د. صادق القاضي
كيف يتم استغلال حرائق "غزة".. لإنضاج طبخات مشبوهة على مستوى المنطقة؟!
بغض النظر عن الغطرسة الصهيونية، وعدالة القضية الفلسطينية، وشرعية المقاومة.. فالمؤكد أن هناك من يستغل الحرائق المندلعة اليوم في "غزة"، بانتهازية، لإنضاج طبخات خطرة مشبوهة ضد دول المنطقة، كما لو أن الهدف من إشعال النار "غزة". جعلها فتيلاً لاحتجاجات شعبية غوغائية عارمة على امتداد المنطقة العربية، لإسقاط بعض الحكام والأنظمة، بما يشبه ما حدث خلال "الربيع العربي".
"إيران" هي التي تدير اللعبة هذه المرة، بجانب قطر وتركيا من خلال التنظيم الدولي لجماعة "الإخوان المسلمين". هذه الحملات الإعلامية اليومية الكثيفة، والمسعورة بشكل غير مسبوق، والموجهة غالبًا، ليس ضد إسرائيل، بل ضد حكام ودول عربية محددة على رأسها مصر، والسعودية، والإمارات.. تدل ببداهة جارحة على أن هذه الدول هي المستهدفة من وراء هذه الحرب التي وفرت لكل الأطراف المناوئة فرصةً ذهبية لإسقاط سيناريوهاتها المعدة مسبقا تجاهها على أرض الواقع.
وفيما يتعلق بغزة. التي هي الضحية الأولى وربما الأخيرة لهذه اللعبة القذرة، وفضلا عن جعلها صاعقا لقنبلة أكبر منها بكثير، فالهدف النهائي الذي بات مكشوفا بأكثر مما يكفي لهذه الأطراف تجاهها، يلتقي جوهريا مع هدف إسرائيل التي كانت منذ اللحظة الأولى لاندلاع هذه "الحرب"، توجه أذرعها الثقيلة لضرب شعب غزة، وعيونها متجهة صوب سيناء لجعلها وطنا بديلا لأهل غزة، وبما يخلصها من همهم المزعج إلى الأبد.
القضية ليست مؤامرة خفية بقدر ما هي خطة قديمة معروفة، ومشروع معلن منذ فترة طويلة، كشفت إسرائيل من جهتها عنه في أدبياتها الاستراتيجية، منذ عقود، وعرضته مبكرا على الجانب المصري، فرفضه الرئيس "مبارك"، كما تعاقد الإخوان مع أمريكا عليه في بداية "الربيع العربي"، وعرضه الرئيس "محمد مرسي"، على الرئيس الفلسطيني "عباس أبو مازن" الذي رفضه وأجهض المشروع.
أو بتعبير أدق: أجهضته ثورة الشعب المصري في 30/ 6/ 2013"، مطيحةً بنظام الإخوان ومشاريعه اللاوطنية واللاقومية التي تخدم إسرائيل، على حساب مصر ودول المنطقة، ومن حينها والتنظيم الدولي لجماعة "الإخوان" في مصر والعالم، ومن ورائه الدول الراعية، يوجه كل جهوده، السياسية والإعلامية، المشروعة وغير المشروعة، لإسقاط النظام المصري مجددا، من خلال الخطابات الشعبوية التعبوية الغوغائية التحريضية ضد الرئيس والجيش والنظام المصري.
وعلى هذا الأساس شاركت "حماس" في هذه "اللعبة"، ليس كطرفٍ، بل كأداة، بصفتها أحد التنظيمات المحلية التابعة لجماعة "الإخوان"، من جهة، وكأحد التنظيمات التي باتت تابعة لنظام الثورة الإسلامية في إيران، من جهة أخرى، وفق تبعية مزدوجة تكشف بوضوح عن التحالف السياسي الوثيق بين الإخوان وطهران.
في المحصلة: لا شيء لوجه "غزة" أبداً. نحن أمام أطراف دولية كثيرة. كل ما يهمها اليوم من غزة والقضية الفلسطينية هو تحقيق مشاريعها الانتهازية المعروفة في المنطقة، وبالذات تجاه مصر التي كانت وما تزال هدفا لأطراف دولية وإقليمية عديدة. همها الأساس إسقاط النظام المصري، أو إقحام مصر في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل مع إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب بشكل عام، لتدمير جيشها وتمزيق وحدتها الوطنية.. وتحويلها إلى سوريا أو ليبيا أخرى.
الجميل في الأمر أن الشعب المصري أصبح أكثر وعيا بهذه المخططات التي تستهدف بلده ونظامه، وقيادته السياسية المحنكة برئاسة "عبد الفتاح السيسي" الذي أدار الأزمة بذكاء وبراعة عالية، ونجح بإصابة عدة عصافير بحجرٍ واحد: أكد الموقف المصري المبدئي الداعم لفلسطين والقضية الفلسطينية، وكشف المخططات الدولية والإقليمية بشأن تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر، وحفظ تراب وحدود وسيادة بلده، وعزز ثقة الشعب المصري بجيشه ونظامه، واستقطب المزيد إلى شعبيته العالية.