أبواب موصدة وأرواح معلّقة.. إغلاق وحدات صحية بريف المخا يهدد آلاف الأسر بالموت
المخا تهامة - منذ 3 ساعات و 43 دقيقة
بين التلال الوعرة والقرى المتناثرة في عزلة الجمعة بريف المخا، حيث يصعب وصول سيارات الإسعاف، وتغيب الصيدليات عن متناول السكان، أُجبرت ثلاث وحدات صحية رئيسية على إغلاق أبوابها، عقب انسحاب مفاجئ للمنظمات الإنسانية التي كانت تدعمها منذ سنوات.
وحدات المعامرة، جحزر، والمحجر كانت بمثابة شريان الحياة لعشرات القرى المحرومة من أبسط حقوقها في الرعاية الصحية. واليوم، وبعد توقف خدماتها، باتت آلاف الأسر تواجه المجهول أمام موجة من الإسهالات، الحميات، وسوء التغذية، دون طبيب أو دواء أو حتى بارقة أمل بحل قريب.
العيادات خالية.. الألم يملأ المكان
في وحدة المعامرة الصحية، يلفت الانتباه ذلك الصمت الثقيل الذي لا يقطعه سوى طقطقة نوافذ متهالكة وصوت الرياح وهي تعصف بغرف كانت قبل أشهر تضج بالمرضى. الأسرّة مغطاة بالغبار، غرف الفحص مغلقة، وأوراق طبية مبعثرة تشهد على آخر أيام التشغيل. بعض العبوات الفارغة موضوعة في زاوية، وكأنها شهادة وفاة غير رسمية لوحدة كانت تخدم المئات.
الصورة في وحدة جحزر أكثر مأساوية؛ إذ كانت تستقبل أكثر من خمسين حالة يوميًا من قرى مترامية في الجبال والأودية. الممرات التي كانت تعج بالحركة غدت صامتة، والأقسام مغلقة بعد رحيل الكادر الطبي منذ أسابيع طويلة، فيما المرضى يتنقلون بين الأمل المفقود واليأس القاتل.
أما في وحدة المحجر، فقد صار الوضع كارثيًا. القرى التابعة لها مبعثرة في الأودية والجبال، والطريق إلى أقرب سوق أو صيدلية يستغرق ساعات طويلة، وأحيانًا يومًا كاملًا. لم يعد المرض وحده العدو، بل الفقر أيضًا، كما يقول أحد المرضى في عيادة خاصة قصدها مضطرًا رغم ضيق ذات اليد: "نتجرع المرض بغياب الصحة، ونتجرع الجوع بوسائل الفقر.. لم يبق أمامنا سوى الصبر أو الموت البطيء."
الكادر الطبي صمد ثم انسحب
يقول الدكتور معاذ العاتي، مدير وحدة المعامرة: "في مايو 2025 انسحبت منظمة (بيومي) من دعم الوحدة، ما أدى إلى توقف الدعم العلاجي وحرمان الكادر من الحوافز. ورغم ذلك واصل الفريق الطبي تقديم الخدمات لثلاثة أشهر متواصلة دون مقابل، بدافع أخلاقي وإنساني، رغم أن معظمهم من خارج المنطقة. لكن مع تدهور أوضاعهم المعيشية غادروا جميعًا. أبلغنا مكتب الصحة بالمديرية الذي زوّدنا ببعض الأدوية من مخزونه، لكنها غير كافية. ومنذ ذلك الحين لم تتدخل أي منظمة أخرى، ونتيجة لذلك انتشرت حالات الإسهال والحمى وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال."
من جانبها، أوضحت الدكتورة رزق جحزر، مديرة وحدة جحزر: "الوحدة كانت تخدم عشرات القرى وتستقبل أكثر من خمسين مريضًا يوميًا. بعد انسحاب المنظمة، أغلق قسم المعاينة والعلاج، وغادر الكادر الطبي بسبب توقف الحوافز ونفاد الأدوية. نخشى أن ينعكس ذلك سلبًا على صحة الأطفال الذين كانوا قد بدأوا بالتعافي من سوء التغذية."
أصوات تنتظر الاستجابة
يقول أحد وجهاء قرى جحزر: "نحن لا نطلب المستحيل، فقط مكان يلجأ إليه أبناؤنا عندما يمرضون. إغلاق الوحدة بعد انسحاب المنظمة أثّر على معنويات الناس وصحتهم."
فيما تضطر نساء القرى إلى السير لساعات مع أطفالهن المرضى، على دراجات نارية أو حتى على ظهور الحمير، للوصول إلى أقرب مركز صحي، في وقت لا يستطعن فيه تحمل تكاليف النقل أو العلاج.
ووجّه الأهالي ومدراء الوحدات ووجهاء القرى مناشدة عاجلة إلى خلية الأعمال الإنسانية في المقاومة الوطنية والجهات الدولية للتدخل الفوري، وإنقاذ حياة آلاف المواطنين في وحدات المعامرة وجحزر والمحجر، محذرين من أن استمرار الأزمة سيحوّلها إلى فصل جديد في سجل المآسي المنسية، حيث يصبح الصمت جريمة بحق الإنسانية ذاتها.