عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

معركة السلام الأشد وطأة والأكثر خطراً

Wednesday 11 December 2019 الساعة 09:04 am

اليمن التي عصفت بها حرب دولية وأهلية لأكثر من أربع سنوات متتالية، ولم يكن لهذه الحرب سبب محدد بقدر ما تعددت واختلفت وتشعبت وتناقضت وتحولت هذه الأسباب بين أبعادها الداخلية والخارجية وتراكماتها القديمة وتغيراتها الجديدة.

فكما هو معلوم للجميع حجم التحولات والتناقضات أثناء هذه الحرب، والتي حملت العديد من المفاجآت في بيئة الحرب الداخلية والدولية.. وبالتالي تعقدت مسارات الحرب، وكل الأطراف تتقاسم الخيبة والانكسار، ويعود السبب الرئيسي لهذا بأن جميع هذه الأطراف تساهلت بشأن هذه الحرب وبالغت في تبسيطها بأكثر مما يجب.

يحاول اليوم الأغلب تجاوز هذه الأزمة والمأزق والزحف نحو السلام والاتفاقات، ولو على استحياء.

وعلى كل حال فليس في هذا ما يعيب أي طرف داخلي أو دولي أصبح يتجه نحو هذا المسار بعد أن فقد الجميع رهانه وشعاراته.

فالسلام على كل حال هو لغة الأقوياء، ولكن ينبغي أن يدرك الجميع بأن خوض معركة السلام ليست مجرد حل بديل عن فشل الحرب، بل هي معركة أشد صعوبة.. لأن تشابكات وتعقيدات الحرب والاختلافات هي نفسها تعقيدات في مسار السلام والاتفاقات.

فما لدينا من تجربة أليمة في الحرب والصراع يجب بأن تتحول إلى نقطة ايجابية في مسار معركة السلام، نأخذ منها الدرس والعبرة؛ عدم تكرار نفس السذاجة والتبسيط في معركة السلام اليوم، كما كان تبسيط معركة الحرب والصراعات.

منذ ما قبل هذه الحرب والبيئة اليمنية تعاني من اختلالات أساسية متراكمة: في البنية الاجتماعية، والبيئة السياسية، وتعقيدات التدخلات الدولية وولاءات كل طرف لجهة معينة، وفي طريقة تفكير النخبة الثقافية، وفي أداء وعمل الأطراف الرئسيسة: في صراعاتها وتحالفاتها الداخلية المتأزمة، وفي إدارة علاقاتها مع الطموحات وتدخلات القوى الدولية والإقليمة.

وكما كان هذا يعد أحد الأسباب والمسببات الرئيسية؛ التي قادت للحرب بداية. فإن ما حدث خلال سنوات الحرب قد أضاف تعقيدات وتأزمات أكثر خطرا على الواقع والمستقبل، فقد أنتجت تشظيا للتحالفات الداخلية والدولية، وانقسام جميع القوى على نفسها، ثم إن الجميع أمام تعقيدات القضايا بحد ذاتها بتطوراتها اليوم وتراكمات لخطايا وأخطاء الماضي، وليس بالإمكان تجاوزها بنوع من المسكنات المؤقتة، وإنما تلح الضرورات القصوى على مواجهتها بما أمكن من البدايات الأولية للحلول الجذرية.

فإذا لم تكن الفرصة المواتية لهذه الحلول الجذرية، هي متطلبات السلام والاتفاقات اليوم، فانه من الصعوبة العثور على فرصة أخرى.

وإذا لم تهيئ رغبة السلام أو عملية السلام مسارات للمراجعات والحلول الجذرية، فإنها لن تزيد إلا من حجم التعقيدات.

وكما كانت حربا من دون نصر لأي طرف، فإن اتفاقات الحلول والسلام إذا لم تكن تقترب من حقيقة تعقيدات القضايا بحد ذاتها بعيدا عن الشكليات والسطحية السياسية، فإن الأمر لن يكون إلا مغادرة مرحلة من الصراع، الى مرحلة جديدة تغيرت فيها آليات وطرق الصراع فقط، بينما تظل الأزمات تشتعل والصراع تتعقد، ثم نجد أنفسنا أمام أزمة أخرى وانفجارات جديدة.

خلاصة:

ينبغي أن يكون هنالك اتفاقات واضحة وشفافة بين كل الأطراف الدولية، بالقدر الذي تقدر حقيقة المشكلة والصراع باليمن وتشابكات وتناقضات التدخلات الدولية التي أصبحت أكثر تأزما وتعقيدا إضافة للبيئة الداخلية المعقدة من أساسها، فتكون توجهاتها للاتفاقات تقترب نحو مبادئ الحلول الجذرية التي تنهي الصراع بشقيه: الداخلي، والدولي، وتحل التعقيدات في ذات القضايا وجوهرها وليس في شكلياتها بإحداث تسويات محددة بين الأطراف الداخلية سرعان ما تنهار، ويجد الجميع بأنه عاد للمربع أول إن لم تكن الأزمة تقدمت الى ملامح أخرى.

إن على النخبة الوطنية، لاسيما تلك الأقرب للحياد والباحثة عن حل حقيقي لتعقيدات القضايا الوطنية المتراكمة أن تهب اليوم من مضاجعها لتقاتل بكل بسالة في مسار الحلول السياسية التي ينبغي أن تكون للقضايا الأكثر تعقيدا، فإن هذه الفرصة لن تتكرر لها مرة أخرى، فإن كان الحياد أو تأييد طرف بعينة في المرحلة السابقة له مبرراته، فإن اليوم لا مبرر لكل صاحب رأي بأن يجعل معركة السلام تنتج أكثرا ما أمكن من حلولا حقيقة، ولن يأتي هذا بدون جدية وتفاعل الأصوات الوطنية.