محمد عبده الشجاع

محمد عبده الشجاع

تابعنى على

محمد خالد ياسين... قيمة فنية بحجم الضياء ومواسم المطر!!

Sunday 19 August 2018 الساعة 10:00 am

سأكتب هذه المرة عن موهبة الفن، سأكتب عن شاب لطالما كان صوته فلتة فنية تثير الكثير من الدهشة والأسئلة، وترسم انطباعاً جديراً بالتوقف والإصغاء حتى آخر حرف يهبط من أعلى الشلال.

في زحمة المواهب المتنوعة، ومواكب المدَّعين، تتدحرج ذائقة السمع يوماً عن آخر، غير أن للصوت البديع أشرعته التي يبحر بها، ومجاديفه التي تُلوّح للملكوت بالسلام والمحبة والوئام، فتبهر المُنصتين، وتغسل الجوارح بآيات كريمات، وقصائد ملهمات مطربات، وبوح شاسع بحجم الضياء، ومواسم المطر.

"أطْبِقِ الأجفان يا هذا الطَّليق
إن في القلب أعاصير وضِيق
ها هو القرآن يُتلى بانسجام
والأناشيد بريق في بريق".

من مدينة تعز، حيث الوجع والجمال، والمآثر والقِباب، وفسيفياء الدويلات وشواهدها، واللهجات المتعددة، والتاريخ والقلعة، والعِلم والثقافات، والموضة والحياة، حيث الأسماء المعتقة بالمناجاة والتصوف، والرواد الذين منحوا المدينة رونقا وسُموا، والصفات الزاهدة عن الرغبات، والأضرحة الخالدة، والمنارات التي تربعت الأمكنة، تعز التجارة ورجالاتها، البيوت وأسرارها، العلم وأصحابه، الأدب وأربابه، الفن وعشاقه.

تعز التي لا تموت إلا في أصابع من عشق الضغط على الزِّناد، وتفرد في ابتكار السواد.

هذه المدينة ستكون في الموعد ولاّدة للجمال، أما العابر من القبح فسيبقى عابرا. بالجوهر وحده ينتفع الناس، وهو الباقي والمتجذر في الأرض.

"بديعٌ أنت يا صوت السماء
ويا روح البسيطة والنقاء
إليكَ الروح لا تُصغي مراءً
ولا تُبدي التعجب كي تُرائي".

(محمد خالد ياسين)، قصة صوت يمنح الأرواح غربة مذهلة، ويضفي على الحقيقة سطوعا لا يضاهيه إلا سطوع الفجر في مواسم الشتاء.

صوت يحيلك إلى زمن لا يشبهنا، زمن الاستثناء، يتدفق كنهر عذب، يمر بالأسماع كما تمر النسائم، يترك دهشة مليئة بالسحر، قرآناً ونشيداً وتواشيح وابتهالات.

صوت مليء بالشجن والخشوع، ممتد إلى أقاصي الأبد.
هذه ليست جملا إنشائية تقال في موهبة عابرة، ولا طرحا زمنيا مؤقتا في موهبة عادية، هذا مجرد توثيق لِمَلَكَةٍ مبهرة، فمزامير داوود التي كانت.. لا تزال آثارها في حناجر مَنحَها الخالق كل هذا البهاء.

كان لي الشرف أن التقي هذا الصوت، لأعرف عن قرب من أين ينبع، فوجدتُ شاباً خلوقا مهذبا هادئا بسيطاً، لا ترى عليه آثار التكلف أو الغرور، ولا بهرج الممتلئين بالفراغ، شاب يضج بالأدب والرُّقي، متطلع وصبور، تَسعد لسماعه، وتبتهج لِلُقْياه كما لو كنت تفقد نجمة تهتدي من خلالها إلى آيات الكون.

محمد خالد.. أيقونة وقيمة فنية متكاملة، صوت طربي بديع، تفرغ للدراسة الجامعية في قاهرة المعز، مكتف بتلاوة القرآن والأناشيد المعبرة، والابتهالات الشجية.
يعترف بأن الفن يحتاج لتفرغ كامل ولجهود مضاعَفة، وربما لقرار مصيري، وهذا ما لم يفكر به أبداً حتى اللحظة.

البيئة التي يولد منها مبدعون كهذا، بيئة ستتجلى فيها الحكمة، وستنتصر فيها الكلمة على الطلقة، وسوف تسمع فيها أغاريد العصافير وهي تملأ البسيطة.

المبدعون الحقيقيون هم ضوء الوطن ومفاتيح سعادته.
هم السيرة العطرة، والتفاصيل المعبرة عن مستقبل ينتظره كل يمني؛ يؤمن بالحياة كما يجب أن تكون.
سلام عليك محمد ياسين، سلام على الحالمة، وعلى اليمن السعيد.