صحوة "الغذاء العالمي" ليست طوعية.. 3 أعوام في إغاثة الحوثيين!

متفرقات - Thursday 10 January 2019 الساعة 10:06 pm
الحديدة/المخا، نيوزيمن، محمود زبين:

برنامج الأغذية العالمي، المنظمة الأممية الوحيدة التي كانت مضطرة مؤخراً إلى كشفت بعض الحقائق المتعلقة بممارسات الحوثيين الإجرامية المرتبطة بالمساعدات الإغاثية في اليمن، تحت ضغط من عوامل وأسباب تجمعت ولم يعد يمكن الإنكار أو مواجهة عاصفة لا سبيل إلى منعها.

ما كشفه البرنامج في بيان حول نتائج تحقيقه الخاص، جاء بعد ثلاثة أعوام من العمل مع جماعة الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، ووفق شروطهم ودون أي موقف سابق يعترض أو يحتج أو يعبر عن قلق حتى، كما جاء عقب تسليط الضوء على عمليات فساد والمطالبة بالتحقيق في التقصير الذي رافق تنفيذ خطة الاستجابة الطارئة اﻷممية لـ22 مليون يمني المقدمة لمجلس الأمن الدولي.

لم يكن الأمر مفاجئاً

راكم "نيوزيمن" التقارير والأخبار المتعلقة بفساد برامج الإغاثة تحت سيطرة المليشيات الحوثية والسلطات الانقلابية على مدار الأشهر الماضية، ووثق حتى الحوادث المحلية وسوء الإدارة وتحويل المساعدات إلى مصارف خاصة على مستوى حارة في حي سكني بالعاصمة صنعاء.

ووصولاً إلى الضغوط الانتهازية والابتزازية تحت ذرائع الأزمة الإنسانية والمساعدات الغذائية والإغاثية خلال مجريات معركة تحرير الحديدة وإلى ما آلت إليه، واكب ورصد نيوزيمن تجاوزات وتواطؤ البرامج الإغاثية الأممية مع المليشيات وسوء التوزيع والإخلال بالحيادية وترجيح كفة المليشيا الانقلابية على الدولة والشرعية بل وعلى الأولويات الإنسانية الملحة نفسها.

لكن الصوت العالي للمنظمة الدولية ووكالاتها العاملة كان يلقى القبول ويأخذ بالاهتمامات جهة ما يدعوه أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ليكتشف العالم مؤخراً أن أكبر عملية هدر وتبديد وفساد مورست باسم الأعمال الإنسانية والإغاثية ولمصلحة المليشيا وبتواطؤ المكاتب والمنظمات الدولية العاملة في صنعاء.

سيرة ملتبسة: في الخلفيات

العلاقة غير الطبيعية بين برنامج الغذاء العالمي والحوثيين، كشفتها رسالة بعثها أحد مسؤولي برنامج الأغذية في اليمن في سبتمبر الماضي يرجو فيها المدعو مهدي المشاط رئيس ما يسمى "المجلس السياسي" للمليشيات الإفراج عن موظفين اثنين اختطفتهما الجماعة من الحديدة، منبهاً المشاط إلى أن البرنامج لن يسكت بعد اليوم على ممارسات الحوثيين بحقه.

كان واضحاً أن ما بعد هذه الرسالة التي وصفت ب"السرية" لن يكون كما قبلها. لكن الشكوك حول دوافع ومصداقية الخطاب الجديد وعلى استحياء، فالبرنامج لم يكن بعيداً عن الدوائر الملتبسة خلال عمل امتد ثلاثة أعوام، ومن غير المفهوم أنه لم يجر تحقيقاً واحداً أو يراجع عمله وآلياته ولا حتى مرة!!

تدرج البرنامج تصاعدياً في الكشف عن انتهاكات وممارسات ترتكبها المليشيا الحوثية في ظل ضغط حقوقي وإعلامي متزايد، بدأها في أكتوبر الماضي حيث قال البرنامج إن موظفيه يُمنعون من الوصول إلى 51 ألف طن من مخزون القمح لديه بشركة مطاحن البحر الأحمر في مدينة الحديدة، الخاضع لسيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران.

ولم تنته باتهامات صريحة وجهها المدير التنفيذي للبرنامج ديفيد بيزلي للحوثيين في نوفمبر الماضي بأنهم "يشكلون أكبر عائق أمام إيصال المساعدات على الأرض في اليمن في تصريحات نقلتها شبكة "بي بي سي" الإخبارية، كاشفاً النقاب عن تمركزهم في مستودعات الأغذية بمدينة الحديدة، كما زرعوا ألغاماً في مطاحن دقيق البحر الأحمر.

ليتواصل سيل الاتهامات للمليشيا من قبل مدير البرنامج في 7 ديسمبر الجاري بعرقلة وصول المساعدات الغذائية إلى المدنيين في اليمن، ثم اتهمهم بعد أيام قليلة برفض إعطاء موظفيه تأشيرات دخول إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتهم والتي هي بحاجة إلى مساعدات لتفادي المجاعة.

بالمقابل كثفت مليشيا الحوثي ضغوطها على مسؤولي البرنامج فقد كشفت وسائل إعلام عالمية عن أن مسؤولي برنامج الأغذية العالمي ووكالة التنمية والإغاثة العالمية (أدرا) يتعرضون لضغوط من المليشيات الحوثية بهدف استخدام قوائم المستفيدين من المتمردين في توزيع المساعدات واستخدام الموظفين المرتبطين بالحوثيين في المرافق الصحية التي تديرها "أدرا".

الصحوة التي تأخرت 3 أعوام

وأمام تلك المعضلات لجأ موظفو البرنامج الأممي للتواصل مع عينات عشوائية من موظفين حكوميين في المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي للتأكد من استلامهم حصصهم من السلال الغذائية، فالبرنامج "لا يستطيع مراقبة سوى 20 بالمائة فقط من عمليات تسليم مواد الإغاثة التي تستهدف 10 ملايين شخص شهريًا بسلال غذائية عبر 5000 موقع توزيع يمتلكها في أنحاء البلاد"، وفقاً لتحقيق نشرته وكالة اسوشيتد برس.

ليفاجأ الموظفون الأمميون أن لا أحد من الموظفين وصحفيين في مؤسسة الثورة للصحافة والنشر تسلم السلال الغذائية المذكورة لشهر نوفمبر الماضي، باﻹضافة إلى حصوله على أدلة تثبت الاحتيال والتزوير الذي تمارسه المليشيات في كشوف المستفيدين من المساعدات في المحافظات والمناطق التي لا تزال تحت سيطرتها.

لكن الأسئلة واجبة أمام نتائج كارثية تضرب مصداقية المؤسسة الدولية المؤتمنة على الإنسانية وفقراء العالم وإغاثة المحتاجين. كيف أن صحوة كهذه تأخرت 3 أعوام كاملة، كانت خلالها الأصوات عالية بالتحذيرات حيناً وبالاتهامات حيناً وبالمناشدات ثالثاً.

وأمام مطرقة الاتهامات الحقوقية والصحفية وسندان الضغوط الحوثية، اختتم برنامج الأغذية العالمي العام الميلادي 2018م ببيان نشره الاثنين 31 ديسمبر يحمل اتهامات صريحة لمليشيا الحوثي بتحويل مسار المساعدات الإغاثية لبيعها في السوق السوداء بالعاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها، كاشفاً عن أدلة تثبت قيامها بالسرقة والاحتيال، ووصف مدير البرنامج اﻷممي المليشيا بأنها "تسرق الطعام من أفواه الجائعين"!!

وطالب البرنامج التابع للأمم المتحدة، في بيانه، الحوثيين "بإنهاء فوري لتحويل مسار الإغاثة الغذائية الإنسانية". التي وصف سلوكياتها بـ"الإجرامية"، مؤكداً أن مواطنين مستحقين في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون لم يحصلوا على حصص غذائية يحق لهم الحصول عليها، وأنه في مناطق أخرى حُرم المستحقون من الحصص كلها.