عبر صفقة الظل.. الصين تنقذ إيران من الحصار الأميركي

العالم - منذ 3 ساعات و 26 دقيقة
عدن، نيوزيمن:

بينما تواصل واشنطن تضييق الخناق الاقتصادي على طهران في محاولة لشل قدراتها المالية وتقويض نفوذها الإقليمي، تمكنت إيران، عبر ما بات يُعرف بـ"صفقة الظل" مع الصين، من كسر أحد أكثر أطواق العقوبات الأميركية إحكامًا.

ففي الوقت الذي كانت الإدارة الأميركية تراهن على استنزاف الاقتصاد الإيراني وحرمانه من عائدات النفط، كشفت تقارير غربية – بينها وول ستريت جورنال – عن شبكة مالية معقدة بين بكين وطهران أتاحت للأخيرة تصدير نفطها بحرية إلى الصين، مقابل تنفيذ شركات صينية مملوكة للدولة مشاريع استراتيجية ضخمة داخل إيران.

هذه القناة السرية، التي تجاوزت عائداتها ثمانية مليارات دولار خلال عام واحد فقط، أعادت إنعاش قطاعات حيوية في الاقتصاد الإيراني، وطرحت سؤالًا جوهريًا حول فاعلية العقوبات الأميركية في عالمٍ تتشكل فيه تكتلات اقتصادية جديدة لا تعترف بهيمنة الدولار ولا تخضع لقواعد النظام المالي الغربي.

ووفقًا لتقرير وول ستريت جورنال، فقد مكّنت هذه القناة إيران من تصدير ملايين البراميل من النفط إلى الصين خلال الأشهر الماضية، في صفقات لا تمر عبر النظام المصرفي الدولي، بل تُسوى عبر عقود مقايضة مباشرة.

وبموجب التفاهمات الثنائية، تحصل إيران على مقابل صادراتها النفطية عبر تنفيذ شركات صينية لمشاريع في مجالات النقل والطاقة والمطارات والاتصالات، ما يمنح طهران تدفقًا اقتصاديا حقيقيا دون أن يظهر في أي نظام مالي يخضع لرقابة واشنطن.

ويُشير التقرير إلى أن هذا الترتيب المالي المحكم يمثل نواةً لمنظومة اقتصادية موازية، تستفيد منها دول خاضعة للعقوبات مثل روسيا وكوريا الشمالية، وتعتمد بشكل متزايد على آليات مقايضة أو عملات محلية بديلة عن الدولار.

الخبير في الشؤون الإقليمية والدولية حكم أمهز يؤكد بحسب ما نشرته "سكاي نيوز عربية" أن ما يجري بين الصين وإيران لا يمكن فصله عن موقف بكين وموسكو الرافض للعقوبات الأميركية، مشيرًا إلى أن "الصين مثل روسيا لا تعترف بالعقوبات الدولية الجديدة، ولا بالعقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

ويضيف أمهز أن التعاون بين هذه الدول يندرج ضمن إطار منظمتين اقتصاديتين تتوسعان باطراد، هما منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، واللتان تسعيان لإنشاء نظام مالي بديل لتسوية المعاملات بعيدًا عن الدولار، سواء عبر المقايضة أو العملات المحلية أو آليات مالية مشتركة.

وأوضح أن العلاقات الاقتصادية بين إيران والصين لم تعد تقتصر على صفقات تجارية متفرقة، بل أصبحت "نظامًا متكاملاً من التفاهمات الثنائية، تقوده اتفاقيات استراتيجية طويلة الأمد"، مثل اتفاقية التعاون لمدة 25 عامًا التي تغطي مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل والموانئ.

بحسب المراقبين، تمكّنت طهران من تطوير خبرة فريدة في التحايل على العقوبات منذ الثمانينيات، إلا أن التعاون مع الصين مثّل نقلة نوعية في هذا المجال. فبكين، التي تُعدّ أكبر مستورد للنفط الإيراني رغم الحظر، لا تمرر هذه المعاملات عبر النظام المالي الأميركي، بل تستخدم شركات واجهة ووسطاء آسيويين وأدوات مالية محلية، ما يجعل تعقبها شبه مستحيل.

ويقول أمهز إن "إيران أصبحت أستاذة في الالتفاف على العقوبات الأميركية وغير الأميركية"، مضيفًا أن طهران "استثمرت في بناء منظومة اقتصادية مقاومة للعقوبات، تعتمد على الشراكات الشرقية، وليس على الأسواق الغربية".

ويضيف: "كلما زادت الضغوط الأميركية، ازداد تماسك التحالف بين الصين وإيران وروسيا، في مشهد يعكس تحوّل ميزان القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق".

ويرى محللون أن صفقة الظل لا تمثل مجرد مخرج اقتصادي لطهران، بل تحمل دلالات سياسية وجيوستراتيجية عميقة. فالصين، التي تتبنى سياسة الحذر في ملفات الشرق الأوسط، أظهرت عبر هذا التعاون استعدادها لتحدي النظام المالي الأميركي بشكل مباشر، فيما وجدت إيران في بكين حليفًا اقتصاديًا يضمن استمرار مواردها المالية دون مواجهة المخاطر المباشرة للعقوبات.

ويذهب مراقبون إلى أن هذا التفاهم يعزز مكانة الصين كمحور مركزي في النظام العالمي الجديد الذي يتشكّل تدريجيًا، ويقوّض قدرة واشنطن على فرض إرادتها الاقتصادية والسياسية على الدول المنافسة.

ويرى خبراء أن هذا النوع من الترتيبات الاقتصادية يمهد لظهور نظام عالمي موازٍ لا يخضع لمنظومات الدولار وصندوق النقد والبنك الدولي، بل يعتمد على شبكات مالية إقليمية تربط بين الصين وروسيا وإيران وعدد من دول الجنوب العالمي.

ويختتم أمهز حديثه بالقول إن "صفقة الظل" تمثل أكثر من مجرد تعاون اقتصادي، فهي بداية لتحالف نقدي–سياسي جديد يسعى لكسر احتكار الدولار، وبناء نظام مالي متعدد الأقطاب، يتيح للدول الخاضعة للعقوبات الأميركية التنفس من جديد.

وهكذا، بينما تواصل واشنطن استخدام سلاح الاقتصاد لمعاقبة خصومها، يبدو أن العالم يعيد كتابة قواعد اللعبة. فصفقة الظل بين بكين وطهران لم تنقذ إيران من الحصار فحسب، بل كشفت حدود النفوذ الأميركي في عصر تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية نحو شرقٍ أكثر جرأة واستقلالًا، وغربٍ يواجه اختبارًا صعبًا لهيمنة طال أمدها.