العدوان التركي "طعنة أمريكية في الظهر".. تنديد عربي وخليجي شذت عنه قطر (تغطية شاملة)

السياسية - Thursday 10 October 2019 الساعة 04:33 am
نيوزيمن، وكالات:

(أ.ف.ب، رويترز، إعلام خارجي): بدأت تركيا بعد ظهر الأربعاء هجوماً واسعاً على مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا، في خطوة تلت حصول أنقرة على ما يبدو أنّه ضوء أخضر من واشنطن التي سحبت قوّاتها من نقاط حدودية، وسط تنديد خليجي وعربي شذت عنه قطر، وإدانات غربية، بينما تصاعدت الانتقادات من حلفاء ترامب ومعسكره الجمهوري لتخليه عن الأكراد.

وبعد مواقف أميركيّة متناقضة إزاء الهجوم، اعتبر الرئيس دونالد ترامب الأربعاء العملية التركية "فكرة سيّئة". وقال إنّ واشنطن "لا توافق على هذا الهجوم" بعد سلسلة انتقادات اتّهمته بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين شكّلوا شريكاً رئيسياً لبلاده في دحر تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن الانتقادات من داخل الكونجرس الأمريكي ومن الجمهوريين وضمنهم أبرز حلفاء ترامب رفضت الخطوة ووصفتها بأنها خدمة لإيران وروسيا وتعطي رسائل سيئة حول تخلي واشنطن عن الحلفاء بكل بساطة.

"أكبر خطأ في رئاسته"

وصف ترامب الهجوم التركي بأنه ”فكرة سيئة“، وقال إنه لم يوافق عليها. كما قال إنه يتوقع من تركيا أن تحمي المدنيين والأقليات الدينية وأن تحول دون حدوث أزمة إنسانية.

لكن أحد أوثق حلفاء ترامب وهو السناتور لينزي جراهام قال إن التخلي عن دعم الأكراد سيكون ”أكبر خطأ في رئاسته“.

وقالت النائبة ليز تشيني وهي من الجمهوريين الصقور ”إن أمريكا تتخلى عن الأكراد حلفائنا الذين قاتلوا داعش وساعدوا في حماية الأرض الأمريكية. هذا القرار يساعد خصوم أمريكا؛ روسيا وإيران وتركيا ويمهد لعودة داعش“.

وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يوم الأربعاء إن الولايات المتحدة لم تعط الضوء الأخضر لتركيا كي تغزو سوريا، لكنه أضاف أن أنقرة لديها ”مخاوف أمنية مشروعة“ وأن الرئيس دونالد ترامب اتخذ قرارا بإبعاد الجنود الأمريكيين عن طريق الأذى.

وفي مقابلة مع شبكة (بي.بي.إس) رفض بومبيو المخاوف بشأن نهوض تنظيم الدولة الإسلامية من جديد.

"طعنة في الظهر"

تمثل الخطوة الأمريكية تحولا كبيرا في السياسة وصفته قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وشريك واشنطن القوي في قتال تنظيم الدولة الإسلامية بأنه ”طعنة في الظهر“.

ودعت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، وهي ديمقراطية، ترامب إلى ”العدول عن هذا القرار المحفوف بالمخاطر“. وقالت في بيان إن القرار يهدد الأمن الإقليمي ويبعث برسالة لإيران وروسيا ولحلفاء الولايات المتحدة بأنها لم تعد شريكا مؤتمنا.

وقال مكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ في بيان ”أي انسحاب متسرع للقوات الأمريكية من سوريا لن يصب سوى في مصلحة روسيا وإيران ونظام الأسد وسيزيد من خطر نهوض الدولة الإسلامية وغيرها من الجماعات المتشددة مرة أخرى“.

وانتقد السناتور لينزي جراهام، الذي عادة ما يؤيد ترامب الذي ينتمي للحزب الجمهوري مثله، في حديث مع قناة فوكس نيوز قرار سحب القوات من سوريا ووصفه بأنه قرار ”متسرع“.

والهجوم على الأكراد، الذين ظلوا حلفاء واشنطن الرئيسيين في سوريا لسنوات، سيكون على الأرجح أحد أكبر التحولات في الحرب السورية الدائرة منذ ثمانية أعوام والتي شهدت تدخل قوى عالمية وإقليمية. 

ولعب الأكراد دورا قياديا في انتزاع أراض من تنظيم الدولة الإسلامية ويتحكمون الآن في أكبر مساحة من الأرض السورية خارج سيطرة حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

تنديد وقلق غربي

وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي على حسابها بموقع تويتر إن الهجوم التركي في شمال شرق سوريا خطير وينبغي أن يتوقف.

وقالت الوزيرة إن الهجوم ”خطير على أمن الأكراد. خطير لأنه يفيد الدولة الإسلامية التي نحاربها منذ خمسة أعوام. يجب أن يتوقف“.

كما قال جان إيف لو دريان وزير الخارجية الفرنسية على تويتر يوم الأربعاء إنه يندد بهجوم القوات التركية وحلفائها من المعارضة السورية على شمال شرق سوريا.

وأضاف أن الهجوم ”يهدد الجهود الأمنية والإنسانية للتحالف في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ويشكل خطرا على أمن الأوروبيين ويتعين وقفه“.

وأدانت كندا هجوم تركيا على فصائل كردية في شمال شرق سوريا يوم الأربعاء، قائلة إنه يخاطر بتقويض استقرار المنطقة الهش والجهود المبذولة لتحجيم تنظيم الدولة الإسلامية.

وقالت وزيرة الخارجية كريستيا فريلاند على موقع تويتر ”تدين كندا بشدة التوغل العسكري الذي قامت به تركيا في سوريا اليوم ... ندعو لحماية المدنيين وجميع الأطراف لاحترام التزاماتهم بموجب القانون الدولي“.

ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً مغلقاً الخميس لبحث الهجوم، بناء على طلب قدمته بلجيكا وفرنسا وألمانيا وبولندا وبريطانيا.

هجوم جوي وبري

وبدأ الهجوم التركي بغارات جوّية محدودة استهدفت بلدة رأس العين ومحيطها، قبل أن يطال قصف مدفعي مدناً وقرى عدّة على طول الشريط الحدودي، في المنطقة التي تأمل أنقرة إقامة "منطقة أمنة" فيها تُعيد إليها اللاجئين السوريين لديها.

وبعد ساعات من القصف، أعلنت وزارة الدفاع التركية بدء الهجوم البرّي لقوّاتها والفصائل الموالية لها. وقال متحدّث باسم تلك الفصائل إنّ الهجوم بدأ باتّجاه مدينة تلّ أبيض في ريف الرقة الشمالي.

وأفاد مراسل فرانس برس والمرصد عن حركة نزوح مع إطلاق العملية التركية.

ونقلت وسائل إعلام تركيّة أنّ قوّات خاصّة تركيّة ومدرّعات ومقاتلين سوريّين توغّلوا في ثلاث نقاط على الأقلّ. وأكّد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن توغّل القوّات التركيّة في قرى غرب مدينة تل أبيض.

وأفاد مراسل لشبكة (سي.إن.إن) أن انفجارات هزت بلدة رأس العين وأنه أمكن سماع أصوات طائرات حربية بينما ارتفعت أعمدة الدخان من مبان في البلدة.

وأفادت قوات سوريا الديموقراطية عن "اشتباكات عنيقة بالأسلحة الثقيلة" قرب مدينة تل أبيض بعد تمكّنها من منع القوّات التركيّة من دخولها.

واستهدف القصف منذ بعد الظهر، وفقَ تلك القوّات، "مواقع عسكريّة ومدنيّة".

وأسفر القصف على مناطق عدّة، والذي طال ليلاً مدينة القامشلي، وفق المرصد، عن مقتل ثمانية مدنيّين، بينهم طفلان، و16 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية. كما أصيب العشرات بجروح.

حركة نزوح

وشاهد مراسل فرانس برس في رأس العين، إثر بدء القصف سحباً من الدخان وعشرات المدنيين من رجال ونساء وأطفال لدى فرارهم عبر سيّارات وشاحنات صغيرة أو سيراً على الأقدام محمّلين بأمتعتهم. كما أفاد ليلاً عن بدء حركة نزوح من القامشلي.

وفر الآلاف من بلدة رأس العين السورية باتجاه محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد. وقالت هذه القوات إن الضربات الجوية التركية قتلت خمسة مدنيين على الأقل وأصابت عشرات آخرين.

وشاهد صحفيون من رويترز في أقجة قلعة على الجانب التركي من الحدود انفجارات في تل أبيض. وبعد حلول الظلام، أمكن رؤية الصواريخ وهي تُطلق عبر الحدود على تل أبيض وألسنة من اللهب تستعر قرب البلدة. وقال شاهد عبر الهاتف إن المدنيين يفرون جماعات.

وحذّرت منظمة العفو الدولية الأربعاء أطراف النزاع من استهداف المدنيين. وقالت مديرة بحوث الشرق الأوسط لين معلوف إنّ "تركيا ملزمة بموحب القانون الإنساني الدولي أن تتّخذ كلّ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيّين وضمان وصول المساعدات الإنسانيّة".

"النفير العام"

ويهدف الهجوم الذي ندّدت به دمشق وحليفتها طهران، وفق إردوغان، إلى إقامة "منطقة آمنة"، بما يسمح بإعادة نحو 3,6 ملايين لاجئ سوري فروا إلى تركيا من النزاع المستمر منذ ثماني سنوات.

وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم اوّل في العام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت على أثره على منطقة عفرين في شمال سوريا.

وشنّت تركيا غاراتها رغم اعلان مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية الإثنين أن القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة أغلقت الأجواء أمام الطائرات التركية.

إلا أن سحب واشنطن بين 50 ومئة جندي من الحدود الشمالية الإثنين بدا أشبه بضوء أخضر لتركيا بشنّ هجومها وأثار مخاوف الأكراد الذين دعوا إلى فرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا.

واستبقت الإدارة الذاتية بدء الهجوم بإعلانها صباح الأربعاء "النفير العام" في مناطق سيطرتها. وفي موقف لافت، دعت الأربعاء روسيا إلى تسهيل محادثات مع دمشق، بعد اعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف إجراء بلاده اتصالات مع الأكراد والحكومة السورية و"حضهم على بدء الحوار لتسوية المشاكل في هذا الجزء من سوريا".

ورحّبت الإدارة الذاتية بتصريحات لافروف. وأكدت تطلعها إلى أن "يكون لروسيا دور في هذا الجانب داعم وضامن وأن تكون هناك نتائج عملية حقيقية".

ولم تثمر مفاوضات سابقة بين الطرفين، مع إصرار دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع في 2011، وتمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية ومؤسساتها.

"التفكير ملياً"

وسحبت الولايات المتحدة بين 50 ومئة جنديّ من أفراد القوّات الخاصّة من نقاط على الحدود الشمالية الاثنين. وأثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ انتقادات واسعة من كبار الجمهوريين، إذ اعتُبر بمثابة تخلٍ عن القوات الكردية التي كانت حليفاً رئيسياً لواشنطن في معركتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن بدا ترامب وكأنه عدل موقفه في وقت لاحق الإثنين، فهدد عبر تويتر بـ"القضاء" على الاقتصاد التركي إذا قامت أنقرة بأي أمر يعتبره غير مناسب.

لكنه أشاد بتركيا في تغريدات أخرى معلنا أن الرئيس رجب طيب إردوغان سيزور واشنطن في 13 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

وقال "كثيرون يتناسون أن تركيا شريك تجاري كبير للولايات المتحدة".

وكانت أنقرة قد قللت من أهمية تحذيرات ترامب، إذ رد نائب الرئيس فؤاد أقطاي على تهديد ترامب الثلاثاء محذراً من أن "تركيا ليست دولة تتحرّك بناء على التهديدات".

وفي اتصال هاتفي، أكد إردوغان الأربعاء لنظيره الروسي فلاديمير بوتين أن العملية التركية ضد القوات الكردية في سوريا، "ستساهم في جلب السلام والاستقرار إلى سوريا وستسّهل الوصول إلى حلّ سياسي".

وأورد الكرملين من جهته أن بوتين دعا إردوغان إلى "التفكير ملياً" قبل شن الهجوم.

وحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأربعاء من مخاطر توجيه واشنطن إشارات متناقضة حول انسحاب أميركي من شمال سوريا معتبرا أن ذلك قد "يشعل المنطقة برمتها".

وقال لافروف إن الأكراد يشعرون "بقلق بالغ" عقب الإعلان الأميركي عن سحب قوات ويخشون أن يؤدي ذلك إلى "إشعال المنطقة برمتها". وأضاف عقب محادثات في نور سلطان عاصمة كازاخستان "يجب تجنب ذلك بأي ثمن".

وندد لافروف بـ"التناقضات" الأميركية و"عدم قدرة" الولايات المتحدة "على التوصل لحل وسط"، مؤكداً أن "الأميركيين تخلّوا عن وعودهم عدة مرات".

ورأى أن دعم واشنطن للأكراد في سوريا في السنوات الأخيرة "أثار غضب السكان العرب الذين يعيشون تقليدياً في هذه الأراضي"، مضيفاً أن "هذه لعبة خطرة".

قطر خارج السرب

أدانت السعودية مساء الأربعاء ما اعتبرته "عدواناً" تركيّاً على مناطق الأكراد في شمال شرق سوريا، محذّرةً من أنّ الهجوم يُهدّد أمن المنطقة ويُقوّض جهود محاربة تنظيم الدولة الإسلاميّة المتطرّف.

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله إن الهجوم التركي على شمال شرق سوريا يوم الأربعاء يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.

وبينما أبدت الإمارات والبحرين موقفين مماثلين، أعلنت قطر أنّ أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتّصل بالرئيس التركي رجب طيّب إردوغان واستعرض معه "العلاقات الاستراتيجيّة بين البلدين الشقيقين وسُبل دعمها وتعزيزها، إضافةً إلى مناقشة آخر التطوّرات الإقليميّة والدوليّة، لاسيما مستجدّات الأحداث في سوريا".

ولم تُدن قطر، التي دعمت المعارضة السوريّة في النزاع ضدّ النظام السوري، الهجومَ التركي، رغم الانتقادات التي تعرّضت لها تركيا من دول عربية عدّة، ودعوة جامعة الدول العربيّة إلى عقد اجتماع طارئ السبت.

 وقال التلفزيون المصري إن الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره العراقي برهم صالح بحثا هاتفيا يوم الأربعاء الوضع في سوريا بعد الهجوم التركي.

وأضاف التلفزيون أن الزعيمين اتفقا على مواصلة العمل المشترك والمشاورات لمواجهة التدخل التركي في سوريا والحفاظ على سلامة ووحدة سوريا.

واعتبر رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح الأربعاء أن العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا "تصعيد خطير" قد "يعزز قدرة الإرهابيين" لإعادة تنظيم صفوفهم.

وقال صالح في تغريدة على تويتر إن "التوغل التركي سيؤدي إلى فاجعة إنسانية (...) ويعزز قدرة الإرهابيين لإعادة تنظيم فلولهم، ويشكل خطراً على الأمن الإقليمي والدولي".