كرنفالات حوثية تحاول انتزاع اليمنيين من يمنيتهم تحت عناوين دينية قادمة من إيران

السياسية - Wednesday 11 September 2019 الساعة 09:58 pm
صنعاء، نيوزيمن، سهيل القادري:

لم يكن احتشاد مئات من الحوثيين، الثلاثاء، في عدد من ساحات المدن الواقعة تحت سيطرتهم بمناطق شمال اليمن، مرددين هتافات بكائية، إحياءً لذكرى عاشوراء، إلا جزءاً من برنامج تشييع المجتمع اليمني على الطريقة الصفوية، يتجاهل طبيعة المنظومة الثقافية اليمنية.

المناسبات الدينية تحظى بتقدير وتفاعل اليمنيين، لكن، حسب تقاليدهم التاريخية وخلفياتهم المذهبية المعتدلة والوسطية.

ويعتقد مراقبون للمسار الحوثي الإيراني ما يحدث في اليمن خلال السطوة الحوثية الراهنة يمثل عادات دخيلة وفدت من تقاليد مجوسية قديمة ممزوجة بتقاليد مسيحية ألبسها ملالي الصفوية الإيرانية عناوين إسلامية، كما ذكر المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي.

ويؤكد المتابعون أن الأجندة الإيرانية السياسية جوهراً، الدينية مظهراً تحاول نخر النسيج الاجتماعي والثقافي اليمني بما فيه المذهب الزيدي ذاته، المتوسط بين المذاهب الإسلامية السنية والشيعية، وأحد أهم مذهبين إسلاميين يمنيين، إلى جوار المذهب الشافعي.

وفي الصدد قبل الحوثيون أن يكونوا قناة عبور للمذهب الطائفي الصفوي القادم من عمق التقاليد الفارسية، والمسيطر على إيران ثقافياً، وإلى درجة ما، سياسياً منذ خمسمائة عام، ليتمكن من العودة للسيطرة الكاملة على الإيرانيين مع ثورة 1979 التي تصدرها الخميني لأسباب، جزء مهم منها يعود إلى الصراع الشرقي الغربي وقتها.

وبعد تخلص المكون الخميني من شركاء الثورة، حتى من داخل التيار الشيعي الديني، تفرغت سلطة الملالي إلى زعزعة استقرار دول الجوار العربي، وخلق أذرعها الخاصة في هذا النطاق.

وأخذت اليمن نصيبها من الأطماع الفارسية عبر مراكز استخباراتية بواجهات تجارية، وصحية بينها المستشفى، والمركز الإيرانيين بصنعاء، ومن خلال نشاط العاملين في سفارتها، إضافة لاستغلال وافدين عراقيين، لجأوا إلى اليمن إثر حرب الخليج الثانية، في تأسيس عدد من الحسينيات في صنعاء جذبت إليها يمنيين. ومنذ تسعينيات القرن الماضي مولت السفارة الإيرانية ما يشبه مراكز إيفاد لشباب يمني للدراسة في إيران وتلقي تعاليم المذهب الجعفري الصفوي.

بعد شهور من أزمة فبراير، قبل نحو تسع سنوات، خرج الحوثيون من قمقمهم في بعض مناطق صعدة بانعطافة حاسمة في تاريخهم ليبتلعوا المحافظة ومناطق مجاورة لها، عسكرياً بما فيها سلاح الألوية العسكرية للدولة، منحها قوة عسكرية إضافية مهمة مكنتها لاحقاً من ابتلاع المحافظات اليمنية، الواحدة تلو الأخرى، مستغلة تفكيك الجيش اليمني تحت يافطة "الهيكلة".

بالتزامن مع انعطافة القوة الحوثية أخرجت الطموحات التشييعية الصفوية ألسنتها للعلن، حيث عبرت أدوات صفوية عن مشروعها في اليمن، من ذلك دعوة مركز عراقي، موالٍ للصفوية الإيرانية، متخصص في دراسة "الإمام المهدي" لمرحلة جديدة من نشر التشيع الصفوي في اليمن. وأوردت صحيفة المركز في أحد أعداد العام 2012 تحت عنوان فرعي "شيعة اليمن/الطموح" النص التالي:

"لما نراه من إقبال على اعتناق صلب الإسلام عقيدة الحق وخاصة من قبل أتباع المذهب الزيدي. ندعو إلى تأسيس حوزات علمية في اليمن، وإلى وضع خطة تعليم، كذلك ندعو الخطباء الحسينيين في هذا البلد اليتيم لنشر مذهب أهل الحق.. وطباعة الكتب الشيعية وأن يكون النشاط الشيعي هناك على قدر ما يتعرض له شيعة أهل البيت علیهم السلام من اضطهاد وتغييب وتحد في بلد بشرت الروايات بأنه سيخرج منه (اليماني) لنصرة المهدي المنتظر علیه السلام قبيل ظهوره الشريف."

وقالت تحت عنوان "نشاطات شيعة اليمن" ما نصه:
"رغم محاولات السلطات اليمنية لحجب نشاط الشيعة ومنعهم من ممارسة نشاطاتهم، إلا أن هذه النشاطات ازدادت في الآونة الاخيرة، ومنها:

-عقد الندوات والمحاضرات، وإقامة الاحتفالات، وخاصة إحياء المناسبات التي يهتم بها الاثنا عشرية.
-إحياء ذكرى مقتل أبي عبد الله الحسين علیه السلام وإقامة المجالس الحسينية لا سيما في صنعاء القديمة.
-الاحتفال بمناسبة عيد الغدير الأغر.
-إحياء ذكرى وفيات الأئمة المعصومين علیهم السلام.
-نشر الأشرطة المسجلة للمحاضرات الإسلامية والمجالس الحسينية.
-طباعة الكتب والنشرات وتوزيعها.
-إصدار صحف ومجلات منها:
*صحيفة الشورى الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية.
*صحيفة الأمة: الناطقة باسم حزب الحق.
*صحيفة البلاغ، صاحب الامتياز فيها.
-كما أن للشيعة وجوداً واضحاً في إذاعة صنعاء."

واعتبرت أن تلك النشاطات بجانب أسماء مؤسسات معظمها في صنعاء تصب في تهيئة البيئة اليمنية للمشروع الصفوي.

تلك النشاطات الإيرانية لم تتمكن من التغلغل في أوساط اليمنيين، وظلت محدودة للغاية حتى طرح الحوثيون الأوائل بداية الألفية أنفسهم خداماً يمكنون النفوذ الإيراني في اليمن مقابل دعمهم مالياً وعسكرياً واستخبارياً لإنشاء مليشيا وفق النظم الأمنية الحديثة، غير أن الأجندة الإيرانية –مثلما يحصل في سوريا حالياً- ورغم الخدمات السياسية التي يقدمها الحوثيون، تعمل على تعزيز نفوذها السياسي، وضمانه، بتوفير قاعدة ثقافية له.

وتعتبر أقلام صفوية بدر الدين الحوثي وأتباعه بحكم تكوينه "الجارودي" -فرقة زيدية متطرفة- أخصب بيئة في الوسط الزيدي لزراعة التشيع الصفوي في اليمن، كونه يمثل الجناح الزيدي المتشدد والقريب من الجعفرية، قاعدة التفكير الديني للصفوية، خصوصاً في ما يتصل بمقولة "الولاية"، إذ يعتقد الحوثي ب"النص" على ولاية أو إمامة الخليفة الإسلامي الرابع، علي بن أبي طالب، خلافاً لبقية فرق الزيدية القائلة بولايته بالتلميح لا بالنص.

وفي المضمار تحدثت تقارير مؤيدة بشهود عيان عن إقامة مجالس عزاء حسينية في صالات بأغلب المدن الواقعة تحت قبضة السلطة الانقلابية الحوثية، لكنها، ومناسبات غيرها في السنوات الأخيرة، خالية إلى حد كبير من شعارات وصور القادة الحوثيين لتشير إلى تراجع طموح أسرة الحوثي لصالح الانخراط الكامل في المشروع الصفوي الإيراني.

ويعطي الحوثيون صنعاء أهمية محورية في عملية خرق النسيج اليمني بتشييعه وفق النظرية الصفوية، المعادية للعروبة ولدور العرب المركزي في الإسلام.

أما الأسباب فلكون صنعاء عاصمة اليمنيين، وتضم طيفاً سكانياً كثيفاً وواسعاً من كل أرجاء اليمن، إضافة لموقعها وسط الكثافة السكانية اليمنية، قسم كبير منها زيدي، كما تعد صنعاء مركز الثقل في المؤسسات الثقافية والإعلامية الناشطة، وتضم كبريات المساجد اليمنية، ما يؤهلها لتكون بؤرة اهتزاز المنظومة الثقافية في اليمن، ويجعل من الطبيعة المتنوعة للسكان أدوات ممكنة لمد الاهتزاز إلى مختلف المناطق اليمنية.

وبجولة بسيطة على ما تبقى من مكتبات في مدينة صنعاء يلحظ المرء انتشاراً لافتاً لكتب، وحتى مجلات أطفال ذات اتجاه متداخل مع مقولات التشيع الصفوية المتطرفة في عدائها للأطروحات ذات الطابع العربي، أو حتى المذهبي السني.

وتشكل الكرنفالات الاحتفالية وسيلة مركزية في الأدبيات الصفوية، عملت الحوثية على تكريسها في المظاهر الاجتماعية والثقافية والسياسية في مناطق سيطرتها، للتماهي في المشروع الصفوي من جهة، وللاحتفاظ بأدواتها البشرية طيعة، من جهة ثانية.

ويفيد باحثون أن الظواهر الاحتفالية للطائفة الصفوية، وأذيالها، تسعى لتعويض اللا عقلانية المذهبية بعملية تعبئة مستمرة، تغيب الأتباع عن التفكير المنطقي، والواقعي، وخلق حالة نضالية ضد أعداء وهميين، ولو من الماضي السحيق. لهذا نجد التيار الصفوي وأذياله يعطون أهمية مركزية لتكثير المناسبات وتسويغها دينياً.

يسعى الحوثيون إلى عزل اليمنيين عن يمنيتهم، ورميهم في أحضان ثقافة لبيئة أخرى، ليعبروا بذلك عن فقدان قدرتهم على فهم ثقافة يمنية ترفض حتى في زمن ما قبل الإسلام قبول التطرف الديني ما تجلى في تنوع ديني معتدل، وتعدد مذهبي وسطي بعد انطلاق رسالته.

قد ينتصر التطرف الديني في اليمن، سياسياً، لبرهة قصيرة، لكنه ينكفئ ثقافياً ليعود اليمنيون إلى طبيعتهم الوسطية. وفي حجم انتشار الحركات الدينية المتطرفة، قديماً وحديثاً، أدلة كافية لمن أراد فهم أهل اليمن.