستوى قيادات الإدارة الأمريكية. حيث طالب كل من رئيس مجلس النواب الأمريكي وبرلمانيون بارزون، طالبوا الرئيس جو بايدن بشن ضربات مباشرة على إيران في عمق أراضيها. وتعد هذه المطالبات مؤشراً على أن النواب الأمريكيين مستعدون للتصويت على قرار يخول إدارة بايدن شن ضربات مباشرة على إيران بدلا من استهداف أذرعها في المنطقة، وهو ما يقلل أيضاً من أهمية ما يثار في بعض وسائل الإعلام من أن النواب الأمريكيين ينتقدون ضربات واشنطن على مواقع الحوثيين بدون تخويل برلماني لبايدن.

أبعاد الرد الأمريكي وما تريده اليمن

حتى الآن اقتصر الرد الأمريكي البريطاني على هجمات الحوثيين بشن ضربات جوية محدودة على مواقع سبق أن استهدفها طيران التحالف العربي عدة مرات خلال السنوات الماضية، بحسب ما يرى عدد من المراقبين. وفيما ينتقد المراقبون للشأن اليمني والإقليمي ضعف هذه الضربات ويستنتجون، وفقاً للوقائع على الأرض، أنها لن تؤثر على قدرات الحوثيين العسكرية، وصل هذا الانتقاد إلى مستويات عليا في الحكومة اليمنية.

السبت الماضي، صرح رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، أن العمليات الدفاعية التي تشنها أمريكا وبريطانيا ضد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر "ليست الحل" لإزالة التهديد الذي تشكله الجماعة على الداخل اليمني وعلى اقتصاد العالم. وقال العليمي بوضوح، إن الحكومة اليمنية أخبرت المجتمع الدولي مرارا وتكرارا أن الحل لمواجهة التهديد الإيراني المتمثل بمليشيا الحوثي يتمثل في "القضاء على قدرات الحوثيين العسكرية، وعقد شراكة مع الحكومة اليمنية" للسيطرة على المناطق التي تسيطر عيها المليشيا واستعادة مؤسسات الدولة، وأن ذلك "هو الضامن الوحيد للأمن والاستقرار ليس لليمن فحسب ولكن للمنطقة".

وتؤكد إشارة الرئيس العليمي إلى أهمية إيجاد إطار مؤسسي إقليمي ودولي لحماية البحر الأحمر، أن الولايات المتحدة تفضل مواجهة إيران بمعزل عن حلفائها في المنطقة العربية، وهي الطريقة التي كانت سببا في عدم ترحيب الدول العربية بالانضمام إلى تحالف "حارس الازدهار"، كما كانت سببا في تحفظ دول الاتحاد الأوروبي عن المشاركة في هذا التحالف بقيادة واشنطن.

هذه الخيارات في ردع المليشيا الحوثية هي محل توافق بين جميع الأطراف والقوى في معسكر الحكومة الشرعية، ولا ينقصها سوى الموقف الإقليمي والدولي للتأكد من أنها لن تلاقي مصير معركة الحديدة عام 2018.

خطط إيران المبكرة للسيطرة على البحر الأحمر

من اللافت في حديث الرئيس العليمي للصحفيين في الرياض، السبت الماضي، تطرقه إلى ما وصفه بالمخطط الإيراني المبكر للسيطرة على البحر الأحمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكيف عملت إيران على استقطاب الجيل السابق من مليشيا الحوثي لتشكيل خلايا لها في اليمن. حيث قال إن "البدايات الأولى لتشكل مليشيا الحوثي التي لم تبدأ في العام 2004 أو في العام 2014 كما تتحدث روايات مختلفة في عدد من الوسائل الإعلامية، ولكنها بدأت في بداية ثمانينيات القرن الماضي بعد عودة الخميني في العام 1979، إلى إيران وبدء السياسة الإيرانية في التوسع من خلال تشكيل خلايا تابعة للنظام الإيراني في اليمن بالتزامن مع إنشاء حزب الله في لبنان".

وأورد أمثلة لأعمال إرهابية نفذها أعضاء في مليشيا الحوثي في العام 1984 قبل أن يكون للجماعة أي اسم، ومن تلك الأعمال الإرهابية مهاجمة سينما بلقيس بالقنابل وقتل حارسها وإصابة عدد من المواطنين، إضافة إلى مهاجمة السفارات والبعثات الدبلوماسية ورش النساء بمواد حارقة. هذه الوقائع يستعيدها الرئيس العليمي كونه كان في تلك الفترة أحد المسؤولين في سلك الشرطة، مؤكدا أنه تم القبض حينها على بعض المتورطين في تلك العمليات الإرهابية، بينما غادر آخرون اليمن إلى إيران، ومن بينهم بدر الدين الحوثي والد المدعو عبدالملك الحوثي زعيم المليشيات الحوثية الإرهابية، وعبدالسلام فليته والد ناطق المليشيات الإرهابية محمد عبدالسلام.

سيناريوهات ضرب النفوذ الإيراني في اليمن

يتبجح الحوثيون بقوتهم غير القابلة للاستهداف أو القضاء عليها بسبب قدرتهم على التمويه والتخفي، ويرى بعض قادتهم العسكريين أن الولايات المتحدة وبريطانيا لن تدعم القوات الحكومية للتحرك نحو الحديدة والسيطرة على الشريط الساحلي، كون المليشيا الحوثية تعرف أن قوات الحكومة مدعومة من السعودية والإمارات، وبالتالي فهي لن تقبل الدعم الأمريكي بدون موافقة السعودية والإمارات.

لكن الخبير العسكري البحري الدكتور علي الذهب يرى أن "كل الاحتمالات واردة"، ولكن ليس بمفهوم الاحتلال الأجنبي، بل بالدعم اللوجيستي للقوات الحكومية لاستئناف العمليات باتجاه المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على ساحل البحر الأحمر، "والتي باتت تشكل تهديدا لمصالح الدول الكبرى".

وأضاف الذهب، في تصريحات لموقع "الجزيرة نت" مطلع الأسبوع الجاري، إن القلق العالمي ليس من الحوثيين ومما اقترفوه من تهديد للملاحة الدولية، بل من دخول إيران إلى البحر الأحمر ووجودها فيه من خلال جماعة الحوثيين، مما سيشكل تهديدا جدّيا لمصالح أميركا والغرب.

وأشار إلى أنه في حال عدم امتثال الحوثيين لمطالب أميركا وبريطانيا بوقف استهداف السفن بالبحر الأحمر، فـ"يبدو أن سيناريو السيطرة على الساحل اليمني سيكون هو القرار الحتمي إذا كانت أميركا وبريطانيا تريدان إزالة خطر الحوثيين"، موضحاً أن ذلك "سيكون عبر الدعم اللوجيستي للقوات الحكومية خاصة تلك الموجودة في ميناء ميدي ومنطقتي حرض وحيران بمحافظة حجة شمال محافظة الحديدة وأيضا القوات المشتركة بجنوبها والموجودة في ميناء المخا ومنطقتي الخوخة وحيس، والتي كانت أحاطت بمدينة الحديدة في عام 2018، ودخلت بعض أحيائها، وكادت تسيطر على مينائها الرئيسي"، وهي المعركة التي تدخلت أمريكا وبريطانيا لإيقافها باتفاق استوكهولم.

وعن مدى وطبيعة المعركة المحتملة لتحرير الساحل اليمني من قبضة المليشيا الحوثية، قال الذهب، إن الحوثيين أنهكوا خلال الفترة الماضية، واستنزفت قدراتهم الصاروخية والمسيّرة سواء الهجومية أو الدفاعية، وضربت مناطق ومصادر التهديد لديهم، ومن ثم اختلت موازين القوى، وإذا استمروا في عملياتهم تجاه السفن سيزدادون ضعفا، وسوف تستنزف قدراتهم طالما أن الطرف الثاني -وهو القوات الحكومية- لم يطلق رصاصة واحدة حتى الآن، وقد يحصل على دعم لا نظير له من القوات الأميركية والبريطانية خاصة على صعيد الدعم الجوي.

ولفت الخبير العسكري إلى أهمية السواحل اليمنية على البحر الأحمر بالنسبة للحوثيين، حيث تعد مصدرا مهما لتهريب السلاح خاصة الصواريخ والمسيّرات إليهم من إيران، إضافة إلى ما تدره الموانئ وخاصة الحديدة والصليف ورأس عيسى عليهم من عائدات مالية كبيرة، وتعزز خزينتهم الحربية، كما تعزز موقفهم الاقتصادي وسيطرتهم المجتمعية، حسب تعبيره.

وإذا ما تحقق هذا السيناريو، فسوف تكون القوات الحكومية أمام سيناريوهات متصاعدة قد تجر المعركة مع المليشيا الحوثية نحو صنعاء وإنهاء انقلابها الذي أذاق اليمنيين المر والهوان على مدى عشر سنوات.