الحوثيون يغلقون دور الكتب والنشر.. تغيير ممنهج في خارطة اليمن وثقافته

السياسية - Wednesday 18 July 2018 الساعة 09:53 pm
عبدالله أنعم، نيوزيمن، تقرير خاص:

أغلقت، وعلى مدى 4 سنوات من الانقلاب الحوثي في البلاد، عشرات من دور الكتب والنشر في صنعاء ومناطق أخرى تحت سيطرة المليشيات، في عمل ممنهج لحوثنة وتشييع المجتمع وفرض أمية معرفية وثقافية على الأجيال مع بقاء كتب الفكر الشيعي هي المعرفة الوحيدة المتاحة.

واستطاعت المليشيات، ومن خلال ممارسات قمعية وترهيبية، إغلاق دور كتب ونشر أو أجبرت مالكيها على مغادرة صنعاء، فيما تحولت مباني مؤسسات طباعة ودور نشر إلى مطاعم ومحلات تجارية تشهد على جريمة عظيمة بحق الإنسان اليمني في القرن الواحد والعشرين.

وتظهر صور لإحدى كبريات دور النشر المعروفة في اليمن وهو دار النشر للجامعات الواقع في شارع الوحدة (الدائري) أمام الجامعة القديمة بصنعاء، وقد تحول مبناه إلى مطعم للوجبات الغذائية، في صورة تعكس حجم خطر المليشيات وممارساتها في تدمير الفكر والمعرفة والثقافة منذ انقلابها المشئوم.

كما تتعدد المكتبات ودور النشر التي قامت المليشيات بإغلاقها أو التسبب بذلك أو بنهب ومصادرة محتوياتها من آلاف الكتب والمؤلفات المهمة في كل مجالات الحياة أُجبِر إثر ذلك مالكوها على إغلاقها.

العديد من المكتبات ودور النشر المشهورة في صنعاء كدار الفكر للنشر وعبادي للدراسات والنشر ومكتبة خالد بن الوليد وأبو ذر الغفاري، وغيرها من مراكز الدراسات والبحوث العلمية، عملت المليشيات بنهجها التدميري على إغلاقها، في سابقة لم يشهدها بلد من أناس يدمرون العلم والمعرفة ويبنون صوامع للجهل والتجهيل.

تقول الكاتبة والباحثة الاجتماعية ابتسام عبدالقادر ل"نيوز يمن": هناك مشكلة كبيرة يتجاهلها الكثيرون وتشكل خطرا أعظم من خطر الانقلاب ذاته، يتمثل في تدمير مليشيات الحوثي للمجتمع معرفيا وثقافيا وعلميا ومحاولة طمس هويته الثقافية والدينية من أجل خلق مجتمع وجيل أمي يؤمن بخرافات المليشيات الإيرانية ونهجهم الطائفي ومسخ قومية اليمن العربي الإسلامي.

وتضيف، كباحثين نخسر كثيرا في ظل هذا النهج المليشاوي ولم يعد هناك فرص أمام الشباب والباحثين أن يحصلوا على المعرفة الشاملة في مجالات الحياة المختلفة في ظل تغييب الكتاب وتحريم ومنع كتب ومؤلفات ومصادرتها من قبل المليشيات وإغلاق دور النشر والمكتبات.

وتشير "عبدالقادر"، إلى أن تقدم الأمم وتخلفها يقاس بمدى انتشار وتوفر البحوث والدراسات والمكتبات ودور النشر، فيما تعمل المليشيات على النقيض في تدمير ذلك ومحاولة تجهيل الأمة في هذا البلد الذي دمرت المليشيات كل شيء جميل فيه.

سياسة الترهيب والتنكيل

وبسياسة واستراتيجية ثابتة اسخدمت المليشيات وسائل التضييق على مالكي المكتبات ودور النشر عن طريق الاعتقال أو مصادرة الكتب التي تعتبرها المليشيات ضلالية واستبدالها بكتب شيعية إيرانية إلى جانب فرض جبايات مالية تفوق قدرتهم على دفعها.

واعتمد الحوثيون على سياسة القتل والاعتقال ونهب من لديه مكتبة تبيع الكتب بمختلف توجهاتها مما أجبر الكثيرين على الفرار وإغلاق مكتباتهم لتقوم المليشيات بمصادرتها.

الباحث التاريخي علي سعيد يقول ل"نيوز يمن"، إنه ليس هناك من شيء أخطر على أمة من تجهيل ناسها وهو ما تمارسه المليشيات الحوثية بحق دور كتب ونشر كان لها إسهام كبير في نقل ونشر المعرفة والعلوم ووفرت وسائل طباعة ونشر مؤلفات مئات المؤلفين اليمنيين على مدى عقود من الزمن ورفد الثقافة والمعرفة بمئات الآلاف من المؤلفات من مختلف الثقافات الإنسانية.

ويرى "سعيد" أن المليشيات الحوثية تعمل وفق أجندة إيرانية مرسومة لتغيير هوية وثقافة المجتمع اليمني عبر إجراءات وممارسات ممنهجة لتغيير ديموغرافيا صنعاء ومناطق تحت سيطرتهم بدأت من مناهج التعليم ونهب ومصادرة وسائل المعرفة والإعلام وإغلاق المكتبات ودور النشر ومراكز الدراسات والبحوث العلمية ما عدا تلك التي تمثل فكرهم الشيعي الإيراني.

ويقول "سعيد"، إنه يشعر بالأسى على ما يتعرض له اليمنيون من تدمير لهويتهم ووسائل المعرفة حين يمر على مكتبات ودور نشر ويرى كيف تحولت إلى محلات تجارية ومطاعم أو تلك التي أغلقت أبوابها، في صورة تعكس حجم الحقد المليشياوي على اليمن وناسها وكيف ينفذون أجندة خارجية لتدمير اليمن واليمنيين في كل جوانب الحياة.

وأوضح أن إغلاق المليشيات للمكتبات ودور النشر يعكس حالة المليشيات التي تحكم صنعاء اليوم وإعادتهم تشكيل الجهل والأمية بممارسات ممنهجة من أجل تحويل الأجيال إلى خدم لهم انطلاقا من معتقدهم بالحق الإلهي في التسيد وغيرهم عبيد.

زيف النسب المقدس..

في الجانب الآخر عملت المليشيات الحوثية منذ دخولها صنعاء على إيقاف العديد من مطابع الاوفست وصادرت ونهبت أخرى، كما استولت على تقنيات وأجهزة الطباعة لتستخدمها في طباعة ونشر آلاف الكتيبات والملازم وكتبها الطائفية وصحفها أيضا والنشرات التي تروج لطائفية الحوثيين.

وتتعدد الصور التي تكشف هول ما تصنعه المليشيات بحق الإنسان اليمني واستهدافها للعلم والمعرفة في سبيل تجهيل الأجيال وتحويلهم إلى مجرد تابعين ومليشيات مقاتلة تسخرهم لخدمتها واجندتها الأيديولوجية في تغيير الهوية الثقافية والحضارية لليمن العربي المسلم.

وقد عملت المليشيات بصورة ممنهجة منذ زمن طويل في خدمة معركتها ومنعت طباعة كثير من الكتب، بل إن بعض المؤرخين يتهم اللوبي الإمامي بإخفاء ثلاثة أجزاء من موسوعة الإكليل للمؤرخ اليمني أبوالحسن الهمداني التي تفضح زيف وبدعة النسب العالي والمقدس لهذه الجماعة.

وشهدت معركة المليشيات الحوثية منذ انقلابها وقائع كشفت أهدافها البعيدة ومنها ما قام به رئيس المكتب السياسي للحركة الحوثية صالح الصماد الذي قتل بغارة جوية للتحالف في الحديدة، وأحد قياداتهم المدنية حسن زيد، من زيارة للقاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني مفتي الجمهورية اليمنية وأحد أبرز القامات العلمية والفقهية اليمنية التي لا يختلف عليه اثنان وكان مضمون الزيارة إخبار الشيخ بمصادرة المكتبة العلمية التي تتبع مركز العمراني العلمي لأنها تحتوي على "فكر وهابي داعشي"، وأظهرت الصور أن مخاطبة الشيخ العمراني كانت مقززة ومستفزة للمجتمع ورسالة واضحة أنه لاقبول للطرف المتزن في مذهبهم الطائفي.

تشييع المناهج الدراسية

تتكشف لليمنيين يوماً بعد آخر حقيقة هذه المليشيات والذين أفاقوا على وقائع أحدثت صدمة قوية في وعي المجتمع الذي شعر بالخطر من هذه الجماعة المتمردة على كل المكتسبات التاريخية والعقائدية والثقافية والسلوكيات الإنسانية لأبناء المجتمع اليمني والتي أظهرت فيها مليشيات الحوثي المسلحة أهدافها الحقيقية وما تسعى إليه من تغيير مؤدلج في بنية المجتمع وتركيبه وإعادة صياغة الخارطة السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية في المنطقة بشكل عام.

وجسدتها أيضاً بشكل مفضوح بتغيير المناهج الدراسية، حيث نشرت صور لكتاب الصف الأول الابتدائي وقد حذف منه اسم عمر المجرد من أي صفة أو كنية واستبداله باسم محمود وحذف مقرر سورة النور من كتاب الصف التاسع لاحتوائه على براءة السيدة عائشة رضي الله عنها، الأمر الذي كشف للجميع عن معركة كبيرة تدور بعيداً عن الأضواء وساحاتها الوعي والعقل

حيث دأبت الجماعة منذ البداية على استهداف المناهج المدرسية وضمنت المقررات المدرسية معاركهم المجنونة ضد الصحابة وبالذات أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وأم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها.

في سياق متصل عمل الحوثيون على تشكيل لجانٍ طائفية لتفتيش مكتبات المدارس ومصادرة كتب العقيدة الإسلامية التي تتعارض مع عقيدتهم وتشيعهم وإرسال مندوبين من الحوثيين للمدارس لنشر الفكر الحوثي الشيعي في طابور الصباح وفي الصفوف المدرسية.

ويقول الناشط السياسي "فهد غلاب" ل"نيوز يمن"، إن الحوثيين يتحركون وفق منهج عقدي ومشروع فكري إيراني وأن ما يمارسونه من أعمال تستهدف كل ما يخص العلم والمعرفة والثقافة دليل على نيتهم الخبيثة في ترسيخ مفاهيم فكرية وعقدية جديدة على الشعب اليمني قائمة على المذهب الشيعي الرافضي.

‏وأكد "غلاب" أن الحوثيين يعملون وبسياسة ممنهجة لتجهيل الأجيال ووضعهم تحت وصاية فكر التشيع كهدف بعيد المدى لتغيير هوية وثقافة ودين المجتمع، لذلك يعملون وعبر لجان وفرق خاصة على ملاحقة المكتبات ودور النشر والعمل على إغلاقها ومصادرة وسائل المعرفة بشتى أنواعها.

وأشار "غلاب" إلى أنه إذا لم يتم تدارك هذا الخطر الطائفي ستكون هناك مشكلة كبيرة في هوية وثقافة الأجيال، حيث إن زرع الأفكار المستوردة سيكون له تأثير كبير على الشعب اليمني في مستقبل الأيام، وأن ذلك سيكون ظاهرا من خلال انخراط الكثير من الشباب الذي تم تجهيله في صفوف هذه المليشيات.

وأضاف "غلاب"، أن التحريض الطائفي الذي تمارسه هذه المليشيات من داخل مدارس التعليم والجامعات وعملها على تدمير مصادر المعرفة سيؤثر بشكل كبير على تغيير ثقافة وهوية المجتمع خصوصا فئة الشباب ويقودهم للعنف والطائفية.

‏وشدد "غلاب" على أن هناك فجوة ثقافية ودينية استحدثها الحوثيون خلال السنوات القليلة الماضية تحتاج إلى سنوات طويلة لردمها من خلال استهداف المليشيات الإيرانية للفكر والثقافة والهوية اليمنية.

مكتبات المساجد لم تنجُ من التدمير

وتنفذ المليشيات الحوثية حملات ممنهجة ضد عدد من المساجد في العاصمة صنعاء ومصادرة ما تحتويه مكتباتها من كتب تراثية إسلامية تصفها المليشيات بالضلالات، بالتزامن مع حملة كبيرة لإغلاق مكبرات الصوت في معظم المساجد، في خطوة تهدف إلى إلغاء حريات ممارسة الشعائر الدينية.

وصادرت المليشيات آلاف الكتب الدينية في عشرات المساجد الواقعة في أمانة العاصمة، وأفرغت كافة الكتب الدينية الموجودة في مكتبات تلك المساجد واستبدلتها بملازم حسين الحوثي، وفقاً لشهادات عدد من المصلين.

ورغم ممارسات المليشيات وتصرفاتها بحق مكتبات المساجد بأمانة العاصمة، تبقى مظاهر الاستياء لدى المواطنين في حدود الرفض غير المعلن؛ بسبب لجوء المليشيات الحوثية إلى السلاح في التعامل مع أي تعبير رافض لهمجيتهم.

أجندة حوثية لطهرنة صنعاء بتمويل إيراني

وفي موازاة حربها العسكرية على اليمنيين، تعمل المليشيات الانقلابية منذ سيطرتها على البلاد، وبنَفَس طويل على تغيير هوية المجتمع اليمني الثقافية والتاريخية والمعرفية لتنفيذ أجندة سياسية تسخر لها موازنات مهولة تمولها إيران.

وتتضاعف المأساة في البلاد مع استمرار أمد حرب المليشيات الانقلابية الحوثية وبقاء سيطرتهم على صنعاء ومناطق أخرى لترتفع معها خطورة التغييرات الثقافية والاجتماعية التي تنهش في جسد وقيم المجتمع اليمني المحافظ بسبب ممارسات حوثية إيرانية تدفع المجتمع نحو هاوية الفقر والجهل وتغيير هويته العربية والإسلامية وعاداته وتقاليده الأصيلة.

وتعمد المليشيات الحوثية، وعلى مدى 4 سنوات من انقلابها وحربها، إلى خلق شرخ اجتماعي غائر في المجتمع وخطر كبير بسبب الفتنة الطائفية التي تجسدها المليشيات في سياستها المفروضة بمناطق سيطرتها وسعيها إلى تشييع المجتمع وتغيير هويته العربية والإسلامية.

يقول مراقبون، إن العاصمة صنعاء لم تعد صنعاء التي يعرفها الناس بقيمها الأصيلة المحافظة والقائمة على التعايش والترابط والتكافل الاجتماعي والثقافي والإنساني لتحولها المليشيات إلى عصبات طائفية تزرع فيها الحقد والتنافر من خلال فرض سياسة طائفية تهدم البنية الاجتماعية والثقافية والدينية في المجتمع.