د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

اغتيال "عدنان الحمادي": ماذا قبل؟ ماذا بعد؟ من يدير هذه المهزلة؟!

Friday 06 December 2019 الساعة 07:57 pm

منذ فاجعتها بـ"عبد الرقيب عبد الوهاب الذبحاني"، لم تُفجع محافظة تعز، ببطلٍ جمهوري، ورمز وطني، وقائد عسكري.. مهم وملهم من أبنائها، بعمق وامتداد ومرارة فاجعتها بالعميد "عدنان الحمادي".

الأول بطل "حرب السبعين"، والثاني بطل "حرب الانقلاب"، بفاصل زمني يتجاوز خمسة عقود عدمية تتلاشى بسخرية كخمس ثوانٍ تفصل بين مشهدٍ وإعادة.!

الحيثيات متماثلة حد التناسخ، ففي كل مرة:
البطل يقود معركة وطنية مصيرية نبيلة، يقاتل، يصمد، يتألق، يُعجز الأعداء.. لكنه في الأخير يسقط بطعنة غادرة من الخلف، على يد من يُفترض أنهم شركاء القضية والسلاح والمصير المشترك.!

هكذا سقط "يوليوس قيصر" كمثال شهير، لهذه الحبكة اللئيمة التي تكررت وتتكرر كثيراً، في تاريخ الشعوب، والأعمال الأدبية والفنية العالمية، كما لو أنها ثيمة سردية للعنة بشرية، عامة وسرمدية.!

يبدو أن هذه البلاد هي موطن هذه اللعنة، إذ ما تزال غارقة فيها، وتجتر نفسها بطريقة أكثر كثافة وهزلية، كمدمنة مازوشية تستلذ تكرار الدخول في تجربة الضحية، واستعادة آلام المسيح.

العشرات والمئات من أبطال الثورة ورموز الجمهورية، ورجال الدولة والوحدة والمقاومة.. تقربت بهم هذه البلاد للموت، وهم في أوج تألقهم، وهي في أمس حاجتها لعقولهم النيرة وسواعدهم الجبارة.!

مقتل عدنان الحمادي يعيد الدماء طرية، دماء كل المغدور بهم، بدايةً بـ"علي عبد المغني"، بطل ثورة 26 سبتمبر 1962، مروراً بـ"عبد القادر سعيد الأغبري"، بطل "العمل السلمي، والحياة الحزبية"، وصولاً إلى الرئيسين الحمدي وصالح.

رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الشعب عليه، وقضوا نحبهم غدراً، لصالح أعداء الشعب المصدوم بين خيارات الموت وخياراته، حسب تعبير البردوني:
عاش الذي قلنا: يموتُ.. ومات من قلنا: يعيشْ!

ما تزال العملية مستمرة، تبعاً للحرب التي ما تزال مفتوحة بذات السياقات السياسية والعسكرية: الصراع الجمهوري الإمامي القديم/ الجديد الذي أصبح اليوم أكثر تعقيداً، بدخول أطراف وقوى شمولية طارئة أخطرها "الإخوان المسلمون".

"يهوذا الأسخريوطي" أصبح أقوى، و"بروتس" ما زال كامناً، كما كان دائماً، خلف الكواليس، يراقب بحقد، يتربص بالجميع، يستغل ثقة البطل بمن خلفه، وينتهز انشغاله بالذود عن الشرف، ليسدد إلى ظهره طعنة غير شريفة.!

ثمّ.. كالعادة.. يذرف عليه دموع التماسيح، ويسير في جنازته، وربما يصدر بيان نعي، ويشكل لجنة تحقيق، كخاتمة هزلية لمؤامرة دنيئة مستهلكة، تبدأ باغتيال البطل معنوياً، وتنتهي بعد اغتياله جسدياً، باغتيال قضيته.!