جبايات "الخُمُس" أغلقت شركات ومراكز.. الأئمة الجدد يفقرون تجّار اليمن

إقتصاد - Sunday 01 July 2018 الساعة 11:21 am
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

أغلقت مراكز ومؤسسات وشركات تجارية أبوابها في العاصمة اليمنية صنعاء، وأوشكت أخرى على الإفلاس نتيجة الابتزاز المستمر الذي تمارسه مليشيات الحوثي على بيوت الأموال وفرض جبايات مالية كبيرة تحت ذرائع الضرائب والمجهود الحربي.. وأخيراً الخمس.

في حين قرر عدد من رجال الأعمال والمستثمرين اليمنيين مغادرة صنعاء والبحث عن بيئة استثمارية جديدة، نتيجة مضايقات الحوثيين.

وقادت إتاوات ميليشيا الحوثي إلى إغلاق مول "سيتي ماكس" أحد أكبر المراكز التجارية في صنعاء بفروعه الثلاثة حسب مصادر لـ"نيوزيمن" أكدت بأن ميليشيا الحوثي طلبت من مالكه مبلغ مليار ريال نهاية شهر رمضان.

وتسبب قرار الإغلاق بتسريح أكثر من 1500 عامل في مركز" سيتي ماكس" يعيلون 1500 أسرة.

وفي وقت سابق أغلق مركز ضمران التجاري – واحد من أكبر المراكز التجارية بصنعاء- أبوابه وسرح أكثر من 350 موظفا بعد سلسلة من الجبايات والمضايقات الحوثية التي انتهت إلى إفلاسه.

وقبل أيام أصدرت محكمة خاضعة لسيطرة الحوثيين بصنعاء أمراً بحجز أرصدة شركة (MTN) للاتصالات في جميع البنوك وشركات الصرافة تمهيداً لاستحواذ مليشيا الحوثي على أرصدة الشركة بذريعة طلب مصلحة الضرائب الحوثية.

وكانت الشركة قد تعرضت للابتزاز من جانب الحوثيين واختطف مديرها المالي ليتم إطلاقه مقابل تحرير شيك بمبلغ 300 مليون ريال على أن يتم دفع 25% من إيرادات الشركة شهريا لصالح ما يسمى المجهود الحربي

وأفاد "نيوز يمن" موظف في (MTN) فضل عدم ذكر اسمه بأن الشركة تتعرض لابتزاز مستمر من قبل المليشيا منذ دخولهم صنعاء، مضيفا "أن شقيق زعيم المتمردين، عبدالخالق الحوثي اقتحم الشركة بأكثر من عشرين سيارة مدرعة قبل نحو عام واختطف المدير المالي للشركة وأخفوه لمدة عشرة أيام.

ولفت أن الحوثي أطلق سراح المدير المالي مقابل تحرير شيكات بمبلغ ثلاثمائة مليون ريال وفرض نسبة 25% من إيرادات الشركة لصالحه..

وقال الموظف، "إن الشركة تدفع الجبايات مجبرة وتحت التهديد المستمر ومع ذلك يتم مطالبتها بتحمل نفقات ما يسمونه المجهود الحربي وتحت ذريعة دفع الضرائب التي قد تمت جبايتها من قبلهم بأضعاف مضاعفة خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة".

وأصدرت شركة الاتصالات بيانا طالبت فيه بتحكيم العقل والتفاهم، إشارة إلى المليشيا التي اتخذت قرارا بحجز ومصادرة أموال الشركة ونهبها من جميع البنوك.

وصعدت مليشيات الحوثي الانقلابية من ضغوطها ومضايقاتها للتجار والقطاع الخاص بالعاصمة صنعاء بذريعة الضرائب التي يعد أغلبها قضايا جرى تسويتها مع الحكومة منذ سنوات.

رمضان شهر الجباية للميلشيا

وحوّلت ميليشيا الحوثي الإيرانية شهر رمضان إلى مناسبة لابتزاز التجار ونهب أموالهم تحت شعار الزكاة والضرائب بجانب ما تسميه المجهود الحربي الذي بات مفروضاً طوال العام.

وكانت المليشيات الحوثية قد استبقت شهر رمضان بتطبيق رسوم زكاة جديدة أو ما يسمى (الخُمس) واستحدثت هيئة جديدة للزكاة وعينت لإدارتها عدداً من قياداتها كوسيلة إضافية لنهب أموال المواطنين اليمنيين.

وأقرت المليشيات مؤخراً إلزام التجار وشركات القطاع الخاص بدفع ضرائب العام القادم 2019 مقدماً نظير منحهم البطاقة الضريبية والسماح بمواصلة مزاولة العمل كإجراء ابتزازي يضاف إلى جبايات ما يسمى المجهود الحربي والزكاة.

وأكد تجار ومديرو شركات في صنعاء أن الميليشيا الحوثية طالبتهم بدفع ضرائب العام المقبل 2019 مقدماً حتى تمنحهم البطاقات الضريبية في أحدث عمليات ابتزازها لتعزيز إيراداتها ونهبها المستمر.

وقال رجل أعمال لـ"نيوزيمن"، إن ميليشيا الحوثي أوقفت بطاقاتهم الضريبية حتى يدفعوا ضرائب العام المقبل، في خرق واضح للقانون الضريبي النافذ وممارسة تكشف عن عقلية عصابات نهب تدير سلطة الأمر الواقع وفق وصفهم، مؤكدين أن الإجراء الحوثي غير القانوني يهدد بعدم قدرتهم على مزاولة الاستيراد.

وفي مقابل الجبايات والإيرادات غير القانونية التي تجبيها ميليشيا الحوثي الإيرانية بقوة السلاح فإنها لا تقدم أية خدمة للمجتمع سواء الكهرباء أو الصحة أو التعليم وغيرها وفوق ذلك تنهب مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتها منذ عامين.

واستخدمت المليشيات الحوثية وسائل قمعية في جباياتها من التجار وعبر إرسال مسلحيهم لتهديدهم وابتزازهم وإغلاق محلاتهم في حال رفض ما تم فرضه عليهم.

ويفيد تجار محليون في صنعاء أن المليشيا فرضت مبالغ مالية إضافية على التجار كضرائب سنوية بمبلغ 90 ألف ريال عن كل عامل لديهم ومن يرفض يتم إغلاق محله بالقوة.

وتستخدم ميليشيا الحوثي الإيرانية هذه الأموال لدعم الحرب للعام الرابع على التوالي منذ انقلابها على الدولة والسلطة الشرعية في سبتمبر 2014 بجانب إثراء قياداتها.

ويقول أحد التجار في صنعاء، إن الإجراءات الحوثية الابتزازية بحقهم ألحقت الخسائر بهم ما أدى إلى عجزهم عن الاستيراد.

وتجني المليشيا الحوثية من قطاع الضرائب لوحدها الخاضع لسيطرتها أكثر من 120 مليار ريال يمني شهريا حسب تقارير اقتصادية.

ومنذ مطلع مايو الماضي فرضت مليشيات الحوثي زيادة بنسبة 200% على الضريبة بصنعاء تضاف إلى جباية ما يسمى الخمس بنسبة 25% من رؤوس الأموال الخاصة على كل المتاجر والتجارة الكبيرة والمتوسطة.

ولم تستثن الإجراءات الحوثية ملاك المتاجر الصغيرة والباعة المتجولين الذين تجبرهم على دفع مبالغ نقدية بذريعة الضرائب إلى جانب دفع جبايات دورية باسم ما يدعى بالمجهود الحربي والخمس وغيرها من المسميات.

الأئمة الجدد يفقرون تجار اليمن

وهاجم وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان سياسة من أسماهم "الإمامين الجدد" ومضايقاتهم للتجار والمراكز والشركات التجارية ونهبها.

وقال الرويشان، في مقالة نشرها على صفحته في الفيسبوك "إنه بسبب مضايقات الأئمة الجدد تم إغلاق واحد من أكبر المراكز التجارية في صنعاء بفروعه الثلاثة سيتي ماكس قُبَيل عشية عيد الفطر المبارك أي في ذروة الموسم وتم تشريد 1500 عامل وموظف يعولون 1500 أسرة".

وقال الرويشان "قيل إن الجباة طلبوا مليار ريال ضرائب وكانوا قد طلبوا الخُمُس مطلع رمضان وتهجموا على المركز الرئيسي في شارع الستين فقرر المالك إغلاق المركز بفروعه الثلاثة صنعاء تموت بالخنق ..والقهر"!

وأضاف، "إن مرارة ما يحدث في صنعاء له طعم السم! مدينة ضخمة تتهاوى بالضرائب والجبايات والخُمُس كل لحظة فنادق ومتاجر عمارات ومطاعم وحتى البوفيات وان نصف مطاعمها ومحلاتها أغلقت أبوابها بسبب الانقلاب ونتائجه".

المليشيا تؤسس لتأمين مستقبلها المالي

ويقول اقتصاديون إنه وبعد إهدارها للاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والحصول على عائدات خيالية من السوق السوداء للمشتقات النفطية المليشيات الحوثية سطت على ضرائب الاتصالات وسيطرت على موارد الصناديق الإيرادية لتكتب بذلك تدمير ما تبقى من اليمن.

ويقول الخبير الاقتصادي نزار خالد في حديث خاص لـ"نيوزيمن"، إن "المليشيات الحوثية ومع إحساسها بقرب نهايتها تحول مشرفوها إلى رؤوس أموال جديدة وأن مليارات الدولارات التي تم نهبها من الاحتياطي النقدي ومؤسسات التأمينات وما تفرضه وجبته من الخمس والمجهود الحربي والضرائب والجمارك التي استحدثتها على مداخل المدن تحت سيطرتها تعطي مؤشرات بأن الجماعة بدأت بترتيب مصادر مالية لتأمين مستقبلها المالي وهو ما يعني أن قيادة المليشيا أدركت أنها في الفصل الأخير من الانقلاب".

وأكد خالد أن الحوثيين جيّروا مؤسسات الدولة وأموالها وإيراداتها لتمويل حروبهم على المحافظات اليمنية ولثراء فاحش أصبح عليه قادتهم ومشرفيهم، كما أنهم فرضوا الجبايات بما يعرف شعبياً بالمجهود الحربي على رجال الأعمال والتجار الذين لا يستطيعون الإفصاح عن ذلك خوفاً من انتقام المليشيا التي طال عبثها حتى الشركات التجارية والخاصة منذ سيطرتها على صنعاء بقوة السلاح وأن تلك الأعمال تسببت في هجرة رؤوس الأموال والاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين والأجانب إلى الخارج بنسبة 70% وفقاً لتقارير اقتصادية.

وتشير مصادر اقتصادية أنه بالإضافة إلى مغادرة نحو 35 شركة نفطية توقفت العديد من المصالح والمراكز الاستثمارية والوكالات التجارية الأجنبية والمحلية.

تدمير كلي للاستثمار والتجارة

ويؤكد المحلل الاقتصادي نزار خالد أن قطاع التجارة والاستثمار يتم تدميره بشكل كبير في مناطق سيطرة المليشيات وبوسائل عدة لم تكن فرض الضرائب مقدما والخمس إلا جزءا من إجراءات أخرى عملت فيها المليشيات على تدمير الاقتصاد من خلال فرض جبايات مالية على التجار والبضائع المستوردة في الطرقات المؤدية إلى صنعاء والمدن المجاورة لها كرسوم جمركية من قبل نقاط المليشيات على التجار رغم أنهم يدفعون جمارك في ميناء عدن أو منفذ الوديعة وهو الأمر الذي يرفع الكلفة الإجمالية للبضائع وينعكس على أسعارها حيث أصبحوا يدفعون تعرفة جمركية مرتين.

واعتبر اقتصاديون أن فرض الحوثيين هذه الجبايات تحت مسمى "الجمارك" ليست الوحيدة التي يدفعها التجار ورجال الأعمال فهم يتعرّضون للابتزاز تحت مسميات مختلفة منها الخمس والضرائب والمجهود الحربي ودعم البنك المركزي وإذا رفض فسيصنف التاجر على أنه عميل "للعدوان"، حسب تصنيفاتهم.

ويؤكد الاقتصاديون أنه وعندما أطاحت المليشيا بالاحتياطي اليمني من النقد الأجنبي البالغ نحو 4.2 مليارات دولار وعجزت عن دفع مرتبات الموظفين الحكوميين كان زعيم المتمردين قد دعا لحملة تبرعات للبنك المركزي ذهبت في نهاية المطاف لحسابات المليشيات حيث تمت جباية الأموال من مالكي المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة ولا خيار أمام التجار إلا الدفع.

ويشيرون إلى أنه ومنذ دخول اليمن في الحرب بفعل الانقلاب المسلح لمليشيا الحوثي وممارسات المليشيات بحق التجار والتجارة تضرر القطاع التجاري بشكل كبير إذ برزت ظاهرة هجرة الأموال والاستثمارات.

وتوضح بعض الإحصائيات أن نحو 80% من الاستثمارات الأجنبية المتوسطة والكبيرة غادرت اليمن في حين يقول خبراء اقتصاديون إن حجم الأموال المهاجرة من اليمن تبلغ نحو 30 مليار دولار.