فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

ما الذي أغفله لقاء جدة ورعاته؟

Wednesday 31 July 2019 الساعة 06:14 pm

عبَّرنا في المقال الأخير عن رأينا الشخصي بالاهتمام الذي يبديه تجاه المؤتمر الشعبي مسئولون أمريكيون وسعوديون وأوروبيون. ونزيد القول إننا نعتقد أن هذه الجهات الخارجية التي ترغب في رؤية قيادة موحدة لهذا الحزب، تفعل ذلك وهي تستحضر إلى أذهانها تراثه السياسي وتجربة بلدانها معه، وطريقته العقلانية في إدارة الشأن العام، وهي تجربة محترمة في نظر هذه الأطراف التي تكاد تفصح أن المؤتمر أفضل الخيارات القائمة للمرحلة القادمة.. ونزعم أن الاهتمام السعودي كان مثار حديث الإخوان المسلمين عن الشراكة القديمة- الجديدة، وتهم العجز والخذلان التي وجهها محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين في اليمن) للرئيس هادي والشرعية، تزامناً مع لقاء جدة.

نقول: إن الرئيس هادي والموالين له يدركون المكانة التي يحظى بها حزبهم في السياستين الإقليمية والدولية، ولذلك قاموا بمحاولات متتالية لتوليته زعامة الحزب.. وكلمة حزبهم.. مقصودة، لأن هذه المحاولات تنم عن تقديرهم للدور الذي أداه في الحياة العامة اليمنية وهم داخله، خلال الثلاثين سنة، وموقعه الشعبي.. لكن لا هادي ولا الموالون له جربوا طرح السؤال: لماذا لم تنجح كل تلك المحاولات؟ ولا أجابوا عليه أيضاً.

كم عدد تلك المحاولات التي قام بها الرئيس هادي والموالون له خلال السنوات الأربع الماضية وحتى لقاء جدة قبل أيام، لكي يحصل على زعامة حزب المؤتمر الشعبي العام؟ إنها كثيرة.. أبرزها محاولات أربع:

في الثلث الأول من العام 2015، سعى الرئيس هادي -بصفته النائب الأول لرئيس الحزب- للحصول على القيادة من خلال اللجنة التحضيرية التي شكلها في عدن حينها لتنظيم اجتماع لقيادات المؤتمر في الجنوب هدفه النهائي اختيار هادي لزعامة الحزب في الجنوب على الأقل.. وقد أسند إدارة تلك اللجنة لرجله الأول القوي المهندس أحمد الميسري، الذي أصبح الآن نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية في عدن، ومعه الدكتور عبد العزيز بن حبتور الذي صار بعد ذلك رئيس وزراء في صنعاء، وما يزال... فماذا كانت النتيجة؟ حسبكم أن المحاولة استمرت!

لذات الغرض دفع الرئيس هادي قيادات مؤتمرية نزحت معه ومؤيدة له، لتنظيم اللقاء المشهور في الرياض أواخر شهر أكتوبر من العام عينه، ثم خرجوا ببيان مؤداه أنهم اختاروا رئيس الجمهورية هادي رئيساً للمؤتمر، وزكوا بقاء الدكتورين عبد الكريم الإرياني وأحمد عبيد بن دغر في منصبي النائب الأول والثاني، وأحالوا رئيس الحزب علي عبد الله صالح ومساعديه للمساءلة.. ماذا كانت النتيجة؟ يتبع ما قبله.. بل خرج المجتمعون متفرقين، وقال قائل منهم إن الدكتور رشاد العليمي قد كلف بترتيب لقاء مؤتمري كبير في القاهرة لاختيار قيادة جديدة للمؤتمر ليس فيها صالح ولا هادي، فما رتب لقاء ولا عقد.

في مارس 2018 تولى المهندس أحمد الميسري -وبدعم من الرئيس هادي والدكتور رشاد العليمي- جمع نحو ألف قيادي مؤتمري إلى مدينة عدن، لتتويج الرئيس هادي رئيساً للمؤتمر، وكان أقوى حجتهم أن هاديَ كان النائب الأول الشرعي لرئيس حزب المؤتمر منذ المؤتمر العام السابع، ولذلك فإنه أصبح الرئيس الشرعي للحزب بعد اغتيال الحوثيين للرئيس صالح. وفي أواخر العام المذكور كان الرئيس هادي في العاصمة المصرية لذات الغرض.. لقد كانت نتائج تلك المحاولات المتكررة صفراً يتلوه صفر...!

حسناً.. ما الذي جعل المشاركين في لقاء جدة ورعاته يعتقدون أن المحاولة سوف تنجح هذه المرة؟ إنهم يغفلون مشكلة موجودة في دواخلهم، وفي داخل الحزب أيضاً.

في لقاء جدة - يوليو/تموز 2019، كان المشاركون جميعاً من الموالين للرئيس هادي، تماماً كاجتماع الرياض- أكتوبر 2015، ومع ذلك لم يتفقوا على زعامة هادي للحزب.. فهل سيؤيد ذلك الذين يخاصمونه؟ يظهر لنا أن الذين معه والذين عليه كلهم يلتقي عند مجموعة نقاط ضعفه وبعض المحاذير.

في الجهتين هناك من يرى أن الرئيس هادي لم ينجح في إدارة الشرعية والحرب.. بعض قيادات الخارج الموالية له تقول إنه لم يظهر قدرة كافية على إدارة عملية تنظيمية في ربع حزب بالخارج.. معظم القيادات البارزة في الداخل وفي القاهرة شديدة الخصومة له بسبب ما تدعي أنه في الماضي القريب أسهم إسهاماً مقصوداً في تمزيق الحزب، وأنه اليوم يحاول إبعاده عن قوى التمدن وتقريبه إلى قوى الإرهاب والتخلف.

في منابر علنية تقول بعض القيادات الموالية لهادي إنها مخلصة له، وفي منابر السر تقول إن الرجل لا يحظى بمقبولية عامة داخل الحزب، بحيث يصبح سبباً لزوال حالة الانقسام الداخلي، ويكون مصدر قوة للمؤتمر، بل سوف يغدو سبباً لاستمرار حالة الانقسام، وبصفة عامة لا يتمتع بقدرة كافية لقيادة حزب منوط به مجابهة المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية التي حاقت باليمن؟

ويبدو أن الأخوة السعوديين الذين رعوا لقاء جدة قد أغفلوا أيضاً نزعات محرقة كهذه.. ومع ذلك يُشكرون، لأن القيادات التي التقت هناك قد تواضعت على تشكيل فريق مؤتمري يقوم بالعملية الاتصالية بين مؤتمريي الداخل والخارج، وهذا مكسب جيد كنا قد اقترحناه بداية هذا العام.