حوار استثنائي- المناضل والشاعر عبدالصفي هادي، ابن ردفان و"التحرير" الذي قاتل الإماميين في يسلح

السياسية - Friday 09 November 2018 الساعة 04:51 am
القاهرة، نيوزيمن، حوار خاص:

مقدمة:
حين يجتمع الأدب والشعر، والنضال والثقافة، والحكمة والشجاعة، والذاكرة المليئة بالأحداث والقصص، والمخيلة المتقدة بالهواجس والأفكار والرؤى والطموحات؛ وتتجلى شرارة أكتوبر العظيم، وحصار السبعين، ومقارعة الملكيين، ويبدو الجلاء ناصعاً كالشمس.. لا بأس أن تصاب "بنكسة حزيران" ثم تنهض مع "نصر أكتوبر"، لتكتب القصيدة الأولى بل القصيدة المائة والافتتاحية الأهم.

تعبر الضفاف إلى واحات الشعر، تسافر في الكتب والأمصار، تحمل هموم الوطن وأوجاع الناس، تعبر بالكلمة والقصيدة الطلقة، تخطط لانقلاب أبيض على الواقع، لا تُسلم بالهزيمة ولا تقبل بالرتابة.

ضيفنا صاحب علاقة طيبة مع الجميع، يحمل الكثير من الرؤى والأفكار، موسوعة في اللغة وبحورها، نابغة في الأدب.
عرفته عن قرب، حاملاً راية المحبة والسلام، شجاعاً، متوشحاً بوشاح المعرفة، يسافر بخياله وذاكرته إلى أقاصي الأزمان.

عاصر أحداثاً كثيرة، عمل في الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون، كتب القصيدة العربية الفصيحة، والقصيدة الشعبية، والأغنية الثورية، وكتب نشيداً وطنياً رائعاً غير أنه ظل حبيس الأدراج، له سيرته الخاصة، ومسيرته المليئة بالذكريات والقصص.

(اشْعَلتْ كل الذي في مهجتي.. بعثتْ عندي غراماً كان ناما
ذكرتني بعض من فارقتهم.. جيرة كم كنت فيهم مستهاما
وحدهم من نوروا لي ليلتي.. وغدوا في دنيتي نعم النّداما)!
إنه ابن ردفان الشاعر والمناضل/ عبد الصفي هادي.

القاهرة، محمد عبده الشجاع:

**بما أننا لا نزال في مرحلة الكفاح والنضال والصراع أيضاً، كيف بدأ الأستاذ عبد الصفي هادي حياته في هذا الجانب، خاصة وأنت من مواليد زمن الثورات الأم؟ والتحرر من المستعمر؟

بعد ثورة 26 سبتمبر انتقلت إلى مدينة تعز، وبقيت أتردد عليها كلما شعرت بمضايقات، سواء من قبل المعادين لجبهة التحرير أو من قبل الاحتلال الانجليزي، وقد تم نشر صورتي من قبل الإنجليز بعد ثورة أكتوبر كمطلوب.

كنت من أوائل الذين لبوا النداء، في تعز التقيت بالكثير من المناضلين بعضهم كانوا رفاقاً لي، حتى جاءت لحظة كان فيها جماعة القيادة العربية في تعز، وكانوا يقومون بتجميع بعض المناضلين لابتعاثهم للدراسة هنا في الكلية الحربية في القاهرة فكنت واحدا منهم، كان ذلك بداية 66م درست سنتين، عدت بعدها إلى صنعاء في لحظة الصراع بين "الجمهوريين والملكيين" كان هناك المشير "حسن العمري" رئيس الوزراء أحد الذين يدافعون عن صنعاء، فكان لابد من المساهمة في معركة حصار السبعين يوماً، فقد طلب مني يومها أن اتجه إلى "يسلح" حيث كانت هناك معركة وحشود كبيرة للملكيين، وكان الغرض منها مساعدة إخواننا الموجودين هناك.

**على اعتبار أن معركة يسلح هي بوابة الدخول إلى صنعاء؟

نعم. وهي أيضاً بوابة المناطق الوسطى، فكنت واحدا من الذين جاؤوا للمشاركة في تلك المعركة رغم أننا هُزمنا كون الملكيين كانوا متمترسين في الجبال، استمرت المعركة ثلاثة أيام خسرنا فيها الكثير من الأصدقاء والزملاء والرفاق، "نصر بن سيف بن مهتم"، "هاشم عمر"، "عبد الله المجعلي" و"حسين موقد"، حوالي سبعة الذين سقطوا من رفاقي في معركة فك حصار صنعاء.

**نصر بن سيف سقط في ذات المعركة؟

نصر هو من أبناء ردفان كان بطلاً ومثقفاً كبيراً، هو لم يسقط بل اختفى تماماً، هو وهاشم عمر، كما اختفى فيما بعد أبو جلال العبسي.
كان الغرض من كل ذلك القضاء على كل من تبقى من جبهة التحرير، كان لا يزال هناك جيوب للانجليز وعملائهم.

عدنا بعدها إلى تعز وبقيت فيها، طبعا كان هذا بعد أن حسمنا المعركة كجبهة، أنا في جبهة التحرير والجبهة الأخرى القومية، وبحكم أن الجبهة القومية كان لها علاقتها برواد في الجيش "عقداء وأمن عام" مثل، "علي حسين عثمان عشال"، والعقيد "صديق بن أحمد"، و"محمد علي هيثم"، و"مجور"، و"حيدر الهبيلي"، و"فضل عبد الله العولقي"، كانوا دعموا الجبهة القومية ضد جبهة التحرير واخرجونا من الشيخ عثمان.

في 14 مايو 69م هرب سالم ربيع علي "سالمين" أيضا إلى تعز وكان حينها قائدا مرموقا في اللجنة التنفيذية للجبهة القومية، هو وعبد الفتاح إسماعيل، وعلي عنتر، وفيصل عبد اللطيف، التقينا جميعا في تعز من أجل الترتيب لتصحيح الوضع.

**أي وضع تقصد؟

وضعنا كمناضلين من الجبهتين القومية والتحرير، وكنا اتفقنا على اقتسام السلطة في حال العودة بعد الانتصار على "قحطان الشعبي" وتشكيل بعد واحد، وانهم بعدها قلبوا ظهر "المجن" بتنكرهم لنا، وكان أول استلامهم للسلطة بتاريخ 22/يونيو/1968م، بمعنى أن كل الكلام الذي اتفقنا عليه في تعز شارع 26 سبتمبر في صيدلية "العطاب" لم يعمل به.

**بمعنى أن من استلم الحكم فيما بعد كلهم من الجبهة القومية؟

نعم. والجبهة القومية تنقسم إلى فريقين ففي عام 13 يناير 66م وهي غير 13 يناير 86م وانظر ما أشبه الليلة بالبارحة، في هذا التاريخ من العام 66م حصلت عملية دمج بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، وأنا ممن كانوا قبل ذلك جبهة قومية اندمجوا في جبهة التحرير وهم أرادوا أن يحييوها في 13 يناير 86م، إنها لعبة انجليزية استخبارية بريطانية.

** ما هي قصتك مع حركة 27 يوليو 68م؟ وما هو سبب التخوف الكبير من جبهة التحرير؟

حركة 27 يوليو 68م كنت أقودها أنا وقد قامت على أساس تغيير النظام بعد أن ظهر بهوية غير مضبوط، لأنهم استلموا السلطة من الإنجليز، فكانت هناك شكوك حول ارتباطهم بالإنجليز، وحدث بينهم اتفاق في "جنيف" على تسليم السلطة، كان هناك قائد انجليزي إسمه "شاكلتون" اتفقوا معاه على استلام السلطة مقابل عدم مطالبتهم بتعويض، وطلب منهم قطع المحادثات والعودة إلى عدن، وهي قيادات كبيرة منها "فيصل عبد اللطيف"، و"عبد الفتاح إسماعيل"، وحتى "قحطان الشعبي". وهم ممن أوعزوا للعقداء "حيدر العبيلي"و "زايد فضل عبد الله العولقي" و"زايد حسين" و"عشال" و"زايد عبد الله السبعة" و"المجور"، كل هؤلاء كما أسلفت وقفوا مع الجبهة القومية في معاركنا التي دارت في الشيخ عثمان، ودفعوا بارتال من الدبابات من أجل إخراج "جبهة التحرير" من البلاد.

كان عندك "محمد سالم با سندوة"، و"عبد الله الاصنج" محسوبين على جبهة التحرير، لكنهما غير راضين عنا، وهؤلاء بالتحديد معروف عنهم أنهم كان ممكن يبيعوا البلاد في أي لحظة، لأنهم انتهازيون، والاصنج معروف عنه، رحمه الله، تلك مرحلة وطويت، أيضا با سندوة أكبر "انتهازي" في التاريخ، وأنا أقول الحقيقة التي يجب قولها؛ اتفقنا وعملنا بيانا كان التنسيق مع "عبد العزيز شمسان المقطري"، واتفقنا مع "عشال" والبقية على أن نقدم على حركة تطيح برأس النظام (قحطان الشعبي) كان هذا في عدن، لكن بعدها رتبناها مع قيادات مثل "عبد الغني مطهر" والذي كان حينها محافظاً لتعز و"عبد القوي مكاوي" و"علي بن علي هادي" وهو قائد أول قبل "علي عنتر" وقبل "علي شايع"، وهو من أشهر قيادات الضالع، أنا سبقت ورتبت الأمور على أساس يصلوا وكل شيء مرتب، واتفقنا حتى مع "محمد علي هيثم" نقوم بالحركة والبيان كان جاهزاً، توكلنا على الله لإسقاط قحطان والجماعات التي تدعمه، يعني كان انقلاباً أبيضَ وبطريقة ذكية، با سندوة كان في ردفان وكانت هناك ميزانية لا تقل عن تلك التي لدى "منظمة التحرير الفلسطينية"، وكان الدعم من كل العالم من المحبين، وكان هو المسؤول المالي وكنت أنا نائبه، وهذه الميزانية تم لهفها بعد فشل حركة 27 يوليو، وقد كان هذا جزءا من التخوف من جبهة التحرير والوقوف ضدها ومحاولة إفشالها.

**تقريباً نفس الإشكالية التي حدثت مع انقلاب الناصريين في الشمال ضد صالح 78م، والذي فشل وتم إعدام قيادته وكان على رأسهم "عيسى محمد سيف"، كان لديهم ميزانية ضخمة حينها وقد ذهبت أدراج الرياح؟

ربما..
عدتُ بعدها والتحقت بسلك التعليم، كنت مديراً لمدرسة إلى أن التقيت بالرئيس "علي ناصر محمد" شافني في أحد اللقاءات وقال لي أنت مناظل كبير ما هو المطلوب مننا؛ أجبته بأنني لا أطمع بوظيفة كبيرة كل الذي أريده أن أعمل في المجال الصحفي، أريد أن أعبر عن رأيي واعيش مع الناس، على اعتبار أنها نافذة جيدة للاختلاط مع الناس والاقتراب من أوضاع البلد وإقامة العلاقات.

**اعذرني للمقاطعة بحكم أنك عاصرت كل هؤلاء الرؤساء في الجنوب من قحطان الشعبي، الى سالم ربيع علي، وعبد الفتاح إسماعيل، ثم علي ناصر محمد، وعلي سالم البيض، وهذين الأخيرين ما يزالان على قيد الحياة، من من هؤلاء كنت تشعر أن لديه القدرة على قيادة الجنوب؟

الحقيقة أنا كنت ولا زالت وهذه قناعتي أن "علي ناصر محمد" هو الأجدر وأنه رجل دولة، لكنه وقع في خطأ أحداث "يناير" فقد انقاد لجماعة، "أحمد مساعد حسين"، و"محمد علي أحمد"، وفعل فعلته أو بالأصح فعلوا فعلتهم تلك وربما ليس له علاقة بالموضوع، فقد خرج هو في الصباح الباكر ويده مربوطة كان مصاباً بطلق ناري من قبل جماعة كانت تطلق النار على منزله، ومن قاموا بالأحداث وأنا اعزو هذه الأحداث إلى قيادات أخرى، هذا فقط للتاريخ وقد نسينا كل الذي جرى، وحدث التسامح والتصالح، وتلك كانت مرحلة وحقبة زمنية تم تجاوزها.

**ما حدث في يناير كان خطأً فادحاً وكارثياً؟

طبعاً، خاصة وأن الذي حدث كان بين جماعات رفاق ومتفقين، لكن في لحظة تغير كل شيء، هناك أمور حصلت فيما بينهم أدت إلى تلك الأحداث.

**تعتقد أن الصراع كان على الكرسي وحسم أمرها، أم أن هناك دوافع وارتباطات خارجية لها حساباتها؟

أنا لا استطيع الجزم حقيقة وإن كان الارتباط موجودا، بعضهم ارتبط بالسوفييت والبعض الآخر بالإنجليز.

**أين كنت في بداية أحداث يناير؟

كنت في عدن، وكان كل واحد يحاول يحسبني على الآخر لكنني حاولت أن أتجنب كل هذا.

** لكن الأمر وصل إلى حد التصفيات بحسب الهوية أعني بالبطاقة الشخصية؟

نعم. لكن نحن كنا في الأيام الأولى وهي التي كانت تشكل خطراً على الكثير من الناس ومنهم أنا، لم تكن تربطني أي علاقة بالحزب الاشتراكي لذا كان كل طرف يحسبني على الآخر هذا بحكم انتمائي ل"ردفان"، وهي في إطار مثلث تشكل قاعدة للمثلث؛ يافع والظالع وهم يشكلون بعداً واحداً، والطرف الآخر الذي يتبع على ناصر محمد والذي كانت علاقتي به علاقة جيدة.

**التقيت به فيما بعد؟

نعم التقيت به عدة مرات، الرئيس علي ناصر محمد ممن يستحقون التواصل وإقامة العلاقة معهم.

**المتابع للمشهد يجد أن علي ناصر محمد في الأحداث التي وقعت بعد خروجه من البلد سواء أحداث 94م أو ما بعدها وحتى اليوم، وهو يحاول أن يقدم مشروعا للتصالح أو الخروج من هذه الصراعات، لكن كأن هناك عائقاً يقف أمامه أو يمنعه من التحرك والتنفيذ؟

بالفعل ظل يحاول، وهو الآن بيده فعل شيء، لا يزال محل تقدير واحترام عند الكثير بحكم أن الرجل لم تكن له يد مباشرة في أحداث يناير، وهذا ما ذكره البعض من المحسوبين عليه ومن غيرهم، لكن ظل مرتبطاً بهم بحكم أنهم كانوا محسوبين عليه.

اليوم لديه مشروع أيضاً أو مبادرة كنا ولا زلنا نباركها بأن اليمن يتخلص من كل هذا الدمار والصراع وإراقة الدماء بعد أن تدخلت أطراف عديدة قادت البلد إلى منزلق خطير، مبادرته التي أطلقها وما زال يدعو إليها ألا وهي تشكيل "دولة اتحادية من إقليمين" والكل رحب بها وباركها، وأنا شخصياً أبارك هذه المبادرة لأن هناك أملا أن نخرج من هذا الصراع ونعيد ترتيب الأوضاع.

**بالنسبة لدولة إقليمية بأكثر من إقليمين؟

هذا المشروع فيه خوف على اليمن وتمزيق للنسيج الاجتماعي، وهذا سيعقد من المشكلة، ومن الصعب إعادة الأوضاع بسهولة إلى طبيعتها، وأما مشروع ستة أقاليم أو أقل لا يخدم اليمن من وجهة نظري على الإطلاق.

**دعنا نعد إلى ردفان وأنت من مواليدها؟

نعم أنا من مواليد 47م وهي مسقط رأسي ارتبطت بها وأول عمل مهني لي كان التدريس فيها ثم انتقلت إلى لحج ومنها إلى عدن.

**علاقتك بوالدك كونه كان يعمل في القضاء هل كنت ترافقه أو تعينه؟

لا.. الوالد توفي وأنا صغير ما أزال طالبا في أحد مدارس ردفان.
كان أبي هو من يكتب الوثائق (البصائر) بخط يده، المتعلقة بالأرض وتقسيمها والبيع والشراء، وإلى اليوم خطه هو المعترف به في ردفان كلها، ففي حال عاد الغرماء اليوم إلى المحكمة فلا يعتمد إلا خط الوالد، رحمه الله.

**التاريخ يعيد نفسه وحكاية الانفصال واردة، اليوم هناك دعوات عديدة من قبل المجلس الانتقالي وغيره، ويجري لها الترتيب لإعلان الانفصال كيف ترى ذلك؟

حقيقة الوضع وصل إلى درجة مخيفة، إما وأن تمزق اليمن أو نحافظ على شيء من العلاقات بيننا كشعب، فإذا كانت الدعوة تحت مسمى اليمن فهذا جيد حتى يتسنى للدولتين إعادة النظر في الكثير من الأمور في إطار هوية واحدة.

**ألا تلاحظ أن حكاية الوصاية على الجنوب انتشرت بشكل كبير، كل جماعة أو طرف يريد فرض نفسه على أنه هو الممثل لمشروع الجنوب؟ لماذا لا يوجد مشروع جامع ولا احتكام للصندوق لماذا يغيب كل هذا؟

يا سيدي يبدو أنه لا زال هناك بعض الحساسيات القديمة قائمة، المجلس الانتقالي برئاسة عيدروس الزبيدي من جهة، والشرعية ممثلة بعبد ربه من جهة أخرى؛ والذي للأسف لم يحسن التصرف وهو كان لفترة طويلة نائب الرئيس علي عبدالله صالح، عاد إلى عدن بعد الانقلاب لكنه لم يقدم مشروعاً حتى اللحظة فيما يخص التعايش بين الناس بصورة أفضل.

**لا أحد يعرف من يسير الأمور اليوم أو كيف تسير، هناك غموض وضبابية؟

الكثير يراقب الوضع، الرجل لا يتواجد في عدن (هادي) معظم تواجده في "الرياض" ودول التحالف أثبتت أنها تساعد على تدمير البلد، وطالما أن عبد ربه منصور هادي يمثل الشرعية وكان قادراً على فعل شيء للبلد.

**هل ما زالت هناك فرصة أمام هادي لفعل شيء أم أنه فات الأوان؟

الرجل معترف به كونه يمثل الشرعية باستطاعته الآن أن يقول للتحالف كفى لقد فعلتم ما فيه الكفاية يجب أن تتغير المعادلة، التحالف يجب أن يغير من نظرته واستراتيجيته تجاه اليمن.

**ألا تلاحظ أن الشرعية فاقدة للقرار تماماً وغير قادرة بأن تقوم بتوجيه التحالف، بمعنى أن تطلعه على ما ينبغي أن نكون عليه اليوم وما هو المطلوب؟

بيد هادي ذلك بعد أن مرت أربع سنوات على عاصفة الحزم التي انطلقت للقضاء على جماعة "الحوثي" لكن الأمور ما تزال كما هي. بيده أن يقول كفى بحكم أن الأمور لم تتغير كثيراً هذا إذا أراد، كون العالم كله معه.

**كيف تقيم عمل السفير والسفارة هنا في القاهرة؟ وهناك شكاوى عديدة من قبل المواطنين؟

أولاً وجود السفير "محمد مارم" خطأ ديبلوماسي وإداري كبير، الرجل متكئ على علاقته بالرئيس عبد ربه منصور هادي بحكم القرابة، فهو غير مناسب خاصة في دولة ك"مصر" أصبحت تحتضن الكثير من اليمنيين، وهم يشعرون أنه لا توجد جهة يلجأون لها، وكأنهم مضيعون شيئا، وأنا كنت وجهت رسالة صوتية للرئيس هادي قبل زيارته الأخيرة للقاهرة وطلبت منه أن يشيل هذا الرجل، لكن للأسف لم نجد أي استجابة.

**بالأمس أضافوا له سفيرا غير مقيم لدولة "جزر القمر" كيف تقرأ هذا؟

هذه كانت إضافة لكي يستفيد أكثر من المخصص المقرر لسفارة اليمن في جزر القمر، إلى جانب مخصصات سفارة القاهرة، وهذا هو الفساد بعينه أن تكافئ فاسداً بفساد أيضا.

** عودة إلى مقامك الرفيع وتاريخك النضالي، بماذا تحب أن يناديك الناس؟ عم عبد الصفي، أم الشاعر، أم المناضل؟

أنا أود أن أعيش ما بقي من عمري كشاعر للناس ومع الناس.

**بعيداً عن وجع الساسة والسياسة؟

يبدو لي أن الخوض في السياسة غير مجدٍ في ظل كل هذه الأحداث المتداخلة والتي أخذت منحى غير طبيعي، لكن في النهاية أنت مضطر أمام هذه التحولات والمستجدات.

**لو سألتك أين كان عبد الصفي هادي ليلة "النكسة" أو أيام هزيمة العرب في حزيران 67م؟

كنت هنا في "القاهرة" وكنت من الذين عاشوا في مواقع المواجهات، كنت ضمن الحراسة هنا في مطار القاهرة الدولي ومطار "الماضة" الحربي وكنت حينها لا أزال طالباً.

**أيضا بمناسبة مرور الذكرى ال45 لمعركة نصر أكتوبر أين كنت في هذا التاريخ؟

نصر أكتوبر كان 1973م حينها كنت في عدن وكانت العلاقات في انتكاسة، فقد أقدم الرئيس "أنور السادات" على قطع العلاقات بالجنوب، وقال عبارته المشهورة:
هذه التي تسمي نفسها جمهورية وهي لا ترى بالعين المجردة واسمها اليمن الديمقراطي وهي ليست شيئا يذكر.
حتى موت عبد الناصر جاء وأنا في عدن وقد أغمي علي من شدة حبي لهذا الرجل، وشعرت أن الأمة قد فقدت قائدا عظيما لا يعوض وفي مرحلة عصيبة ونحن بأمس الحاجة إليه.

**نصر أكتوبر كيف قرأته خاصة وأنه مثل انتصاراً كبيراً للأمة العربية بعد العديد من الانتكاسات والهزائم فقد وحد العرب من المغرب العربي إلى اليمن والكويت والعراق والشام؟

الحقيقة أن الأمة هنا تجاوبت مع مصر عبد الناصر برغم رحيله، فالعام 73م كان لا زال يمثل عبد الناصر، وقد صدر كتاب للرئيس أنور السادة نفسه بعنوان "يا ولدي هذا هو عمك جمال"، وكان السادات لا يزال يسير على خطى ناصر خاصة وأن هذا الأخير قد رسم في عهده الكثير من الخطط ومن ضمنها التحضير لهذه المعركة معارك حرب الاستنزاف، واجتياح خط برليف، وكثير من الأدوات تم شراؤها في عهده، وكانت علاقته قوية بالاتحاد السوفييتي.

**كيف تقرأ الدور الروسي خلال الفترة الماضية واليوم مع العرب من ناحية المصداقية مقارنة مع الدور الأمريكي والأوروبي؟

الروس أكثر صدقاً من الأمريكان، والروس يدركون أهمية العلاقة مع العرب خاصة وأن العرب كل ماضيهم كان مرتبطاً بأوروبا، وأنه سيكسبهم شيئا، خاصة وأن عبد الناصر قد أعطاهم موطئ قدم في العلاقات مع العرب.

**الدب الروسي كان ولا زال طموحه الخروج من المناطق الباردة وأي فرصة تأتيه عليه التمسك بها؟

بالتأكيد وهي كانت ولا تزال فرصة للعرب أيضاً لكن يبدو أننا لم نجد استغلال هذه العلاقة بالشكل المطلوب.

**بالعودة إلى اليمن، هل تعتقد أن أحداث يناير قد تتكرر من جديد؟

لا أظن أنها ستصل إلى هذا الحد، فأنا يتهيأ لي أنهم قد عندهم خبرة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
"اللهم اجعل لي عبرة ولا تجعلني عبرة".
أعتقد بعد كل هذه الدماء التي سالت من أجل أهواء واطماع لن تتكرر، لذا على اليمنيين أن يكونوا أكثر حكمة وأن يتجنبوا الانقسام والاقتتال.

**بكل صراحة ما الذي كان ينقص نظام علي عبد الله صالح ولماذا تهاوت الوحدة اليمنية بهذه الصورة؟ هل المدخلات كانت خاطئة أم أن التركيبة السياسية وتداخلها شكل فجوة؟

شخصياً كنت حريصا على أنه وطالما دخلنا في وحدة ينبغي أن تستمر مع تصحيح مسارها من الداخل.
كانت هناك جماعة في الجنوب سواء الذين شاركوا في صناعة الوحدة مع صالح أو الآخرين كان لديهم تعامل غير مضبوط، فالنظام في الشمال برئاسة صالح كان يمارس علاقة "الكيل بمكيالين" فكان مع الجنوبيين قاسيا ولم يفعل للجنوب أشياء كثيرة، دعنا من حكاية الأمن والاستقرار الذي حصل وكان أفضل مما هو بعد، لكن ظلت النظرة أنه لم يعمل شيئا للجنوب، وكانوا يفكروا أن يجنوا أشياء كثيرة من الوحدة حتى حياتهم المعيشية لم تنضبط.

لكني أسلم أن هناك أمورا كثيرة في عهد صالح كانت أفضل مما صارت عليه بعد بكثير مثل الماء والكهرباء، حتى الاستقرار المعيشي برغم ضعفه إلا أنه كان هناك استقرار، لم ينهر الريال كما هو اليوم.
إخواننا في الجنوب قلبوا ظهر "المجن" وبدلاً من أخذ موقف من صالح ونظامه فإنهم قد اتخذوا موقفاً من كل شيء، واعتبروا أن كل ما هو في الشمال يجب الوقوف في وجهه، سواء صالح ونظامه أو غيره، وهذه نظرة قاصرة، فطالما أنت سعيت لتوطيد العلاقات الأخوية مع شمال الوطن فلا يجب التفريط بها، وإن كانت المآخذ على أشخاص فهم ذاهبون.

**اليوم لا تجد هناك شخصية أو قيادة بارزة على مستوى الشمال والجنوب وخاصة في الجنوب؛ تلك الشخصية العاقلة المتزنة التي يمكن أن تحظى بإجماع؟

صحيح كان أملنا بعبد ربه منصور هادي أن يشكل هذا البعد، لكنه ظهر بصورة غير معقولة، تصرفاته كلها توحي بأنه ما يزال مشدودا إلى الماضي، هذا الرجل إذا كان أحسن التصرف من السهل أن يذهب أبعد مما نحن عليه الآن، وكان يمكنه أن يحتضن الجميع بدون استثناء ويبدأ بداية جميلة، خاصة وأن الناس قد كرهوا ما يجري ووصلوا إلى مرحلة خانقة.

**بمعنى أنه لم يكن عند طموح الناس وآمالهم في الشمال والجنوب؟

يا رجل أسألك أنت كمتابع للوضع ومراقب له ما الذي فعله هادي منذ أن عاد إلى عدن قادماً من صنعاء.

**على مستوى الخدمات ربما لم يصنع شيئاً؟

نعم على المستوى الخدمي وغيره سوى الدمار، البلاد تدمرت وعدن أيضا تدمرت، الآن هذه جماعات تختلف معه على حكاية عدن، هادي موجود على أساس أنه نقل العاصمة إلى عدن وكان ينبغي أن يكون موجودا فيها باستمرار هو ورئيس الوزراء فما الذي فعله؟ دمرت عدن وهي الآن تعيش في حالة يرثى لها، الأوضاع تعيسة وعبد ربه لم يفعل شيئا يؤكد حسن نواياه حتى الآن، وهذه جماعات تختلف معه على هذا الأساس، فإما أن يخرسها ويسكتها ويبدأ، ولأن البداية لم تكن جميلة وإلا كان وقف معه الجميع ضد هذه الجماعات، لكنه هو من منحهم فرصة مناصبته الندية والخلاف.

**بتعيينه الأخير لمعين عبد الجبار وإعفاء أحمد عبيد بن دغر، هل أراد الرئيس إرضاء الانتقالي؟

أراد أن يراضي اليمن شمالاً وجنوباً لكنه لم يعرف من أين تؤكل الكتف مع العلم أن الجنوب غير راض عنه البتة، بالنسبة لتغيير بن دغر يتوافق مع مطلبهم لأن رائحة حكومته قد فاحت، والناس عانت كثيراً منه ومن المتنفذين والوزراء، علماً أن خلافات هادي مع الانتقالي كبيرة، وإن كانوا هم لا زالوا يحافظون على "شعرة معاوية" باعتباره الرئيس الشرعي والعالم معترف به لهذا السبب، أما دون ذلك فهم ضده وضد كل من عينهم، أنا ليست لي علاقة بأحد وخاصة الانتقالي، لكن هذه قراءتي لما يجري، لذا فأنا خارج كل هذا، لأن الكل ينظر إلي على أنني ما زلت "جبهة التحرير"، الجميع يعاملني كمثقف وشاعر لكن في حالة التصنيف يحسبوني على جبهة التحرير.

**ما تقييمك لرئيس الوزراء الجديد وكيف تم اختياره؟

اختياره نوع من "المكايدة" الرئيس أراد أن يكايد الانتقالي.

**مراضاة وبنفس الوقت مكايدة؟

لا هي مكايدة في الأصل هم غير راضين أنك تأتي لهم بشخص من "تعز" أنا داري بالحكاية كلها، والنقطة التي تحكم اللعبة أن هؤلاء دحابشة وشماليون، ولهذا هم غير راضين أن يكون معين عبد الجبار رئيس وزراء ويتم إقصاء بن دغر برغم كل مساوئه، لكن أن تأتي بواحد من تعز فأنت أقدمت على فعل غير مقبول.

**كيف تقرأ سلطة الأمر الواقع أو بالأصح الانقلاب، الحوثيين كجماعة صاعدة سيطروا على مفاصل الدولة وعلى السلاح؟

يا حبيبي الواحد لو توقف وقرأ الموقف الدولي فقط يرى أن هناك تهاونا وتغاضيا ودعما خفيا وغير منظور، الحوثيون ليسوا إلى هذا الحد من القوة بحيث يقفون ضد العالم كله، وضد اليمن واليمنيين، ويظلون موجودين في صنعاء يعبثون بكل شيء، ولعل ما فعلوه قبل أيام مع المتظاهرات والنساء شيء مخجل، هذه جماعة تشكل إرهابا، لكن العالم صامت، عندك الأمريكان والأوروبيون يقولون إنهم ضد إيران وجماعة الحوثي محسوبة على إيران فما الذي فعلوه، بالعكس فقد ساعدوهم بأن يسيروا في هذا الاتجاه ويظلوا سائرين فيه.

**ألا ترى أن التحالف أتى على كل شيء حتى التي لا علاقة لها بالمعارك ومع ذلك ظل الوصول إلى الهدف الرئيسي وهو الخلاص من هذه الجماعة غائباً؟

أنا رأي هكذا بأنهم لا يريدون إنهاء المعركة لا التحالف ولا القوى الدولية، كل المؤشرات تقول إن الحوثي سيبقى سيبقى وهم راضون عن هذا الوضع.

**هل تعتقد أن يتكرر في الشمال ما حدث بعد ثورة سبتمبر من تقاسم الجمهوريين والملكيين للسلطة؟

كل شيء وارد وجائز إن لم يتفاهم اليمنيون وتبرز شخصية تلتف حولها كل الأطياف للوقوف ضد هذه الجماعة وتعيد للبلاد شيئا من وجهها الجمهوري الذي فقد وتحافظ على ما تبقى لليمن، أما على هذه الحال فإن الوضع سيظل خطيرا.

**اليوم الوضع الإنساني بلغ ذروته من السقوط وصل حد أن البعض يموت جوعاً داخل بيته، فيما هناك على الطرف الآخر نجد تلاعبا بالقضية السياسية، وبالمعونات.. كيف تتابع ذلك؟

الجماعات التي تشرف على كل هذا وبالذات المساعدات الدولية ودول التحالف، تذهب إلى جيوب جماعات موجودة اليوم في الرياض، وهذه ظاهرة خطيرة جداً والناس تموت من الجوع، عندك انقطاع الكهرباء والرواتب الوضع لا يطاق وتعيس جداً. لذا يبدو أن صاحبنا (هادي) لا توجد لديه أي نية لفعل أي شيء.

**كانت هناك نية لإعلان الانفصال التام خلال عيد 14 أكتوبر من قبل المجلس الانتقالي ولا زال الأمر قائما؟

والشرعية؟ يسأل هو.

**الشرعية رافضة لكل ذلك بالتأكيد.

أعتقد أن الإعلان سواء كان جاء في مناسبة عظيمة مثل أكتوبر أو في هذه المرحلة عموماً، نحن أمام اثنين أو أمام طرفين وقدرة أحدهم على الحسم؛ في حال تفاقم الصراع، وهم المجلس الانتقالي المتمثل في عيدروس الزبيدي ومن يدور في فلكه، والشرعية ومن يتبعها، ولصالح الجهة التي تتبنى كل طرف.

**هناك أخبار بأن طرفي التحالف الإمارات والسعودية تدفع باتجاه الانفصال من تحت الطاولة أو أن الأولى تدفع والأخيرة تغض الطرف؟

الواضح الآن هو الإمارات لكن السعودية لا توجد عندي فكرة.

**يقال بأنها ستبارك المشروع بطريقة غير مباشرة.. المهم دعنا نعد إلى الشعر أين تجد نفسك في أي لون؟

بالنسبة للشعر أكتب القصيدة العمودية والتفعيلة، أنا شاعر شامل أكتب القصيدة الغنائية بكل ألوانها أيضا، ولدي الإمكانية والقدرة على كتابة كل الألوان.

**أنا قرأت وتابعت لك بعض النصوص تكتب بجزالة وعمق؟

نعم. والذي يريد متابعتي في هذه المرحلة يمكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لدي ما يقارب أربعة دواوين جاهزة أريد أن أدفع بها للطبع، لكن ما نزال نبحث عن الجهة الممولة.
تلقيت وعوداً من وزارة الثقافة لطباعة ديوان أو ديوانين وإلى الآن لم توف معي.

**حدثنا عن مشوارك في الصحافة؟

أنا طالبت مبكراً بمساحة حرية والاعتراف بالآخر لأن نحن ناضلنا مع بعض، فكان مرة يقصوني ومرة يقربوني في إطار العمل الصحفي، فتنقلت كثيراً بداية الأمر مدرسا، ثم مدير مدرسة، ثم صحفيا ومذيعا في التلفزيون ومعد برامج في الإذاعة.
كانت علاقتي متينة ودائمة بالعديد من الوسط الفني والأدبي والثقافي، من خلال الإذاعة والصحافة والنضال والشعر.
ففي العام 1975م كنت مدير برامج وكنت أعد وأقدم العديد من البرامج، ومنها "الإنسان والأرض" و"نافذة على العالم"، ومن مواقع الإنتاج..
بالنسبة للإذاعة؛ "الأدب الشعبي اليمني"، و"خدعوك فقالوا"، كنت أقوم بالإعداد والتقديم.

**كشخصية مناضلة ومخضرمة ارتبطت بزخم حركات التحرر والثورات في اليمن والوطن العربي عموماً.. ما موقفك من الربيع العربي؟

الحقيقة أحسست منذ البدء أن الربيع ماض في طريق يخدم اللاعب الأول، وهم الأمريكان والأوروبيون، وأنهم لن يستفيدوا شيئا، لأنه طالما وأنهم مرصودون وتحت المجهر، وهذا ما كان مع الربيع الذي تحول إلى خريف عربي، وقد توقعت أن هذا سينهار، الثورة قامت لكن لا يوجد بُعد استراتيجي، ولا يوجد شيء يوحد الثورات جميعها، أقصد وحدة موقف، أو أن يكون لديها حامل واحد من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق.
لكن الذي حصل كل واحد قام بثورته بمنأى عن الآخر.

**هل عبرت عن الربيع بالشعر أو بالكتابة؟

عبرت بأكثر من قصيدة أذكر منها:

(لا أهل ولا صحب.. ولا يسعني العالم الرحب
أرنو إلى وطن وامرأة.. يهفو اليها الروح والقلب
مثلي كبستان في ساقية.. جفت فحل القحط والجدب... إلى أن أقول:
ولا الربيع في بواكره.. أملاً يراه البعد والقرب.
آمالنا صارت معلقة.. على سراب اسمه الشعب).
القصيدة طويلة تطرقت فيها إلى أمور عديدة.

**هناك تجارب شعرية كبيرة قديماً وحديثاً من امرؤ القيس وكُتاب المعلقات إلى المتنبي وأحمد شوقي، وكذلك تجربة محمود درويش، كيف قرأت تجارب هؤلاء؟

هؤلاء شعراء كبار ولهم باع طويل وتجربة خالدة مقارنة بنا وهي أسماء ساطعة ونحن نحاول أن نقتدي بهم، عندك أبو الطيب المتنبي أعتقد أنه شاعر كل العصور، عندك نزار قباني محمود درويش كل هذه أسماء وتجارب كبيرة، امرؤ القيس اعتبره أبو الجميع وهو من أوائل من كتب الشعر.

**كيف تقرأ تجربة درويش كونه ارتبط بالقضية الفلسطينية وبتجربة شعرية مختلفة؟

هذا ما اكسبه الكثير، رحمه الله، وأنا لدي قصيدة رثاء فيه ومنشورة وهي ضمن ديواني الجديد "عودة الطائر الميمون" درويش شاعر كبير وملتزم، استطاع التعبير عن القضية الفلسطينية، لذا تجد أن هناك إجماعا عليه من كل الأطياف الفلسطينية، يقدرونه تقديراً عالياً.

**علاقتك الشخصية بالراحل عبد الله البردوني، والدكتور عبد العزيز المقالح، شفاه الله؟

عبد الله البردوني حبيبي التقيت به أكثر من مرة، والمقالح أيضا كان لقائي به عابراً ولم يقدر لي الجلوس معه كلاهما شاعران كبيران وهما مدرسة وقدوة.

**على مستوى شعراء الجنوب إن صح التحديد بمن ارتبطت على مستوى العلاقة الشخصية؟

كانت علاقتي كبيرة بالشاعر "محمد سعيد جرادة"، وهو شاعر يكتب القصيدة العمودية بشكل كبير، والشاعر "لطفي جعفر" أمان وكثيرون لا أزال حتى اليوم على تواصل معهم، وبالنسبة للذين رحلوا نقدرهم ونقتدي بهم في كثير من الأوقات.

**الدكتور سعيد الشيباني هل التقيت به؟

سعيد الشيباني لا. لكني تابعته شاعرا جميلا يكتب الأغنية الجميلة، وهو شاعر عاش الثورة اليمنية وكتب عنها، وواحد من الذين كتبوا عن الثورة اليمنية وقد غنى له الفنانان الكبيران محمد مرشد ناجي وأيوب طارش.

**وماذا عن الشاعر عبد الله هادي سبيت؟

هذا الشاعر ابن مدينة لحج، شاعر جميل قضى معظم حياته في مدينة تعز ثم عاد إلى لحج، وهو من الشعراء الغنائيين الجميلين، "وصالح الفقيه" و"صالح نصيب"، و"عبد الله الشريف" شاعر جميل، "أحمد صالح عيسى" صاحب أغنية "مستحيل" لفيصل علوي الذي غنى لي "يا ليتها تدري"، و"وحدة الشعب اليماني" التي نظمتها قبل الوحدة.
(وحدة الشعب اليماني ملكت كل كياني
هي لي أغلى الأماني فلنزغرد يا محبين
عمدوها في الوثيقة.. بقناعة في دقيقة
عرف الكل طريقه
شعب واحد ليس شعبين
والعداء صاروا مكابيد
حين رأو في وحدتي عيد
نحتفل والايد بالايد
وفرحنا صار فرحين
شعب واحد يا شقيقي
وطريقك هو طريقي أيها الدنيا أفيقي لم نعد كالأمس شطرين).

كان لي تعاون مع "حمود السمه" و"محمد الهجام" و"محمد شجون" و"ناصر دحنان" و"نبيل بلالي"، و"مراد عقربي" و"عبود خوجة".

**عبود خواجة هل لا تزال على تواصل به؟ وما هي قصتك معه؟

لا.. لا. دعنا من هذا السؤال وهذه القصة!!
كان لدي عمل "نشيد وطني" بداية الوحدة طلب مني ذلك، قام بتلحينه الفنان الكبير "أحمد بن غودل" والحزب الاشتراكي لم يرض عني، فتم إيقاف العمل. قلت في مطلعه:
(وطني إن يسألوني عن الحال..
أقول أنت لي الحال
قسما بل أنت راحي وروحي..
وطني يا كتلة من أمان...
أفديك بالابن والروح والمال..
عش كريما يا بلسماً لجروحي).

**كيف تقرأ اليوم الاغتيالات المتكررة في عدن؟

هذه جماعات مدسوسة على الوطن اليمني، لأنه إذا حدث أي تغيير سيتمسك كل بثورته من أجل تحقيق الأهداف التي كانوا يحلمون بها، لذا سيحاولون إيقافها بأي شكل.
فالجماعات المتأسلمة تلعب دور الوسيط وهي مدفوعة بطريقة أو بأخرى، نفس الحادث مع الجماعات التي في الشام، كل هذا مرتب له وتقف وراءه جهات استخباراتية، سواء محسوبة على الخليج ودول التحالف التي اعتبرها واسطة واذرعا للأمريكان والأوروبيين، ومعظم المنفذين لا يشعرون أنهم يخدمون جهات استخباراتية.

**دعنا نعد قليلاً إلى النضال، هل عرفت الشهيد المناظل راجح قاسم لبوزة؟ وماذا تعني لك شخصيا ثورة أكتوبر وال30 من نوفمبر؟

أنا كنت ضمن جماعات النضال فدائيا في عدن ومناضلا في جبال ردفان.
هذا رجل قامة وهو رمز من رموز ردفان، حتى قبل الثورة هو وأخوه "محمد غالب"، (آل لبوزة) يشكلان قامات كبيرة تحترمها ردفان كلها.

**بالنسبة لمسقط الرأس ردفان، ماذا تعني لك هذه المفردة أو هذا الاسم (ردفان) الذي ارتبط بنا ونحن صغار ولا تزال جبالها عالقة في الذاكرة؟

ردفان يا سيدي هي حاضرة دائماً، صحيح أنها ثقافياً ليس لها بعد كبير لكنها نضالياً تظل تعبر عن أحاسيس ومشاعر الأمة في لحظات البعث، وهي ليست حاضرة منذ 14 أكتوبر بل هي سباقة منذ زمن بعيد من أجل الناس وللناس، فقد قدمت الكثير ولا تزال تقدم.
وأنا لي قصائد عديدة عن ردفان تحضرني الآن قصيدة سأحاول استرجاعها معك من خلال هذا الحوار أقول فيها:
(سلاماً لردفاننا أجمعين
سلاما له أبدا سيدا 
سلاما له شامخا لايلين
بوجه الزمان ووجه العدى
سلاما لأبطاله الخارقين 
لمن عاش أو مات واستشهدا 
سلام له بل سلاما على
صناديده القاهرين الردى 
سلاما لكل شجاع أبي 
بردفاننا ظل رجع الصدى 
ويهوى الشموخ كأجداده 
ومثل اللبوزة يهوى الفدى 
هو الصدق في زمن الصادقين
هو الوعد لا يخلف الموعدا 
غدا صرخة تخرس الحاقدين
غدا طلقة لا تضيع سدى 
إذا فاخرت أمم الآخرين 
رضيناك مفخرنا الأوحدا 
لأنك ردفان دوماً أبي 
فقد صغت تاريخنا الماردا 
لان بنيك الرجال العظام 
عزائم لا تنثني سرمدا 
فقد ورثوا عن جدود أباة
عزائمهم وغدوا أسدا 
فقد شكلوا من أصول معين 
ومن حمير القلب والساعدا)
هذه الأبيات من قصيدة لي نشرتها في ديواني "ابتهالات عاشق".

**لا أخفيك أنني كنت أنوي عمل حوار ثقافي أدبي لكن المشهد السياسي شدني إليه؟ بالنسبة للقصائد هل غنى لك أحد بعض قصائدك؟

غنى لي الكثير، لكني لست حريصاً على متابعة أحد ولا أهتم كثيرا، طبعا غنى لي أحمد فتحي اغنيتين، ومثله الفنان الراحل فيصل علوي، ولي تعاون مع العديد من الشباب، ولدي ديوان "تهاويم وترانيم" ديوان كله أغانٍ.

**هل يعني هذا أنك لست ملحاحا ولا تكترث؟

نعم.. لكن أنا أقول دائما هناك قصائدي ومن أراد أن يغنيها فليغنِ، أنا لست مستعداً للبحث.

**عموماً أشكرك جداً أستاذ عبد الصفي هادي مناضل وشاعر كبير، واعتذر عن أي متاعب سببتها لك.

بالعكس كل الذي نؤديه ونقدمه من أجل الله والوطن، وأنا لست حريصا على استخدام أو استغلال نضالي في أي مجال ولا حتى شعري، فأنا ولله الحمد معتز بنفسي كثيرا.

**هذا الحوار هو لموقع نيوزيمن الإخباري المستقل، والغرض منه معرفة جانب من حياتك، والتوثيق لبعض المجريات ولسيرتك عموماً، بالاخير ما هي الرسالة التي تود توجيهها للقوى السياسية بشكل عام؟

ينبغي أن يحرصوا على الوطن، على هذا البلد، واذا كانوا يرون أن الوحدة لم تحقق هدفا، ينبغي علينا وحرصا على اليمن أن لا نتشرذم ولا نتشظى، وأن نحافظ على اليمن وعلى هويتنا اليمنية، اختلفنا اليوم لا مانع حتى وإن وصل الأمر بنا إلى تشكيل "إقليمين"، لكن ينبغي أن تظل اليمن راسخة في عقولنا ووجداننا، ونحافظ عليها ونرفض كل من يمسها بسوء، أو من يجعل منها مسرحاً أو لعبة، أو تبتغيها قوى من التي تقف وراء الاكمة. اليوم نحن ضد التحالف الذي يحاول أن يستثمر هذه اللحظة التي تعيشها اليمن، ويحاول العبث بمقدرات اليمن واليمنيين، نحن ضد أي معتدٍ من أي كان سواء كان ظاهراً أو خفياً.

**أعرف أنك موسوعة في الأدب والثقافة والشعر وكان بودي أن نتعمق في هذا الجانب لكن السياسة طاغية، أخذت من وقتك الكثير.. أشكرك على هذا الوقت، وأتمنى لك موفور الصحة.

لا يوجد أي تعب، ومن أجل اليمن واليمنيين، ومن أجل أن تظل هويتنا يمنية لن أبخل بشيء، ليس فقط في مجال الأدب، ولكن بالكلمة بغيرها سوف أقول كل شيء من أجل اليمن.