د. صادق القاضي
محرقة الـ"28 رمضان" لماذا وكيف ومن المسئول؟!
ليست مجرد حادثة مؤسفة. هذه جريمة مروعة بكل المقاييس. هناك جناة وهناك ضحايا، وأسباب مباشرة وغير مباشرة، المحرقة جماعية راح ضحيتها حوالي (100 قتيل) وأكثر من (300 مصاب)، من بين آلاف من الجائعين الذين احتشدوا في ساحة إحدى مدارس صنعاء لاستلام صدقات لا تزيد بالنسبة لكل منهم عن (خمسة آلاف ريال).!
لماذا وكيف ومن المسئول؟!
يرى بعضهم أن الازدحام والتدافع، وربما ماس كهربي.. هو السبب في هذه الفاجعة الكبرى.. وهو تعليل يجعل الضحايا هم الجناة، وفي أحسن الأحوال، هو يتعلق بالكيف. بطريقة القتل والموت، لا بالأسباب الأكثر صلة وشمولية وموضوعية.
على مستوى آخر: قد يلقي بعضهم المسئولية على "الكبوس"، التاجر الذي احتشد الفقراء لنيل صدقاته. وبالفعل كان بإمكان هذا التاجر تنظيم العملية بشكل آخر لا يتسبب بهذا الزحام والاكتظاظ والتدافع القاتل. لكن هذا التعليل هو بدوره محدود وضيق بشكل كبير.!
السؤال الجوهري هنا ودائما هو: ما الذي دفع هؤلاء بالآلاف للاحتشاد والازدحام والتدافع بهذا الشكل؟!، لماذا تنازلوا عن كرامتهم، وخاطروا بحياتهم، وراح المئات منهم ضحايا الحاجة لاستلام صدقة لا تساوي قيمة وجبة عشاء لأسرة صغيرة.؟!
يقول بعضهم: السبب هو الفقر والعجز والحاجة على حافة الجوع.. لكن هذه أيضا إجابة غير كافية، لأن الفقر -في كل زمان ومكان- نتيجة لا سبب، وراء كل حالة فقر وجوع جهة أو جهات مسئولة، هناك من تسبب بهذا الفقر والجوع.
الفقر ليس عيبا على المستوى الفردي، لكنه على المستوى الجمعي ليس عيبا فقط، بل جريمة جسيمة تقع مسئوليتها أولا وأخيرا على النظام الحاكم.
الفقراء الجائعون المحتاجون.. الذين احتشدوا في مكان الجريمة في صنعاء. جزء يسير من مئات الآلاف من الفقراء الجائعين في صنعاء، وهؤلاء بدورهم جزء يسير من ملايين الفقراء الجائعين المحتاجين الذين تزداد أعدادهم يوما بعد يوم في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية.
هذه هي الطفرة الوحيد التي حدثت في اليمن خلال التجربة الحوثية، ازدياد مهول في أعداد الفقراء والجائعين والمتسولين والمقابر، في ظل سياسة كهنوتية أوصلت معظم الشعب إلى حالة مزرية من الفاقة والحاجة والعوز، ودفعت بمئات الآلاف من الجنسين إلى التخلي عن كرامتهم ومد أيديهم لطلب الإحسان.!
من جهتها، ألقت الجماعة الحوثية مسئولية هذه المحرقة الجماعية على "العدوان السعوأماراتيصهيوأمريكي"، وبهذا فقط، تكون. من وجهة نظرها، قد أبرت ذمتها، وحلت المشكلة، كما حلت كوارث سابقة، وستحل كوارث لاحقة.!
من اللافت عدم وجود هاشمي واحد بين هذه الحشود الجائعة، ولا ضحاياها هذا الهولكست الحوثي، ما يؤكد المؤكد بشأن الطبيعة العنصرية للسياسة الحوثية، وضحاياها، على هدي أسلافها من الأئمة الذين ارتبط تاريخهم بالجوع والمجاعات الشاملة، وفي كل مرة كان الفقراء والضحايا من أبناء الشعب اليمني الذي يبدو أنه سيتغاضى كالعادة عن هذه الجريمة.
أثق بقدرة هذا الشعب المغلوب على أمره، على النسيان، وأنه شعب مؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين فقط.!