1.6 مليار دولار خلاف الضرائب.. مواطن نقل ورشته فنقلوه إلى الجمارك

إقتصاد - Tuesday 10 September 2019 الساعة 10:11 am
نيوزيمن، كتب/ راجح المنقب:

في يوم افتتاح مشروعه الجديد طالبه الحوثيون بدفع ضريبة الدخل لخمسمائة عامل. لا يحتمل مشروعه حتى 100 عامل، لكن من يكترث؟ عليه أن يدفع أو سيتم إغلاق مشروعه قبل أن يبدأ، وهذه هي اللغة الوحيدة التي تفهما جماعة الحوثي التي سيطرت على صنعاء وشمال اليمن منذ انقلابها على السلطة في سبتمبر 2014. وهذا هو الإجراء الوحيد الذي تجيده.

محاولات شرح الوضع لموظفي مصلحة الضرائب الذين زرعوا في المكان فجأة مع عدد من المسلحين لم تجدِ، وقال (ع. ع) الذي انفق مبلغاً طائلاً واستدان الكثير لبدء مشروعه في صنعاء: "حاولت إخبارهم أننا في اليوم الأول من العمل، وأن عدد العاملين لا يصل حتى إلى 100، لكن كل ذلك لم يكن يعني شيئاً". وفي مصلحة الضرائب أخبروه بعد سماع احتجاجه أن عليه دفع مبلغ 5 ملايين ريال تحت الحساب حتى يتم النظر في طلبه لاحقاً.

لا شيء واضح في إجراءات جماعة الحوثي، مجموعة من موظفي مصلحة الضرائب مع عدد من المسلحين يزورون منشأة اقتصادية أو تجارية، وعلى مالكها أو من يمثله الحضور إلى مصلحة الضرائب في نفس اليوم أو اليوم التالي للتنفيذ. أو سيتم إقفال الشركة أو المعمل أو المصنع أو المطعم أو أي كان النشاط، وسيتم تسريح العاملين وتجميد أرصدتها وحبس ملاكها. وهذا فقط ما يتعلق بالجبايات الحوثية باسم القانون.

لقد تمكن الحوثيون من تفعيل دور مصلحة الضرائب بطاقة كاملة، متجاهلين كل المواد والنصوص القانونية التي تتضمن إعفاءات أو مهل سماح مثل منح الأنشطة الجديدة من سنة إلى ثلاث سنوات فترة تأسيس لمساعدة الأنشطة الاقتصادية على النجاح والاستمرار.. هذه المواد لا تعنيهم. ولا تعنيهم أجور حتى موظفي مصلحة الضرائب، ناهيك عن سياسة التمييز الطبقي التي باتوا يجاهرون بها.

حسب رواية (ع. ع)، حاول في اليوم التالي مع مساعده شرح الأمر لمسؤول في مصلحة الضرائب لكنه رد ببرود: "نحن لا نريد شيئاً منكم، عليكم أن تدفعوا لمصلحة الضرائب أو سيتم إغلاق [المشروع]".

لا أستطيع فهم ما هي الضرائب المستحقة على نشاط ما في يوم افتتاحه. لكن هذا بات يحدث كثيراً، وتسبب في تدمير الكثير من الأنشطة الصغيرة والمتوسطة. وهذا هو فقط جزء من الحكاية، بالنسبة للأنشطة القديمة يطالبها الحوثي بدفع ضرائبها عن السنوات السابقة مهما قدمت له من وثائق ومستندات.

بعد أقل من شهرين زار (ع. ع) فريق آخر من مصلحة الضرائب يطالبه بضريبة أرباح المشروع الذي بدأ للتو ولم "يبدأ حتى في تسديد ديونه"، حسب تعبير مديره. وقال "الأرباح يفترض أن تحسب سنوياً، لا يمكنني معرفة أرباحي إذا كانت هناك أي أرباح من الآن". وقد طلب منه مجدداً دفع مبلغ على الحساب حتى يتم النظر في الأمر في وقت لاحق نهاية العام. ويدرك (ع. ع) أنه لن يستعيد المبلغ حتى لو أفلس.

آخر رقم أعلنته مصلحة الضرائب تحت سلطة الحوثي عن إيراداته كان في 2016، قبل تخلص الحوثيين من شريكهم في الحرب ضد السعودية علي عبدالله صالح (الرئيس اليمني السابق وزعيم حزب المؤتمر الشعبي العام)، وجود صالح وأتباعه كان يحافظ شكلياً على الحد الأدنى من شكل مؤسسات الدولة بعد هروب الرئيس هادي وحكومته من مواجهة جماعة الحوثي وتخليهم عن الجيش والبلاد والعباد. لكن ذلك لم يدم طويلاً بعد بدء الحرب السعودية التي يفترض أنها ضد الحوثي.

قرار نقل البنك المركزي إلى عدن جرد مؤسسات الدولة من آخر أسلحتها، ومكن الحوثي من السيطرة على موارد هائلة في مناطق الشمال التي يتركز فيها معظم السكان اليمني. وكأن قرار نقل البنك كان من أجل الحوثي، حيث أزال عقبة أخرى من أمامه ومكنه من ابتكار قنوات خاصة بالواردات تحت قوة السلاح بدلاً عن القنوات الرسمية التي كان يفرضها وجود البنك. لكن الجزء الأهم تسبب القرار في فقدان مؤسسة الجيش والجهاز الإداري للدولة رواتبهم وأصبحوا لقمة سائغة للحوثي.

تمكن الحوثي من إحكام قبضته على كل شيء وفرض القوة ضد الشركات والمؤسسات والمنظمات المدنية وكل شيء. ويبدو واضحاً اليوم أن الطرف الذي ساعد الحوثي للوصول إلى صنعاء ودمر الجيش اليمني هو نفس الطرف الذي أدار عملية التخلص من صالح الذي حال دون سقوط كل شيء في يد الحوثي. بما في ذلك الشكل الاسمي لمؤسسات الدولة التي تخلت عنها الشرعية.

وسرعان ما تسارعت وتيرة جباية الأموال، وقد بدأ الحوثي بشركات الاتصالات التي تعد ثاني أهم الموارد المالية، ثم البنوك، شركات الصرافة، المستوردين، التجار، المطاعم الخدمات، لم يترك الحوثيون أحداً.

ونشر الخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر، وهو رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، على صفحته في فيسبوك: "يواجه القطاع الخاص في صنعاء أسوأ مراحله؛ القطاع المصرفي يتم تقييده عبر لجنة المدفوعات، والتجار والمصنعون تتولاهم إدارة كبار المكلفين في الضرائب والجمارك، وقطاع الاتصالات لم يبقوا فيه عرقاً، والآن الدور على أصحاب المطاعم والمحلات الصغيرة"!

تتعاظم موارد الحوثي كل يوم دون أي التزام من قبل الجماعة تجاه دافعي الضرائب، حتى إنها لا تدفع أجرواً منتظمة لتابعيها والمقاتلين معها، لقد حصلت على سلال غذائية شهرية لمعظمهم من برامج الأمم المتحدة المختلفة والتي تنفق بسخاء على مشاريع الحوثي. وساعدته في السيطرة على نشاط منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والتحكم به عبر هيئة جديدة أنشئت كبديل عن وزارتي التخطيط والشؤون الاجتماعية والداخلية.

وتخصص الجماعة مبالغ غير منتظمة للأفراد التابعين لها تسلم لهم باعتبارها "هبة من السيد" هو قائد الجماعة عبدالملك الحوثي. ويحدد حجم المبلغ موقع الشخص في الجماعة. يحصل بعض "مشرفي" الجماعة (وهي التسمية التي يطلقونها على قياداتها) على مبالغ ضخمة. فيما تدفع الجماعة معونة شهرية للمقاتلين، وتساعد المتزوجين منهم في دفع إيجارات سكنهم إذا كانوا مضطرين للاستئجار خصوصاً في المدن، أما في الريف فيسكنون في منازل عائلاتهم.

في فبراير 2018 أصدر خبراء تابعون للأمم المتحدة تقريراً عن موارد الحوثي قال إن أكثر من 1.6 مليار دولار أمريكي من أموال إيرادات الدولة اليمنية خاضعة لسلطة الحوثي، وحسب التقرير لا يشمل الرقم إيرادات الحوثي من الضرائب. وقال بأن الجماعة "تجمع الضرائب وتبتز التجار وتصادر الممتلكات باسم (المجهود الحربي)" وتمويل الحرب.

خلال العامين الماضيين عزز الحوثيون سلطة مصلحة الضرائب وأجروا تغييرات كبيرة في قياداتها من خلال تعيين أشخاص تابعين لها. وأجبروا الشركات والمؤسسات والأنشطة على دفع ضرائب الدخل، والأرباح، ومؤخراً ضريبة المبيعات حتى على السنوات الماضية. وقد أنهكت جباياتها شركات الاتصالات التي تعد ثاني أهم مورد مالي لليمن بعد النفط والغاز. أي أن إيرادات أهم مورد مالي في اليمن في الوقت الراهن تصب لمصلحة الحوثيين.

ضريبة المبيعات

لا أستسيغ الدفاع عن رجال الأعمال اليمنيين، فطالما استغلوا كل أزمات البلاد لصالحهم، ورفعوا الأسعار لمبررات واهية دون أن يتراجعوا عن ذلك حتى مع زوال أسباب رفعهم الأسعار. حتى إنهم رفعوا الأسعار أكثر من مرة بسبب "ضريبة المبيعات"، عندما صدر القانون في 2001، وعندما فشلت الحكومة في تطبيقه بعد احتجاج قطاع المال والأعمال ولجوئهم للقضاء لم تتراجع الأسعار. وعندما أعيد طرح القانون وتعديلاته في 2005 رفع التجار الأسعار. وفشلت الحكومة في فرض القانون إلا بشكل محدود تقريباً شمل قطاع الاتصالات. وكانت مبررات رفض القانون هو مراعاة الوضع الاقتصادي لليمنيين.

مؤخراً يفرض الحوثي على الشركات والأنشطة التجارية والخدمة الصغيرة والكبيرة دفع ضريبة المبيعات، حتى إنه طالب الشركات بدفع ضريبة المبيعات عن السنوات الماضية منذ صدور القانون. ثم تراجع وطالبها بدفع الضريبة المتأخرة عليها منذ العام 2016. إلا أن هذا لن يمنعه في مطالبتها بأكثر من ذلك لتعزيز موارده.

ظاهرياً تعمل مصلحة الضرائب تحت سلطة الحوثي بكفاءة لم تحققها في أي وقت مضى. لكن هذه الموارد وغيرها تسكب، حسب مراقبين، في "قربة مخرومة". وقال متخصص في الاقتصاد، طلب عدم ذكر اسمه: "الوعاء الضريبي للحوثيين فاسد ومليئ بالثقوب، فجزء كبير من هذه الإيرادات تذهب لصالح أشخاص"، وهو ما يبرر تحول قيادات الجماعة الناشئة إلى أثرياء خلال فترة قياسية، وقد أدت عمليات غسيل الأموال غير المشروعة التي يحصلون عليها بالإضافة إلى موارد تجار الحشيش (المخدرات) إلى ارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات خيالية حتى في المناطق التي لم تكن أسعار الأراضي فيها تساوي شيئاً.

وحسب كثيرين فإن الحوثيين يصرون على الحصول على المبالغ المطلوبة من الشركات كاش، ويرفضون التحويلات البنكية. إلا أن أغرب ما يحدث هو أن مستندات استلام المبالغ لا تغني عن التجار وأصحاب الأنشطة شيئاً، ويجدون أنفسهم أحياناً مضطرين لإعادة دفع ضرائبهم أو جمارك بضائعهم أكثر من مرة.

جمارك مرتين وثلاث!

تبرير ارتفاع الأسعار بجبايات الحوثي باتت معروفة، لكن تكرار هذه الجبايات هو القصدة الجديدة، كنت في أحد فروع سلسلة تجارية متخصصة في نوع من الملابس والمعدات في صنعاء، وكانت الأسعار صادمة، وأثناء نقاش مع مسؤول المبيعات قال: "أقسم لك بالله أني جمركت مرتين، مرة في ذمار ومرة في إب". الحكاية أنه جلب بضاعته عبر ميناء عدن، ودفع رسومه الجمركية للشرعية، وفي ذمار، حيث يفرض الحوثيون مكتباً جديداً للجمارك، قام بدفع الرسوم الجمركية للحوثيين. وبعد وصول بضاعته صنعاء قام بإعادة توزيعها إلى فروعه في بقية المحافظات وقد ضبطت الشحنة المتجهة إلى إب وتعز في محافظة إب من قبل الحوثيين، وطالبوه بدفع الجمارك. وعندما عرض عليهم مستنداته التي تثبت دفعه الرسوم الجمركية في ذمار قالوا إنه لا بد من الدفع لهم، وقال: "غير الاسم وطالبوا بالمبلغ باسم خدمات تحسين"!! وحسب قوله لم يكن أمامهم إلا الدفع.

سألت عدداً من أصحاب الأنشطة التجارية وأكدوا أنهم يتعرضون لنفس الأمر، لذا يفكرون باتخاذ تدابير أخرى لتوزيع بضائعهم على بقية المحافظات قبل الوصول إلى مناطق الحوثي. لكن فشل الشرعية في مناطق سيطرتها ترك القطاع التجاري كما كل شيء آخر تحت رحمة الحوثيين.

وفي نهاية يوليو الفائت نفذ الحوثيون حملة على ملاك السيارات التي دخلت اليمن من منافذ جمركية تحت سلطة الحكومة، وأجبرت ملاك السيارات على دفع رسوم جمركية جديدة تساوي 30% من الرسوم الجمركية التي سبق ودفعت للحكومة. ويفرض الحوثيون رسوماً جمركية على كل السلع. رغم هذا ما زال رجال المرور الذين يقومون بمطاردة السيارات وإيقافها لا يحصلون على رواتبهم.

نقل ورشته فنُقل إلى الجمارك

مطلع سبتمبر الجاري، انتقلت إحدى ورش اللحام من مكان إلى آخر داخل صنعاء، قام صاحب ورشة بتحميل معدات ورشته وكميات من الحديد الخاص بالورشة الذي كان في مخازنها على سيارة دينا، وفي طريقه إلى مقر ورشته الجديد أوقفته إحدى نقاط التفتيش الحوثية وأجبروه على التوجه إلى فناء الجمارك في صنعاء الذي خصصه الحوثيون لحجز السيارات المحملة بالبضائع حتى يتم دفع الرسوم الجمركية. ورغم محاولات صاحب الورشة شرح الأمر، إلا أن ذلك لم يجدِ. وعند وصوله الجمارك أخبرهم الحكاية فسخروا من الجندي الذي ألقى القبض عليه، لكنهم لم يسمحوا لصاحب الورشة ومعداته المغادرة قبل دفع إتاوات تساوي قيمة الرسوم الجمركية للحديد الخاص به!