رحلة الخوف المؤجل.. نساء تعز بين قيود الحرب وحواجز التفتيش

السياسية - Sunday 02 November 2025 الساعة 06:16 pm
تعز، نيوزيمن:

في تعز، المدينة التي أنهكتها الحرب وضيّقت الخناق على طرقها، تحوّلت رحلة المرأة من مجرد عبورٍ بسيط إلى مغامرة محفوفة بالخوف والإهانة. لا شيء بات عادياً في مدينة تتقاطع فيها خطوط النار والسيطرة، حتى المشي في الشارع أو السفر للعلاج أو زيارة قريب أصبح امتحاناً للكرامة، كما تقول أمّ من تعز وهي تروي تفاصيل احتجازها لساعات عند نقطة حوثية لأنها "امرأة تسافر بلا محرم".

في تقرير جديد حمل عنوان "عبور النساء المؤجل"، كشفت رابطة أمهات المختطفين عن 113 انتهاكاً ارتُكبت بحق النساء في محافظة تعز خلال السنوات الخمس الماضية، موضحةً أن أغلبها حدث في النقاط التابعة لقوات الحوثيين المنتشرة على الطرق المؤدية من وإلى المدينة.

وبحسب التقرير، الذي استند إلى 41 مقابلة مع ضحايا وشهود وملاحظات ميدانية وتحليل وثائق داعمة، تركزت الانتهاكات في نقاط التفتيش الرئيسية مثل جولة القصر، الهنجر، الحوض، المعافر، والربيعي، حيث سجلت جولة القصر أعلى معدلات الانتهاكات، تلتها الهنجر ثم الحوض.

وأشار التقرير إلى أن نقاط ميليشيا الحوثي مسؤولة عن 63 فعلاً انتهاكياً بنسبة 55.86%، في حين ارتكبت القوات العسكرية والمحسوبة على الحكومة والموالية لحزب الإصلاح الإخواني 50 فعلاً بنسبة 44.29%.

وتنوعت الانتهاكات بحق النساء بين: إعاقة الحركة/التوقيف والتأخير (35) والتفتيش غير القانوني (27) وإتلاف الممتلكات (12) والإهانة والسب (10) والابتزاز المالي (10) وسلب/مصادرة ممتلكات (9) والتهديد (5) والتحرش (4) والاحتجاز التعسفي (1)، بعد (41) مقابلة معمقة مع ضحايا وشهود، مع تموضع الابتزاز والاحتجاز خصوصا لدى نقاط جماعة الحوثي.

التقرير، الذي يعد الأول من نوعه في توثيق هذا النوع من الانتهاكات بحق النساء في تعز، قدّم صورة قاتمة لمعاناة النساء في المحافظة المحاصَرة منذ نحو تسع سنوات. وأوضح أن القيود المفروضة على حرية التنقّل لا تنتهك فقط حق النساء في السفر، بل تمتد لتطال حقهن في التعليم والعمل والعلاج ولمّ شمل أسرهن، مؤكداً أن كثيراً من النساء اضطررن إلى تأجيل السفر لأشهر أو التخلي عنه تماماً خوفاً من التعرض للمضايقة أو الإهانة.

وأكدت رئيس رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج،  أن هذا التقرير جاء من أجل النساء وإنصافهن، كما يصف حالات النساء عند عبور الطريق في المنافذ المستحدثة نتيجة الحرب على مدينة تعز، منوهةً أن الشريعة الإسلامية كرمت المرأة وحفظت حقوقها وكذلك المواثيق الدولية والقانون الوطني وخصصت الأمم المتحدة قراراً من أجلها في حالة الحرب وهو القرار (1325) وحددت أياما لمناهضة العنف ضد المرأة.

ومن جانبه يؤكد أمين عام نقابة المحامين في محافظة تعز،توفيق الشعبي أن الانتهاكات في الواقع أكثر مما هو مذكور في التقرير، مضيفاً أن التقرير تناول موضوعات يخشى الكثير من تناولها أو الحديث عنها وهي الانتهاكات التي تتعرض لها النساء أثناء السفر والتي تعد انتهاكات خطيرة وتمثل انتكاسة في مسار حضور المرأة المتنامي في الشأن العام، وخصوصا في مدينة تعز والتي باتت تلعب فيه المرأة دوراً رائداً في مختلف المجالات.

إحدى النساء قالت: "أوقَفونا عند النقطة أكثر من ثلاث ساعات، أخذوا هاتفي وفتشوا حقيبتي أمام الناس، فقط لأنني كنت ذاهبة للمستشفى دون رجل يرافقني." هذه الشهادة واحدة من عشرات القصص التي وثّقتها الرابطة لتبيان ما أسمته "انتهاك الكرامة الأنثوية باسم الحرب والسيطرة".

ويرى التقرير أن النساء في تعز يعانين من تحدٍ مزدوج؛ فإلى جانب المعاناة الإنسانية التي تفرضها الحرب، يواجهن قيوداً سياسية وأمنية واجتماعية تحدّ من تحركاتهن. وأشار إلى أن الجماعة الحوثية تستخدم الخطاب الديني والأمني لتبرير ممارساتها ضد النساء، بما في ذلك اشتراط وجود “محرم” للسفر أو فرض إذن مسبق للعبور بين المناطق.

ودعت رابطة أمهات المختطفين المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى الضغط من أجل رفع القيود عن حركة النساء في اليمن، ووقف جميع أشكال الابتزاز والإذلال التي تتعرض لها النساء في نقاط التفتيش. كما طالبت بفتح الطرق الرئيسية المغلقة منذ سنوات، وعلى رأسها طريق الحوبان - المدينة، كأولوية إنسانية عاجلة.

وأكدت الرابطة أن حرية التنقّل حق مكفول دستورياً ودولياً، وأن استمرار هذه الانتهاكات يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، داعية إلى مساءلة القيادات المسؤولة عن هذه الممارسات التي وصفتها بأنها “جريمة ممنهجة ضد المرأة اليمنية”.

في مدينة تعز، التي كانت يوماً منارة للتعليم والثقافة، أصبحت النساء يختبرن معنى الحصار كل يوم — ليس فقط بالحواجز العسكرية، بل بالخوف والوصم والممنوعات. ورغم الألم، تقول إحدى المشاركات في التقرير: "لن نترك تعز تُغلق في وجوهنا إلى الأبد، الطريق لنا، والحق معنا، وسنمر يوماً بلا إذن من أحد."