محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

من بيروت إلى صنعاء.. "أنا مش كافر"

Saturday 04 July 2020 الساعة 07:38 pm

الجوع يذبح "بيروتياً" في أحد شوارع بيروت، ينتهك حقه في العيش بكرامة، ويسلبه الروح المُتعبة من شظايا النخبة السياسية، إذاً هي سيوف السياسيين ورصاصاتهم التي يطلقونها على الناس، في مرحلة الصراع على السلطة والنفوذ والثروة، لبنان يشهد أقسى مرحلة في حياته تُشابه مرحلة الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي.

لبنان منخور بطبقة سياسية متهالكة، وميليشيات هتكت الدولة واستولت على قرارها تحت مسميات واهية لا تخدم إلا طوائفها، ملعونة تلك الطوائف وملعونة بنادق الميليشيا التي تعيق وجود الدولة، وتجر البلاد إلى الجوع الذي بدأ بذبح اللبنانيين في شوارع بيروت.

"حزب الله" ليس إلا سلاحاً فوهته تتجه إلى صدور الناس، يريد منهم أن يخضعوا ويذعنوا لإرادته التي تحركها طهران وتبنيها في نظام ديني يسحق كل معارضة لتلك الإرادة، ويختبئ سلاحه تحت مسميات المقاومة التي أثبتت الأحداث والمواقف زيفها، وأنه سلاح لتخويف لبنان وفرض سلطة طهران أكثر مما هو تهديد لإسرائيل.

تعيش صنعاء وضعاً يشبه بيروت، لا أحد يهتم بالناس وبالجوع الذي يذبح كرامتهم، يستأسد الحوثي بسلاحه لفرض إرادته التي تبنيها طهران في نظام ديني مطابق لحزب الله، ينتهك حق اليمنيين في حياة مستقره، ويوجّه سلاحه إلى صدورهم ويخرقها ويملأها ثقوباً، في حالة إثبات زيف الادعاء أنه سلاح لمواجهة الأمريكيين والإسرائيليين.

صراع الطبقة السياسية في لبنان على السلطة أسقط المجتمع في براثن الجوع وأظهر وحش الأزمة المالية في ثوبها القبيح، دون شعور تلك الطبقة بأدنى مسؤولية، في تشابه كبير مع الطبقة السياسية في اليمن التي اتخذت من الحرب وسيلة للتكسب على حساب دماء الناس وجوعهم، وتركتهم فريسة لأنياب الحرب تحرث ظهورهم وتبقر بطونهم، دون الشعور بأدنى مسؤولية أو احترام لآلام تعبت من الأنين.

بيروت تمتلك من النخبة الفاسدة ما يهلكها في الصراع، وتمتلك جماعة دينية طائفية متطرفة لا تدين لها بأي ولاء، تعيق أي محاولات لوجود سلام دائم يحفظ تنوع لبنان، وصنعاء تمتلك من النخبة الفاسدة ما أغرقها في أتون حرب يذهب ريعها إلى خزائن تلك النخبة، وتمتلك جماعة دينية طائفية ولاؤها لطهران وتعيش في صنعاء كجندي مسلح يطلق النار على من يرفض تحيته والوقوف له.

الجوع كافر له أنياب تبطش في بطون الناس، لكنه في حسابات جنود إيران وعملائها في بيروت وصنعاء إيمان بالله وكرامة، ومن خلال ذلك يكون وسيلة لإركاع الناس وإخضاعهم لمشاريع طهران، تجويع القطيع ثم مد يد الصدقة له بالخبز بعد أن يطأطئ رأسه ولاءً وبذل الروح والنفس في معارك لا تخدم إلا أولئك العملاء المبندقين من أجل طهران.

أينما يكون عملاء إيران ووكلائها تكون الحروب ومطارق الجوع، وزُبر التشظي، ونار الفتنة والانقسامات، يتاجرون بالموت وأشلاء الضحايا، يطعنون في العقيدة والفكر، ويبنون مصائد للناس تسلخ جلودهم وعقولهم، يعيشون في الماضي ويجرونه إلى الحاضر، يتنفسون عنصرية وطائفية مقيتة، ثم يلعنون من يكفر بالجوع وبالعبودية، ويسحقون من يبحث ولو عن قليل من الكرامة وكسرة خبز بدون إهدار ماء الحياء.