عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

اليمن.. بين النار والعار

Wednesday 29 January 2020 الساعة 09:48 am

يبدو أن القضية اليمنية تُركت دولياً وتشهد تراخياً إقليمياً أيضاً، ويبدو أن اليمنيين قد تُركوا بين خيارين: النار والعار، الحوثي والإخوان، وغابت الدولة والشرعية بكل تفاصيل ذلك الغياب، ومعركة نهم الأخيرة ليست سوى حالة من حالات الاحتضار للشرعية.

ولعل ما قاله محمد البخيتي من اتفاقات سرية لهدنة غير معلنة بين الحوثيين والإصلاح في جبهتي نهم وتعز، يؤكد أن الشمال تحديداً أصبح مسرحاً حصرياً لهما بعد أن تخلص الجنوب منهما معاً.

لقد شكلت معركة نهم الأخيرة كاشفة الكواشف، وقطعت قول كل خطيب بحجم الكارثة.

فكم مرة قال علي محسن: إن معركة نهم ستحقق نصراً قريباً؟ وكم مرة قال المقدشي نفس الموال؟ وكم مرة قال اليدومي قادمون ياصنعاء؟ وقال سالم إن تحرير تعز قاب قوسين أو أدنى. وقال فاضل وسمير بمعركة "قطع الوريد". وكم مرة تم دعم هذه الجبهات بمليارات الريالات؟!

روايات قادة الإخوان السياسيين منهم وأدعياء العسكرية، روايات كاذبة، لكن حبال كذبهم لم تعد تصدق، وأصبح المزاج العام يعرف أنهم يتاجرون ويستفيدون من الحرب، ويسربون هذه الروايات كي يتم فوترة الدعم وجلب دعم جديد.

 شكلت معركة نهم الأخيرة صدمة للبعض لا سيما وروايات محسن والمقدشي تفيد بأن الجيش وصل بني حشيش، وهو على مشارف صنعاء، وهي الروايات التي تكررت منذ سنوات.

جبهة نهم تم طربلتها، كما هو حال جبهات تعز، إلى أجل غير معلوم، وهي تنشط إعلامياً بين الحين والآخر كلما أرادوا جلب مليارات جديدة ليس إلا!!

الحقيقة أن الحرب توقفت عن الحدود الجغرافية الحالية منذ أربع سنوات وما تلاها هو تجارة حرب وإعداد لمعسكرات لا تتبع الدولة إنما لمشروع إخواني قطري - تركي موازٍ أو حليف للمشروع الإيراني الحوثي، وعلى هذا الأساس ينبغي فهم ما أصبح عليه الوضع اليمني.

فالجنوب تحرر من المعسكرين معاً، وهو يحاول أن يدفع ثمن هذا التحرر بالمناوشات التي تستهدفه منهما معاً في شبوة والضالع... وغيرهما.

والشمال أصبح موطن المشروعين، إلا من بعض مناطق كالحجرية وبعض مديريات الساحل، وهي ليست بمأمن من تربصات الإخوان والحوثي.

ستظل هذه الوقائع العبثية لأمد طويل من الزمن، لأنها تشكل استثمارا حقيقيا للإخوان والحوثي، وإمارات إسلامية كاملة الأوصاف، وجزراً تنبت أعشاب الإرهاب، وتؤجل أي حل عسكري أو سياسي، وليس هناك قوى حية يمكن أن تغيير المعادلة، ولا قوة عسكرية قادرة على فرض تحولات في المشهد، وهو ما يمكن أن نسميه حالة انسداد تام وتأجيل الأزمة لجيل آخر.. إذا استجدت ظروف محلية وإقليمية مساعدة..

ليس جديدا القول: إن اليمن باتت صومال وأفغانستان جديدة، وكما هو الحال فيهما منذ سنوات طويلة ستظل اليمن على هذه الحال، وسيقتصر دور المجتمع الدولي والإقليمي على حماية باب المندب والبحر الأحمر وبعض فتات من المساعدات الإنسانية.

بعد انسحاب الإمارات من المشهد العسكري اليمني تجد السعودية نفسها مرهقة أكثر ووحيدة تصارع فشل الشرعية وضربات الحوثي وخيانات الإخوان، وهو ثالوث مخيف ليس بمقدور السعودية مجابهته والتعامل معه بغير سياسات التهدئه والترضيات وإطفاء الحرائق والالتفات لحدودها غير الآمنة لا سيما وصواريخ إيران الباليستية على مرمى حجر من مكتسباتها الاستراتيجية والتي هي عصب حياة المملكة.

وفي حسابات الحروب والربح والخسارة تبدو السعودية في وضع صعب مثلها مثل اليمن، فقد فُرضت عليها حرب لم يكن بمقدورها عدم الدخول فيها وهي تعلم أن الحوثيين وإيران هدفهم مكة قبل تعز وعدن وصنعاء، وتعمل قطر جاهدة على زيادة المشهد تعقيداً من خلال دعمها غير المحدود لمعسكر الحوثي والإخوان مالياً وإعلامياً.

واقع المشهد اليمني اليوم لايعطي الأمل بحل عادل أو حتى مقبول، ذلك أن أطماع إيران والإخوان في اليمن أطماع تاريخية وليست وليد اللحظة الراهنة، لكن انهيار الدولة فيما بعد 2011 ساعدهما على تحويل الأطماع إلى واقع، والمستحيل إلى ممكن.

إن ورقة الحوثيين في اليمن تفوق أهمية لإيران من ورقة حزب الله في لبنان لأسباب عدة لا سيما في صراعها وحوارها مع الغرب، فقد أصبحت الآن تملك حدوداً مع السعودية مباشرة، وعداؤها للسعودية حقيقي بينما صراعها مع إسرائيل تكتيكي.

ومن ناحية أخرى ترى جماعة الإخوان أن اليمن هو المكان الأكثر أماناً لها بعد سقوط رأسها في مصر، وأنه ليس بمقدورها أن يكون لها جيشها الخاص إلا في هذه البقعة من الأرض والتي قال ابن لادن ذات يوم: إذا ضاقت بي الأرض لي في جبال اليمن وأرضها متسع كبير..

إن اليمن اليوم ورقة وليست دولة، قضية إقليمية وليست وطنا وشعبا وأحلاما، تدار كل تفاصيلها السياسية والاقتصادية والعسكرية من أروقة الاستخبارات ووزارات خارجية دول أخرى وليس لها غير التماهي مع تلك الإرادات المتصارعة حتى حين.

ومن هنا يمكن الجزم يقيناً أن لا حرب في نهم ولا غير نهم ما دام المنشغلون بالحرب على الجبهتين، حوثيين وإخوانا، حتى وإن كان المسمى جيش الشرعية فهذا المسمى استعارة إخوانية نسجت على واقع اليمن وأصبحت توصيفا لمبني للمجهول ليس إلا. وكل أحاديث تحريك الجبهات والانتصارات وقادمون يا صنعاء مخاتلات وتضليل إعلامي.

اليمن وشعبها تُركا بين النار والعار.. بين الحوثي والإخوان، وغابت الدولة عسكرياً وسياسياً، وبكل تفاصيلها الأخرى المهمه الهامشية منها.

ولذا فإن قضيتنا مؤجلة حتى يستفيق صاحب القرار أو يعمل الشعب على إفاقته بشكل ما.