رحلة العودة الطرق التي فتحت للحوثي للخروج من صعدة لن تفتح أمامه للعودة إليها

السياسية - Wednesday 11 July 2018 الساعة 09:18 pm
فارس جميل، نيوزيمن، خاص:

في التاسع من يوليو 2014، ظهر مصطلح اللجان الشعبية الحوثية في مدينة عمران، وطرق مسامع اليمنيين للمرة الأولى، فقد كان مصطلحاً يقتصر على المقاتلين في صف الحكومة ضد حركات الإرهاب في الأوقات السابقة، لكنه تحوّل منذ دخول الحوثيين عمران إلى مصطلح لمن يقاتل ضد الدولة وليس دفاعاً عنها، وتقدم الشاص الحوثي نحو عمران وعينه على صنعاء.

في نفس الفترة وفي خطابات عبدالملك الحوثي ظهر مصطلح آخر لتصنيف اليمنيين وفرزهم مع أو ضد الحوثي وتوسعه، وبغلاف ديني مستمر لكل مطامع الجماعة أصبح (الدواعش) مصطلحاً جديداً لتوصيف من يقف في وجه الحوثيين، وهي تهمة لم تكن تفوق توصيف شخص ما بأنه حوثي قبل سنوات، لكن (داعش) هذه المرة وفي ذلك التاريخ لم تكن موجودة في اليمن بأي شكل، على عكس الحوثيين الذين كانوا كارثة ماثلة على الأرض.

كان أكثر الناس تشاؤماً من تطورات الأحداث في اليمن قد تعامل مع توسع الحوثيين بقوة السلاح بأنه مجرد توظيف من بعض القوى الإقليمية وبتواطؤ من الرئيس هادي لتقليم أظافر حاشد وحزب الإصلاح، لكن الأمور سارت بشكل مختلف.

في أغسطس 2014 حاصر الحوثيون صنعاء بذريعة إسقاط الجرعة التي نفذتها حكومة باسندوة على أسعار المشتقات النفطية.

كانت علاقة هادي وصالح قد وصلت إلى حد القطيعة ولم يعد خافياً على أحد، فهادي استخدم سلطته كرئيس لتحجيم صالح، وصالح رد باستخدام سلطته كرئيس للمؤتمر لتحجيم هادي حزبياً وتعريته من الغطاء السياسي للحزب.

خرج المؤتمريون ضد الجرعة كوجوه مألوفة يعرفها اليمنيون سواءً من حلفائهم أو من خصومهم، وكانت تلك فرصة غير مسبوقة للحوثيين لتسلق الجبل المؤتمري، واعتلاء المشهد كمعارض وحيد في بلد بلا معارضة، يعيش تحت ضغط مماحكات شركاء السلطة.

رفع المؤتمر غطاءه السياسي عن هادي، وبطريقة أو بأخرى منح غطاءه الشعبي للحوثيين، فقد انخرط الشارع مع دعوات وأنشطة الجماعة ظناً منه أنها ذراع لصالح، ومع عدم صدور توضيحات كافية من المؤتمر، وجمود نشاطه الحزبي مع قاعدته، مضى الناس عمياناً في قطيع السيد، وهم يراهنون على صالح كمرشد ودليل، وينتظرون إطلاق صفارته للانقضاض عليهم.

مع الوقت منح الحوثيون مصالحَ غير متوقعة للكثير من المؤتمريين والقبليين، وبدأ كل من يعترض على سياسات حكومة الوفاق وقرارات هادي ينضم إلى قافلة عبدالملك وأبوعلي الحاكم، ويراهن على صالح أن يوضح قواعد اللعبة.

تقدم الشاص الحوثي إلى صنعاء، وفي سبتمبر 2014 أصبحت صنعاء مستضيفاً جديداً للجان الشعبية الحوثية، ورفع شعار (الأمنيات لكم وليست عليكم) وكان كثير من عناصر تلك اللجان متعاطفين مع صالح للدوافع السابقة، وخلال نفس العام أصبحت اللجان الشعبية مقترنة بالجيش في التسمية (الجيش واللجان الشعبية) كان الجيش من المتعاطفين مع صالح، وكانت اللجان هي جيش الحوثي مع استثناءات بسيطة.

كان الحوثيون قد رسموا مسارهم، والمؤتمريون يخافون الضياع بين الحوثيين وبين هادي والإصلاح، وينتظرون صفارة صالح.

توسع الحوثيون في إب والبيضاء والحديدة، وفتحت القبائل أراضيها لهم على اعتبار أن تلك رغبة صالح، ولولا غطاء صالح المعنوي ولعبة الغموض التي سادت بداية توسع الحوثيين لما استطاعوا الاستيلاء على مديرية واحدة في البيضاء أو إب.

اعتباراً من فبراير 2015 أصبح للحوثيين لجنة ثورية عليا، إلى جانب اللجان الشعبية، بينما وضع هادي تحت الإقامة الجبرية، وأدار المبعوث الأممي حوارات لبحث مستقبل اليمن بعد هادي، وكان يمكن أن تحسم الأمور بسرعة لصالح الحوثيين كرأس والمؤتمر كجسد يمكنه تغيير المعادلة لصالحه بسرعة.

خرج هادي من صنعاء على عدن بطريقة يلفها الغموض حتى اليوم، فقد بدت وكأنها نقلٌ للعبة إلى مرحلة مختلفة بغرض تطويلها وتوسيعها لرسم ملامح جديدة لليمن، تحتاج إلى نقل الصراع من المستوى السياسي إلى المستوى الاجتماعي.

تطوع الحوثيون لإكمال متطلبات اللعبة ولم يكتفوا هذه المرة باستدعاء مصطلح (داعش) بل أحضروا ذراع وعقل داعش نفسها لأول مرة إلى اليمن في الـ20 من مارس 2015 بتفجيرات مسجدي الحشوش وبدر التي قدمت للحوثيين خدمة رفيعة في وقت مناسب.

ذهب الشاص الحوثي إلى تعز، وقصفت عدن بالطائرات، وقبلها نفذت مناورة على الحدود السعودية، وتم الإصرار على تضمين الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة على بند محاربة القاعدة في البيضاء ومأرب وتلك كلها مؤشرات مبكرة لتطور الأوضاع بعدها.

أواخر مارس 2015 توجه الشاص الحوثي إلى عدن وكانت آخر محطات توسعه.

عندما تدخل التحالف بقيادة السعودية كان صالح وأقاربه أهدافاً بارزة له، ولم يتم استهداف أي قيادي حوثي ولو بالصدفة.

بدأ الشاص الحوثي بالعودة للخلف لأول مرة منذ خروجه من صعدة أواخر 2013، منتصف 2015 عاد سائق الشاص الحوثي وترك الشاص، ثم دفن مع الشاص في رحلة الانكماش التي بدأت من الضالع وعدن، ولا زالت عملية الانكماش مستمرة حتى اليوم.

فقد الحوثي معظم تعز، وتقدمت قوات الجيش الموالي لهادي إلى مشارف صنعاء، وبدأ تطويق الساحل الغربي من جهة الجنوب.

في القاعة الكبرى جنوب صنعاء مطلع أكتوبر 2016 تجمعت أبرز القيادات العسكرية والأمنية التي كانت امتداداً لعهد الدولة، ويمكن أن تكون بذرة لها من جديد.

قتل التحالف تلك القيادات، وقدم هدية ثمينة للحوثيين، توسعوا دون مصدات ولا حواجز نحو الحرس الجمهوري وأمانة العاصمة وغيرها، والتهم الحوثي الجيش عملياً.

زادت قدرتهم على منح المكافآت، وتقلصت من يد صالح.
حشدوا الآلاف إلى الدورات الثقافية الخاصة بهم، والآلاف إلى جبهات الموت المنتشرة في البلاد.

كانت عملية الانكماش مستمرة رغم كل ذلك، تعمق الحوثي في أراضي سيطرته، واستقوى أكثر فأكثر، فانضم إليه الخائفون أكثر من المحبين، لأن صالح استمر في الغموض، والشرعية لم تنجح في استقطاب أو تحييد أحد، ولم تكن مصدراً لتخويف الحوثي وهي خارج الجغرافيا.

مطلع العام 2017 توسعت عمليات الانكماش من باب المندب إلى المخا إلى حرض وميدي وشبوة ولحج وتعز والجوف ومأرب وصنعاء، كانت الدائرة تضيق وشاص الحوثي يبحث عن طريق يعبره منفرداً، ويرمي بقية الركاب إلى الهاوية.

الشاص الحوثي بدأ يدهس المؤتمريين فيمن يدهس، لكن كل جثة عطلت إطاراً، وتعطب محركاً وتحرق وقوداً، وطارق بدأ ببناء جيش موازٍ قبل أن تلتهمه الجماعة فاستفزها أكثر لأن صالح هدف لها أكثر من سواه عاداها أو حالفها، كانت الجماعة تعرف ذلك كما يعرفه صالح.

أواخر 2017 رفع الغطاء المؤتمري بشكل واضح ولأول مرة عن الحوثي، وأصبح شاصه أعمى وطريقه ألغاماً مؤقتة، ووقوده دماء.

بدأ 2018 والحوثي عارياً ووحيداً أمام الشعب اليمني، صعدة ذاتها بدأت تتآكل والحديدة تذوب وصنعاء تتوثب، والبيضاء تكتسي بياضها كل يوم بتحرير منطقة جديدة، والجوف يلتهم بشراهة جثث الحوثيين، ورمال تهامة تبتلعهم.

كلما شعر الحوثيون بالضعف تعاملوا بتوحش، لكن شاصاتهم التي كانت تزور الحديدة للاستجمام وتكديس الأموال، أصبحت تفر منها في كل اتجاه.

لن يتمكن الشاص الحوثي في رحلة عودته إلى صعدة من الوصول إليها، سيموت السائق، وتتفرغ الإطارات، وتعطب الماكينة، وينضب الوقود، قبور كثيرة ستفتح وتردم دون أجساد بل مجرد أشلاء.

ستنتهي دورة مهمة من دروس التاريخ، الطرق التي فتحت للحوثي للخروج من صعدة، لن تفتح أمامه للعودة إليها.