مروان الجوبعي

مروان الجوبعي

تابعنى على

العالم الافتراضي وعشاق الوهم!

Thursday 28 July 2022 الساعة 03:22 pm

كان أحدهم يفسبك باسم مستعار وكانت كل منشوراته اقتباسات رومانسية جذابة.

جذب المعجبات والمعجبين حوله، حتى أنا وأحد رفاقي المقربين كنا معجبين حد الدهشة بما يطرحه صاحب هذا المعرف.

 فجأة ذات يوم اختفى رغم ذلك الحضور الطاغي الذي أوجده لنفسه.. الكثير من المفسبكين الذين نعرفهم سألوا عنه واشتاقوا إليه.

 وذات يوم أثناء غيابه، رفيقي المقرب الذي كان يجلس بالزاوية المقابلة من الغرفة نفسها، شاهدته يكلم شخصا آخر على الماسنجر وهو مرتبك والعرق يتصبب من جبينه رغم برودة الغرفة! 

شدت انتباهي ملامحه فسألته لحظتها: "من اللي معك على الماسنجر؟".

قال: "مافيش حد.. جالس أكلم صديقي".

أدركت حينها أنه لا يمكن لأي كان أن يكلم صديقه وهو بتلك الوضعية المرتبكة التي توحي لك وكأنه باللحظات الأولى لأول لقاء مع حبيبته. 

قلت: "مش معقول هذا الارتباك بكله يسببه صديقك.. الظاهر أن هناك شيئا تخفيه!".

"دعمم" ساكت ولم يرد عليَّ.. ولأننا بالعادة مجتمعات فضولية، مطيت رقبتي وكأنها رقبة زرافة واكتشفت ما يخفيه وراء تلك الملامح.. كان يتكلم مع امرأة، هي صديقة صاحب المعرف وإحدى معجباته التي كانت دائمة الحضور بصفحة ذلك المفسبك المفقود.

 بعد ذلك عرفت أن تلك المرأة المسكينة تعيش معه قصة غرامية وجاءت تسأل رفيقي عنه لأنها ظنت أنه أقرب أصدقائه ويعرف عنه كل التفاصيل وعن أسباب غيابه.. 

 رفيقي لم يجد حيلة للوصول إلى صاحب المعرف، ولا أنا أيضا، لنساعد تلك العاشقة المسكينة وبقينا يومها بلا نوم لهذا السبب.

مرت الأيام وعاد صاحب هذا المعرف للفسبكة من جديد، عاد وسط اهتمام وترحيب كبير زاد من غروره، ليغريه ذلك الاهتمام ويدفعه إلى الظهور.

 في البداية غير تلك اللوحة التي كانت صورة المعرف ووضع مكانها صورته الحقيقية وهو رجل بالأربعين من العمر ورأسه "كالأثبة" -ليس عيبا أن تكون صورته غير جميلة- لكن الصدمة الأكبر عندما استبدل الاقتباسات التي كان يضعها في منشوراته بأفكاره الحقيقية وكان الفرق شاسعا بينها وبين الاقتباسات.. أشبه بالفرق بين اللوحة وصورته الحقيقية. 

خلال تلك التحولات الكبيرة في شخصية هذا المعرف بقيت أراقبه وهو يتلاشى أمامي إلى أن فقد مكانته وحضوره.

 حتى تلك العاشقة المضحوك عليها،  التي كانت على مشارف الانتحار خوفا عليه لولا اهتمام رفيقي ورعايته لها، حتى هي تركته ورجعت لتداري خيبتها بعلاقة عابرة مع رفيقي.

 ربما اقتنعت برفيقي كصديق لها وهي تقول مع نفسها "سراج الويل ولا الغدرة". 

هذا المفسبك المغرور والرومانسي الكبير الذي كان يستكثر أن يضع إعجاب على تعليقي في صفحته، حينها بعد أن فقد ذلك الحضور والمكانة عاد ليتمسح بصفحتي ووحدي من بقي يشفق عليه ويحاول مساعدته بتلك الأزمة النفسية التي يمر بها لكن دون جدوى.

 فبعد كل ذلك الانهيار المفاجئ الذي حدث حاول أن يقاوم ويعيش بهذا العالم الافتراضي ولكنه لم يستطع أن يتقبل واقعه وذاته الحقيقية فانتحر بعد ذاك فيسبوكيا واختفى نهائيا ولم يعد.

هذا المفسبك المسكين الذي بنى لنفسه صورة مضخمة، فصدقها الآخرون وصدقها هو، حينما تبخر وهم العظمة لديه واكتشف حقيقة نفسه، كان وقع الصدمة عليه أكثر مما هي على الآخرين!

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك