عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

حرية الرأي بين الحركة الوطنية والجماعات الدينية

Tuesday 10 July 2018 الساعة 05:21 pm

لايمكن خلق مجتمع طبيعي وجيل مبدع، إلا في ظل رعاية واحترام وتقديس لحرية الرأي، على مختلف المستويات السياسية والثقافية والعقائدية.

إن معركة حرية الرأي أمام أي سلطة أمر ليس سهلاً، فخلط الأوراق تحت ذريعة حرية الرأي، أمر في غاية التعقيد، فالخلط بين حرية الرأي وأمور أخرى لاعلاقة لها بحرية ولا رأي، ومصادرة حرية الرأي تحت ذريعة الإخلال بالأمن والسكينة العامة، يعد المقدرة الفنية والأمنية والتشريعية لأي سلطة هو الاختبار الأصعب أمامها، وبالتأكيد فإن البدء بهذا المسار لن ينتج بسهولة ولن يستمر بتطوراته دون عوائق وتحديات، بل وأيضا انتكاسات.

لأكثر من خمسين عاما من نضال الحركة الوطنية، ومسار تطوراتها وتراكماتها، فإننا كنا قد توصلنا إلى محاولة تنظيم حرية الرأي والصحافة في آخر السنوات من حكم صالح، حيث تم إقرار عمل محكمة خاصة بالصحافة؛ لتفصل بين ما هو رأي وما هي معلومة وبين ما هو تلفيق واتهام وأعمال أخرى.

وبما أننا كنا قد توصلنا إلى مرحلة لابأس بها من حرية الرأي والتطلع لكمال الرقي، فقد واجهت الفكرة بحد ذاتها نقدا وهجوما شديدا ولاذعا، ولربما تم اتهامها وتوظيف فكرتها بغير ما تقصد الفكرة، فالبعض أنتقد لماذا يتم تخصيص محكمة للصحافة، لماذا لا ترفع شكوى ضد الصحفي كونه مواطنا، وأنا كنت ممن انتقدوا الفكرة لأن الرأي مقدس لايحاكم ، بالطبع كنت أنا والآخرين في نقد الفكرة لربما دون قصد تجاهلنا حجم التطور الهائل الذي تعيشه الصحافة، والدور الكبير الذي تلعبه في المجتمع وفي الحياة السياسية والقضايا الوطنية العامة، والتأثيرات على المستويات الشخصية، وبقدر هذا التنامي والتطور خلقت مشاكل الصحافة المتعددة وطبيعة خصوصيتها الصحفية.

اخترقت الجماعات الدينية الأحزاب السياسية والمؤسسات الوطنية ، كما اختراقت الأحداث الوطنية الكبرى ، واستغلت الصراع السياسي، ودعمتها دول وسياسات مختلفة، فبنت لها مؤسسات إعلامية، وبدأت بتوجيه خطابها واستقطاباتها ، وهنا انتقلنا من حرية الرأي إلى الحروب الإعلامية والاستقطابات السياسية ، حتى انهدم الوطن، ويعد انهدامه فرصة وأمنية الجماعات الدينية ، سيطرت الجماعات الدينية، وكشرت انيابها ضد حرية الرأي والصحافة ، كونها تعتبره عدوها الأول.

تشترك كل الجماعات الدينية باختلاف تركيباتها وتناقضاتها ، بالعداوه المبدئية لحرية الرأي والفكر ، وتعتقد بأنها موكلة من الله لقمع الناس باسم الله ، يعتقدوا بأن الفساد هو الفكر والرأي وأي تفكير عقلاني خارج قناعاتهم ، وأن مهمتهم هو اجتثاث واسكات كل من يخالفهم ، فقط هم يتدرجون بمراحلهم وتصنيف أعدائهم، وكل ما امتلكوا من المقدرة لقتل مخالفيهم فلن يترددوا ثانية واحدة ، حتى وان كان بالأمس حليفا لهم او تابعا او متعاطفا او محايدا.

تعيش الجماعات الدينية على القتل والدم والعداء لكل من يخالفها ومن لم يشاركها قناعاتها يعد مارقا وضد الدين والوطن كل من لايقدسها هي ويقدس توحشها ، فمن يقدس الدين بحد ذاته وبقيمه الجوهرية الحقيقية ويؤمن بالعقل والمنطق والعلم والحرية والكرامة ، هو أشد وأخطر عدوا أمامها من أي عدو تقليدي آخر.

إذا لم تستطع الجماعة الدينية القتل، لأي سبب، فإنها تمارس الإرهاب الفكري والسياسي بخطابها الديني والسياسي ، وكذلك تقوم بارسال الرسائل المباشرة وغير المباشرة ، والتهديدات الخاصة والعامة... قبل أسابيع يراسلني صديق عزيز هو الدكتور قاسم المحبشي استاذ الفلسفة بجامعة عدن ، ليخبرني بكل ألم بأنه اضطر للهروب إلى دولة افريقية، بسبب تكرر تهديده من قبل شخص ، يتضح بأنه يتبع جماعة دينية..

لا أحد قادر على أن ينكر بأن الجماعات الدينية المتطرفة بعدن والجنوب عامة ، لولا جهود وتصميم الاشقاء بالتحالف والامارات خاصة ، لكانت هذه الجماعات هي المسيطرة ومن تحكم الآن ، وان النجاح بمواجهة خطرها لايلغي بقاء تواجد بسيط واخطار محددة.. وبأن الصراعات بين الجماعات الدينية بتعز ، والمراهنة على مواجهة الحوثي بعدو تقليدي قد انتج مشاكل واختلالات مختلفة، وتأخر بعملية التحرير ، فلايمكن مواجهة جماعة دينية بجماعة دينية أخرى.

أما المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي ، فالأمر غني عن أي ايضاح ، فحسب تقارير دولية موثوقة بأن جماعة الحوثي تحتل المرتبة الثانية بعد داعش بالانتهاكات ضد الصحفيين ، كما ان الحوثيين في الفترة الاخيرة قد تطوروا اكثر بالانتهاكات، مما يؤكد بأن الحوثيين اليوم قد أصبحوا يحتلون المرتبة الأولى وبكل جدارة تفوقوا على داعش.

وهكذا يتضح بأن الجماعات الدينية، هي البديل عن الدولة الوطنية ، وبأن ارهابها وتخلفها هو البديل عن التطور والتقدم ، فهي خطر حقيقي على الأوطان، وعلى الحرية والكرامة والرأي، وأنه لا حل أمامنا إلا مواجهتها والانتصار للدولة والوطن والحرية والكرامة، وللرأي والعقل والفكر والأخلاق.