نبيل الصوفي في وداع إبراهيم المزجاجي: الحاضر الغائب الذي أقنعني أن الحياة بلا ألقاب أجمل

السياسية - منذ 4 ساعات و 14 دقيقة
نيوزيمن، كتب/ نبيل الصوفي:

يحتفظ تلفوني بأول لقاء تعرفت به إلى "إبراهيم المزجاجي".. 24 يونيو 2019.

كنت أظنني أعرف الخوخة، ككثير من الادعاءات التي كشفتها الأحداث في عقولنا وقلوبنا.

قادني إبراهيم إلى قرى الخوخة لا أعرفها، وأول ما أوصلني إليه كان مخيم اليمنيين من أصول أفارقة من قبائل الدنكل.. كأنه كان يعرفني أن مظاهر الفقر والغنى ليس لها قيمة، أنت في تهامة حيث تتعفف عن التعالي عن كل شيء، بلاد تحب الألوان لكنها تقدس الثياب البيضاء، تكتمل بها ثنائية الخلود.

قضينا قرابة 6 ساعات نجوب المكان، ثم انضم لنا جلال زهير.. يعرفوني أنا المدعي بهذه البلاد التي شعرت بالخجل وأنا أكتشف جهلي بها، فقررت السكن فيها.

على بوابة مبنى كان فندق فاجأتنا وحدة عسكرية قلقة من التصوير حينها، فأوقفتنا لخمس ساعات في الخوخة والمخا.

ومن حينها إلى أول من أمس، وإبراهيم صديق الحياة، يختلف معك بكل حدة ثم يبتسم..

يذهلني بما يكتبه ثم حين أحاول إقناعه بأنه كاتب ونحتاجه كاتباً محترفاً يقنعني دون نقاش أن الحياة بلا ألقاب هي لحظة من لحظات الدار الآخرة في هذه الدنيا، كاملة متخففة لا طمع فيها بسواها. لحظة وتمر.

مروا على صفحته، ستجدون روحاً تسبح وجوداً وحضوراً..

خجول حرفي وأنا أريد الكتابة عنك يا صديقي.. حين قيل لي إنك أسلمت روحك لله تذكرت أمنيتك المعلقة، أن ترافقك عائلتك في رحلة العلاج، ونحن يا أخي بسطاء القوم لا نمتلك خيارات الترتيب لما نريد. ولعلنا ندخر حاجاتنا المعلقة ذخراً عند الله كي يردها لنا قرباً ولطفاً.

كنت على ثقة أنك ستعود وستلتقي بأمك وزوجتك وطفليك. يا لطيف كم تخدعنا مشاغلنا.

كنت تحدثنا عن الوجع كمؤمن يرى المرض عابراً لا قرار له. يا رجل، كم كنت لطيفاً حتى في حديثك عن الوجع.

هو الله وحده يا إبراهيم سيعصم قلب أمك، الذي أظنه عرف خبر موتك هكذا بالإحساس، قبل أن يخبرها أي مخلوق. فهي لم تعترف أبداً أنك صرت شخصاً مستقلاً بروحك، طيلة حياتك وهي تعاملك باعتبارك بعض روحها يسير قليلاً على الأرض ثم تلحقه بالاتصال لأن وقت ابتعادك طال.

لم يغلق إبراهيم تلفونه أبداً بانتظار اتصال أمه كل يوم تسأله: متى بترجع البيت، كأنك مهاجر من سنين.

وقد ألجمني خبر وفاتك..

حتى الآن وأنا أستجمع الكلام وأكتب، مستاء من الكلام، وحدها أمك التي رحيلك عنها لا يمكن أن تعرفه كلمة.

العزاء ممجوج يا أخي.

نقوله هكذا اعتياداً، أما وجع الفقد لا يطفئه شيء، لا يحتويه كلام.

تجر الحياة الأحياء بعيداً عن لحظة وجعهم، لكن أرواحهم تبقى معلقة تنتظر عودة الاكتمال باللقاء هناك حيث الأبدية والخلود والكمال والأحادية.

نعود للروح التي نفخنا منها جميعاً..

غاضب أنا من عجزي عن نعيك..

وأحتسبه عند الله إقراراً بالعجز، هو وحده مالك الحياة والموت، سبحانه لا نقول إلا ما يرضيه..

ونستغفره عن تثاقل إلى الأرض لا نملك أمامه شجاعة المفارقة..

إنّا لله وإنّا إليه راجعون...