أجساد تتآكل في العتمة.. مختطفو سجون الحوثي يواجهون الموت البطيء بلا علاج
السياسية - Wednesday 31 December 2025 الساعة 07:54 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
خلف الأبواب الحديدية المغلقة، وفي زنازين لا تعرف معنى الضوء ولا الرحمة، يعيش مئات المختطفين والمعتقلين في سجون مليشيا الحوثي في معركة يومية مع الألم والمرض والخوف كل ما يتعرضون له من انتهاكات وممارسات لا إنسانية في مقدمتها حرمانهم من الرعاية الصحية الأولية.
هناك، يتحول الجسد الإنساني إلى ساحة استنزاف صامت، حيث يُترك المرضى دون دواء، والمصابون دون رعاية، بينما تتدهور صحة الكثيرين نتيجة التعذيب النفسي والجسدي والإهمال الطبي المتعمد. وفي ظل هذا الواقع القاتم، لا يبدو الحرمان من العلاج مجرد إهمال، بل أداة ممنهجة لكسر الإرادة، وعقاب جماعي يُمارس خارج أي إطار قانوني أو إنساني.
وتشير شهادات حقوقية إلى أن السجون الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تحولت إلى أماكن للموت البطيء، حيث يُستخدم الحرمان من الرعاية الصحية كوسيلة ضغط وانتقام، في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تكفل للمحتجزين الحق في العلاج والحماية من التعذيب وسوء المعاملة. وبينما تتعالى مناشدات الأسر والناشطين، يظل الصمت سيد الموقف، وتتضاعف المخاوف من فقدان المزيد من الأرواح في ظل غياب أي رقابة قضائية أو إنسانية مستقلة.
وأعرب الناشط الحقوقي عبد اللطيف الوشلي عن قلقه البالغ إزاء الأوضاع الصحية للمعتقلين داخل سجون الحوثيين، محذراً من أن الاستمرار في حرمانهم من العلاج اللازم قد يقود إلى نتائج مأساوية لا يمكن تداركها، خاصة في ظل وجود حالات مرضية حرجة.
وأوضح الوشلي أن من بين أبرز هذه الحالات الطبيب ماجد الخزان، الذي يُحرم من أدويته رغم معرفتهم بحالته الصحية، معتبراً أن ما يتعرض له يمثل نموذجاً واضحاً لكيفية توظيف المؤسسات القضائية والأمنية الخاضعة للحوثيين في انتهاك الحقوق الأساسية للمعتقلين. وقال في منشور له على فيسبوك إن "الاختلاف أو النقد لا يبرر الظلم، وإنسانيتنا تمنعنا من القبول بأي انتهاك"، مؤكداً أن منع الدواء عن الدكتور الخزان من قبل نيابة الصحافة يشكل "جريمة وانتهاكاً صارخاً لحقه الإنساني، وتعريضاً متعمداً لحياته للخطر".
وأضاف الوشلي أن الإعلامي خالد العراسي، الذي اعتُقل مؤخراً، يعاني من مرض ارتفاع ضغط الدم، ويتطلب وضعه الصحي التزاماً دائماً بالعلاج، محذراً من أن أي انقطاع عن الدواء قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، تصل إلى الجلطات أو الفشل الصحي المفاجئ. وأعرب عن أمله في ألا يُحرم العراسي من أدويته، مؤكداً أن حياة الإنسان لا يجب أن تكون ورقة ابتزاز أو أداة تصفية حسابات سياسية.
وطالب الوشلي سلطة صنعاء بـ"الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين، وضمان حصولهم على الرعاية الصحية اللازمة"، داعياً إياها إلى أن تكون "رحبة الصدر وألا تضيق على الناس"، ومشدداً على أن احترام الحقوق الإنسانية، وفي مقدمتها الحق في العلاج، ليس منّة من أحد، بل التزام قانوني وأخلاقي لا يقبل المساومة.
من جانبه، سلّط القاضي عبدالوهاب قطران الضوء على واحدة من أكثر القضايا إيلاماً، والمتعلقة باستمرار احتجاز شقيقه الشيخ عارف قطران ونجل شقيقه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، مع بقائهما رهن الإخفاء القسري الكامل منذ 65 يوماً في سجون جهاز المخابرات بصنعاء، دون السماح لأسرتهما بمعرفة مكان احتجازهما أو الاطلاع على أي معلومات عن وضعهما القانوني أو الصحي.
وأوضح قطران، في مقال له، أن اعتقال شقيقه ونجله تم في 21 سبتمبر الماضي، مؤكداً أن الانقطاع التام للأخبار عنهما لا يمكن اعتباره أمراً عارضاً، بل يعكس – بحسب تعبيره – "نمطاً خطيراً" من الانتهاكات الممنهجة التي تشمل تعطيل العدالة، وحرمان المختطفين من أبسط الضمانات القانونية، وفي مقدمتها الحق في الدفاع، والتواصل مع الأسرة، والحماية من التعذيب والإخفاء القسري.
وأكد القاضي قطران أن قضيته لا تمثل حالة فردية، بل تأتي ضمن سياق أوسع يطال عدداً كبيراً من المحتجزين الذين يواجهون المصير ذاته، بينهم المحامي عبدالمجيد صبرة، والطبيب علي المضواحي، والصحفي ماجد زايد، والشاعر أوراس الإرياني، إلى جانب عدد من الفلاحين، هم ماجد الصايدي، ويحيى ثابت المعافا، ومحمد عبده شريان، مشدداً على أن اختلاف المهن والخلفيات الاجتماعية لا يغيّر من واقع حرمانهم الجماعي من حقوقهم الأساسية.
وحذر قطران من خطورة تطبيع الإخفاء القسري وتحويله إلى "خبر عادي" يمر دون مساءلة، معتبراً أن الصمت والتجاهل يمنحان المنتهكين شعوراً بالأمان، ويتركان الضحايا وحدهم في مواجهة المجهول، داعياً إلى كسر حالة الاعتياد وإعادة تسليط الضوء على قضايا المختفين قسرياً بوصفها جريمة لا تسقط بالتقادم.
وسخر القاضي عبدالوهاب قطران من الخطاب الذي تروّجه سلطة صنعاء (الحوثي) لتبرير الاعتقالات والإخفاء القسري، بزعم أنها إجراءات تهدف إلى "حماية المعتقلين من أفكارهم". وقال قطران، في منشور على منصة "إكس"، إن "أقوى تبرير للقمع ليس القوة، بل الادعاء بالحماية"، مضيفاً أن هذا الخطاب يعكس عقلية سلطوية تعتبر السيطرة شكلاً من أشكال الرعاية، والسجن وسيلة للحماية، والإذلال ممارسة أخلاقية مبررة.
ووصف هذا الخطاب بالبائس والمتغطرس، لأنه يقلب الحقائق رأساً على عقب، ويحوّل الضحية إلى متهم، والمعتقل إلى شخص "محمي" من نفسه، في مشهد – بحسب تعبيره – يعرّي التناقض الفج في الخطاب الرسمي، ويكشف محاولات تجميل القمع وإلباسه ثوب الإنسانية الزائف.
من جهته، ربط الصحفي اليمني حسن الوريث بين تصاعد الانتهاكات داخل السجون وتنامي حالة الاحتقان الشعبي في مناطق سيطرة الحوثيين، معتبراً أن المأساة تبلغ ذروتها حين "يتحول من يفترض أنه مظلوم إلى طرف يمارس الظلم".
وقال الوريث، في منشور على صفحته بموقع فيسبوك: "ما أسوأ المظلوم حين يتحول إلى ظالم، وما أبشع الضحية حين يتحول إلى جلاد، الشعب اليمني لعبة بينهما، والظلم ظلمات"، في إشارة إلى حالة الإحباط والغضب التي تسود الشارع اليمني.
وخاطب الوريث الجهات التي قال إنها تحاول مضايقته في عمله الصحفي، مؤكداً أن الترهيب لن ينجح في إسكات الأصوات الناقدة، وأضاف: "إلى ذلك الذي يدور على الأبواب لمضايقتي في عملي، الأرزاق بيد الله، والاحتقان الشعبي يزداد يوماً بعد يوم، فهل وصلت الرسالة؟".
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تعكس حالة سخط متنامية في المجتمع، في ظل استمرار القمع وتجاهل معاناة المعتقلين وأسرهم، واتساع الفجوة بين سلطة الأمر الواقع والمواطنين، بما ينذر بتداعيات اجتماعية وإنسانية أعمق.
وتؤكد تقارير دولية موثوقة أن حرمان المحتجزين من الرعاية الصحية في سجون الحوثيين يُعد انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وقواعد معاملة السجناء، وقد وثقت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش حالات متعددة لوفاة محتجزين نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي، إضافة إلى استخدام الحرمان من العلاج كوسيلة عقاب وضغط نفسي.
>
