مصطفى محمود

مصطفى محمود

تابعنى على

اليمن.. كيف تنتصر الهزيمة!

منذ 3 ساعات و 19 دقيقة

إن بقاء الحوثي مسيطراً كان أعظم انتصار للهزيمة في تاريخنا الحديث، إن لم يكن تتويجًا لكلّ الهزائم التي مرّت بها اليمن منذ ثلاثة آلاف عام، وتكثيفها جميعًا في عهدٍ سلاليٍّ واحد في القرن الواحد والعشرين.

 فكلما ازداد الموت والدمار والتوغّل في الانحطاط، ازداد انتصار الهزيمة، وتحوّلت من هزيمةٍ مؤقّتة وجزئية إلى هزيمةٍ وجودية وشاملة للبشر والحجر والهواء والماء والتاريخ والجغرافيا والاجتماع اليمني. وكلما شَحّ الأمل وانقطعت سبل الحياة أكثر؛ ازدادت الهزيمة انتصارًا، وغرق اليمنيين أكثر في التوحّش. الحوثي. 

ليس انتصار الهزيمة تناقضًا لغويًا، بل علينا فقط أن نُغيِّر المعيار الإنساني العام لتوجّه البشرية: من التوحّش إلى الحضارة، ومن الحيوانية إلى الإنسانية، ومن التاريخ إلى المستقبل، ومن الولادة إلى الموت.. إلخ. عندها فقط نفهم كيف تنتصر الهزيمة! فعندما يصبح المعيار الأعلى هو عكس توجّه البشرية، يصبح انتصار الهزيمة هو الغرق في الموت والبربرية الحوثية واليأس وانعدام الأمل. وكلما أوغلنا في تلك العناصر المضادّة للحياة، انتصرت الهزيمة لذاتها، وعاشت نشوة انتصارها في تعميم الموت وثقافته على نحو أوسع.

إن بقاء الحوثي على رأس الانقلاب ليس بقاء شخصٍ حالم بأن يصبح إمامًا دكتاتورًا، ولا بقاء سلالةٍ حاكمةٍ لسلطةٍ في عالمٍ تتوسّع فيه الجماعات الإيرانية الإجرامية، بل هو رمز يمني وإنساني عام لانتصار الهزائم، وانتصار التفاهة، وانتصار الموت على الحياة. الحوثي لا يحكم اليمن فعليًا، لكنه حاكمها، ولا يحتل اليمن كلّه، لكن وجوده صار شرطًا لازمًا لكلّ احتلال. فكلّ الاحتلالات تحتاج إليه وإلى وجوده لتبقى مشروعةـ شرعية أو غير شرعية ـ وليس لدى أي محتلٍّ تصوّر خاص باليمن، بل هو مجرّد بلد لاختبار الموت ومنازعة الآخرين:

حقلٌ لتجريب الأسلحة الفتّاكة على الأجساد الحيّة،

مقبرة مغلقة على سكّانها،

ساحة لاستراتيجيات أميركية ضائعة منذ أوباما،

حديقة خلفية للمشروع الإيراني الأسود في المنطقة،

مكبّ نفايات نووية،

ومختبر لعملاق الإرهاب “الأسطوري” في قمقم الصحراء اليمنية. 

لم يكن انتصار الهزيمة أمرًا جديدًا علينا. لكن الجديد هذه المرّة هو تحوّل الهزيمة المنتصرة إلى نموذج أعلى، نموذجٍ منفصلٍ تمامًا عن الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لليمنيين. إنّه نموذج "الكذبة السلالية الشاملة" التي لا تُطاق: الكذبة التي تريد إقناع الميت بأنّه لم يمت، بل حيّ، وإقناع الجائع بأن جوعه وهم، والمشرّد بأن له وطنًا، واللاجئ بأن حضن الوطن في انتظاره! وعندما تصبح الهزيمة المنتصرة بهذا الشكل نموذجًا أعلى وقيمة وطنية عليا، يغرق الناس الواقعيون أكثر في ظلماتها، بينما تنتصر كذبة الانتصار لنفسها وتتحوّل إلى حقيقة.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك