الخُطى متسقة والمواقف منسقة، ولا خطوة من صنعاء ما لم يتم استلام أوامرها العملياتية، وتأصيلها وسبر أغوارها وتحديد أهدافها ومنحها الضوء الأخضر من طهران.
الجنرال محمد رضا نقدي مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني سبق عبد الملك بأسابيع طويلة، وهو يهدد بتحويل البحر المتوسط ومضيق جبل طارق إلى منطقة نفوذ إيرانية، ليتبعها ظله القاتم قائد الجماعة الحوثية الخميس، بتهديد ما بقي من ممرات ملاحية دولية، والإفصاح عن عزمه ممارسة أقصى أنواع الإرهاب، في ضرب السفن المارة في إفريقيا ورأس الرجاء الصالح وتعطيلها كخط بديل عن البحر الأحمر.
ليس هناك ما يستوجب البحث عن استنتاج عصي عن الفهم، سوى أننا أمام جماعة عبثية مارقة، تدعمها وتغطيها دولة هي الأُخرى تمسك بكل الخيوط وترسم سياسات لوكلائها أكثر مروقاً وأقل عقلانية، وبتحويل اليمن إلى مستعمرة ومستودع سلاح إيراني، تعمل طهران على استكمال بسط نفوذها على عموم المضائق الدولية، من باب المندب إلى هرمز، ومن مضيق جبل طارق إلى رأس الرجاء الصالح، وما بينهم البحر المتوسط والمحيط الهندي.
واشنطن تحمِّل إيران استمرار تدفق السلاح للحوثي عبر شبكات نشطة، وتُرجِع كل تعزيز لترسانة الحوثي بما فيه الإعلان عن صاروخ فرط الصوت، إلى السياسة الإيرانية ومنزعها العدائي الاستئثاري تجاه ثروات وممرات ودول المنطقة، وبالتالي فإن إقدام الحوثي ليس على ضرب رأس الرجاء الصالح فعلياً، بل مجرد التهديد بفعل ذلك، يوسع من حوله مساحة الخطوط الحمراء، ويجعل من الحوثي إرهابا عالي المخاطر، يستوجب عملية تدخل عسكري تتسم بالجدية والحسم، تدخّل يتخطى سياسة الاحتواء المرن إلى كسر العظم وتهشيم مفاصل القوة، وإزاحة الخطر لا تدويره، وهنا تبرز مجدداً القوى المحلية المناهضة للحوثي فكراً ومشاريع سياسة.
كل حروب التاريخ الحديث أساسها اقتصادي، وحين تسعى إيران إلى إحكام الطوق حول الاقتصاد العالمي، وخنقه من كل الجهات، حينها فقط يتحول الحوثي وخلفه إيران من هاجس إقليمي إلى خطر يهدد مصالح كل الدول، وتغدو الخطوة المستحقة ليس أقل من عمل دولي مشترك، مسنود بقرارات الشرعية الدولية وبحضور ملموس لدول المنطقة.
نحن أمام انعطافة حادة تعيد تسمية المواقف كما يجب، وترسم السياسات وتصبح معها قواعد الردع الراهنة والاشتباك المنضبط، فسحة وقت تمنح الحوثي نفساً أطول، في ترميم بُناه العسكرية والانتقال إلى مرحلة هيمنية، يتجاوز فيها الإقليم إلى عصب اقتصاد العالم.
جمع تصريح مساعد قائد الحرس الثوري حول تهديد البحر المتوسط، وبسط النفوذ على مضيق جبل طارق، يضاف له قول قائد الجماعة الحوثية بضرب السفن في رأس الرجاء الصالح والمحيط الهندي، لا يعطي عواصم القرار الدولي ترف الانتظار، وإدارة المواجهة بهذا القدر المتواضع من استهداف معاقل قوة الحوثي، بل يصبح هناك خيارات إجبارية: إما التعاطي مع الحوثي بذات الحسم كإرهابي أشد خطرا وفتكاً من داعش، إرهابي يملك بين يديه إمكانات دولة منقلب عليها، ودعم دولة إقليمية، أو القبول بمعطيات تفرضها إيران، وبالتالي تجبر العالم ودول الجوار القبول بإطلاق النار على قدميهما، وتفرض قواعد جديدة في خارج القانون الدولي، وحيث سياسة الجنون ومغامرات الدول المارقة، تقود العالم إلى توترات وحروب لا تنتهي.
بعد تصريح الخميس، الحوثي على حافة الهاوية وفي مرمى النيران.
من صفحة الكاتب على إكس