د. عادل الشرجبي

د. عادل الشرجبي

تابعنى على

معين عبد الملك.. رئيس وزراء لا شأن له بالدولة

Tuesday 16 July 2019 الساعة 08:46 am

في سبتمبر 2016 أصدر الرئيس هادي قراراً بنقل البنك المركزي اليمني إلى العاصمة المؤقتة عدن، وحينها تعهدت حكومة رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر للمؤسسات الدولية بصرف رواتب جميع موظفي الدولة في كافة المحافظات بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، ثم توالت الوعود من قبل الرئيس هادي ورئيس الوزراء السابق نفسه، وخلفه في منصب رئيس الوزراء الدكتور معين عبد الملك، ومحافظ البنك المركزي اليمني الحالي حافظ معياد، وسلفيه القعيطي وزمام، مع ذلك ما زال معظم موظفي الدولة في المحافظات الشمالية لا يستلمون مرتباتهم، وحتى أولئك الذين يستلمون مرتباتهم فإنها لم تعد تكفي لتلبية متطلباتهم المعيشية بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار، وانهيار منظومة الخدمات الاجتماعية الحكومية في مجال المياه والكهرباء والصحة والتعليم، الأمر الذي دفع الموظفين في محافظة عدن للخروج في مظاهرات حاشدة في 2 سبتمبر 2018، احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، ما دفع الرئيس هادي إلى اتخاذ قرار بزيادة المرتبات بنسبة 30% ابتداء من مرتب شهر سبتمبر 2018، وهو ما لا يتناسب مع الزيادة المهولة في الأسعار ولا مع تدهور القيمة الشرائية للريال اليمني، ولا مع تراجع أسعار الصرف، وفي 15 أكتوبر 2018 أصدر الرئيس هادي قرار رئيس الجمهورية رقم (180) لسنة 2018، قضى بإقالة أحمد عبيد بن دغر من منصب رئيس الوزراء وإحالته للتحقيق، وقد برر القرار إقالة ابن دغر وإحالته للتحقيق ب"الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد، وخصوصاً انهيار العملة المحلية، ولفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة"، وقضت المادة الثانية من القرار بتعيين الدكتور معين عبد الملك سعيد رئيساً لمجلس الوزراء، الذي أدى اليمين الدستورية في 18 أكتوبر، وانتقل يوم 23 أكتوبر إلى محافظة المهرة، كما لو أنه قد صدق أن واحداً من أهم أسباب إقالة ابن دغر هو آثار إعصار لبان في المهرة، وخلال تلك الزيارة أطلق معين عبد الملك تصريحه المشهور، الذي قال فيه إن جهود حكومته سوف تتركز على الجوانب الاقتصادية والخدماتية والإنسانية، وهو التصريح الذي شكل "برادايم" المقال الذي نشره الصديق جمال جبران في العربي الجديد قبل أسبوعين تقريباً بعنوان "معين عبد الملك: رئيس وزراء لا شأن له بالسياسة".

وقد أثار هذا التصريح استياء كثير من المواطنين ناهيك عن المثقفين والكتاب والساسة وتندرهم، فإحدى أهم وظائف الحكومة ورئيس الوزراء كما ينص دستور الجمهورية اليمنية هي الاشتراك مع رئيس الجمهورية في إعداد الخطوط العريضة للسياسة الخارجية والداخلية، وبالتالي فإن المعنى الذي يشير إليه هذا التصريح هو أن رئيس الوزراء لم يستوعب مهام المنصب الذي قفز إليه دون مقدمات كافية (حسب مقال الصديق جمال جبران)، وأنه ينظر إلى مهامه باعتبار مجلس الوزراء مجرد سكرتاري لرئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من الاستهجان الواسع الذي قوبل به تصريح معين عبد الملك من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين، اعتبر البعض أن هذا التصريح تصريح إيجابي، حيث ستتصرف حكومة معين عبد الملك باعتبارها حكومة تكنوقراط، على الرغم من أن مؤهلات معين عبد الملك (دكتوراه في تاريخ العمارة) لا تؤهله لقيادة حكومة تكنوقراط.

كشفت الأشهر التسعة الماضية أن وعود معين عبد الملك بتحسين الوضع الاقتصادي ورفع المعاناة الإنسانية وتحسين تقديم الخدمات كلها كانت وعوداً غير حقيقية، لاسيما فيما يتعلق بصرف مرتبات موظفي الدولة، ففي 23 فبراير 2019 أعلنت حكومة معين عبد الملك أنها أقرت الإطار العام والسقوف التأشيرية للموازنات العامة للدولة لعام 2019، والتي شملت لأول مرة كافة محافظات الجمهورية، وفي 31 مارس 2019 أعلن معين عبد الملك عن زيادة في المرتبات بنسبة 70% وصرف العلاوات السنوية بنسبة 5% لأربع سنوات سابقة حتى عام 2018، وخلال عرضه مشروع البيان المالي للموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019 أمام جلسة مجلس النواب التي انعقدت في مدينة سيئون بتاريخ 14 أبريل 2019، قال: إنه تم تقدير المرتبات والأجور على أساس موازنة العام 2014م مع الأخذ في الاعتبار الزيادات الحتمية المتمثلة بزيادة الـ 30% والعلاوة السنوية والنفقات الفعلية في مرتبات الجهاز العسكري والأمني، وقد بلغ إجمالي المرتبات والأجور مبلغ (1,223,525) واحد تريليون ومائتين وثلاثة وعشرين مليارا وخمسمائة وخمسة وعشرين مليون ريال، وقال إن سياسة الحكومة بشأن المرتبات فإن الحكومة تعمل على صرف المرتبات لكافة موظفي وحدات الخدمة العامة المدنية والعسكرية عبر حساباتهم الشخصية في البنوك والهيئة العامة للبريد في مختلف محافظات الجمهورية. ورغم كل هذه الوعود ما زال قطاع واسع من موظفي الدولة في المحافظات الشمالية بلا رواتب.

إن مرتبات موظفي الدولة هي في الحقيقة أقرب إلى المساعدات الاجتماعية منها لمرتبات حقيقية تكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة، فمرتب الموظف الحكومي الحاصل على شهادة جامعية لا يتجاوز مائة وخمسين دولاراً بأسعار الصرف الحالية، ومرتب الأستاذ الجامعي حوالى 400 دولار، وعلى الرغم من ذلك فإن معظم الموظفين لم يستلموا مرتباتهم منذ سبتمبر 2016ـ فهل معين عبد الملك شخصية سادية تتلذذ بتعذيب الموظفين، ويسعده حالات الانتحار التي تنامت بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الماضية، وحالات قتل الأبناء والبنات والزوجات التي بتنا نسمع عنها بين فترة وأخرى، بسبب عدم قدرة أرباب الأسر من موظفي الدولة على الوفاء بالمتطلبات المعيشية لأفراد أسرهم، وهل يجد معين عبد الملك السعادة في موت كثير من الموظفين والأكاديميين بسبب عدم قدرتهم على شراء أدوية الضغط والسكر وأدوية أمراض القلب وغيرها من الأمراض؟ أم أنه يريد تحويل موظفي الدولة إلى جيش من المتسولين؟ أم يريد دفعهم إلى الالتحاق بعصابات الجريمة المنظمة وغير المنظمة؟ أو إلى الارتزاق والانخراط في المليشيات المسلحة؟ هذه التساؤلات تعني شيئاً واحداً هو أن معين عبد الملك لا شأن له بالدولة، وليس فقط لا شأن له بالسياسة.

* من صفحة الكاتب على (الفيس بوك)